مناورات عسكرية جزائرية - روسية تغذي جدل الاصطفافات الدولية

تحالفات واصطفافات عسكرية
تجري القوات البحرية الجزائرية والروسية مناورات تمتد على أربعة أيام في البحر المتوسط، وهذه المناورات على طابعها المبرمج، لكنها تحمل دلالات سياسية، في ظل حالة الاستقطابات الحادة التي يشهدها العالم بفعل الأزمة الأوكرانية، ومع تصاعد أصوات من داخل واشنطن تطالب بمعاقبة الجزائر على خلفية تعاونها العسكري المتنامي مع روسيا.
وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن شروع وحدات من القوات البحرية في إجراء مناورات عسكرية بالاشتراك مع قوات مماثلة من روسيا، لتكون بذلك المناورة الثانية في غضون الأشهر الأخيرة، الأمر الذي يكرس عزم البلدين على تعزيز تعاونهما العسكري.
وذكر بيان لوزارة الدفاع الجزائرية أن “مجموعة سفن حربية من الأسطول الروسي رست الثلاثاء في توقف يدوم أربعة أيام، لتنفيذ تمرين المناورات البحرية المشتركة 2022، وأن التمرين يجري في إطار تعزيز علاقات التعاون العسكري الثنائي بين القوات البحرية للجيش الوطني الشعبي والقوات البحرية الروسية”.
ولم يفصح البيان عن الميناء الذي رست فيه السفن الحربية، لكن المرجح أن يكون قد تم ذلك في أحد السواحل الشرقية أو الوسطى للبلاد، قياسا بتموقع مقار وحدات السلاح البحري كالعاصمة وجيجل.
وكانت كاسحة ألغام روسية قد رست بميناء جيجل شرقي الجزائر لتنفيذ تمارين مشتركة مع البحرية الجزائرية خلال شهر سبتمبر الماضي. كما تم تنفيذ مناورات في عرض البحر خلال العام 2012، بين قوات بحرية جزائرية – روسية مشتركة.
وتأتي هذه المناورات المندرجة ضمن أجندة التعاون العسكري بين البلدين، في ظل تطورات إقليمية ودولية جيوإستراتجية، أفضت إلى اصطفافات ومواقف ستلقي بظلالها على المرحلة القادمة، خاصة في ما يتعلق بالصراع الروسي – الغربي في أوكرانيا، وتفعيل كلاهما لسياسة التحالفات التقليدية بينهما.
ولا تزال الجزائر تعتبر الحليف التاريخي لروسيا في منطقة شمال أفريقيا، فهي تعد من أكبر زبائن السلاح الروسي، وقد أبرمت في السنوات الأخيرة صفقات ضخمة مع موسكو للتزود بمختلف أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية، خاصة منها الجوية والبرية.
وجاءت الأزمة الأوكرانية لتلقي بظلالها على الجزائر، وتوقعها في حالة استقطاب غير مسبوقة بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة ثانية، خاصة في مجال الطاقة والتعاون العسكري، ولو أنها تدير التوازنات بشكل مقبول إلى حد الآن، لكن تصاعد انزعاج الطرفين قد يكلفها فاتورة مستقبلية.
وأظهرت الجزائر وروسيا تعاونا وثيقا في المجال العسكري، حيث نظما العديد من المناورات المشتركة سواء في الجزائر أو روسيا، وينتظر أن تنظم مناورات مماثلة خلال شهر نوفمبر المقبل في أقصى الحدود الغربية، تحت عنوان محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة.
ويقود التعاون الكثيف بين الطرفين إلى المزيد من الانزعاج الأميركي والغربي بشكل عام، حيث توسعت لائحة نواب الكونغرس الأميركي إلى نحو 30 توقيعا، طالبوا الحكومة بإدراج الجزائر في خانة أعداء أميركا بسبب تعاونها العسكري مع موسكو.
وكانت العريضة قد ذكرت أن “إبرام صفقات تسليح ضخمة مع روسيا يمثل تنفيسا للخزينة الروسية، قياسا بعائدات تلك الصفقات، الأمر الذي يعيق جهود واشنطن والمجموعة الأوروبية في فرض عقوبات رادعة ضد روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، وأن مثل تلك الصفقات تعينها على إيجاد موارد مالية بديلة”.
ومنذ قدوم القيادة العسكرية الجديدة في الجزائر بقيادة الفريق أول سعيد شنقريحة، ظهر تقارب وثيق بين الجزائر وروسيا، خاصة في المجال العسكري، وبات الحديث عن أجنحة موالية لموسكو داخل الجيش، مما يكون قد أثار انزعاج الحكومات الغربية، لاسيما مع التسريبات التي طفت على السطح خلال اللقاء الذي جمع السفيرة الأميركية بالجزائر مع قائد أركان الجيش، والتي تحدثت عن “توصيات بالابتعاد عن النفوذ الروسي لأن الكلمة الأخيرة ستعود إلى الغرب في الأزمة الأوكرانية”.
ويبدو أن روسيا تسوق بشكل غير مباشر لتحالفها مع الجزائر، من خلال تركيز مستمر لتقارير روسية عن تطورات الجبهة العسكرية في الجزائر، حيث أفردت منذ أيام قليلة وكالة “سبوتنيك” تقريرا مفصلا حول امتلاك الجزائر لمنظومة دفاع ” أس – 400″، التي كان امتلاكها محل شك لدى بعض الدوائر المتابعة.
وكانت الجزائر قد استعرضت منظومة ” أس – 300″ خلال الاحتفالات العسكرية التي انتظمت بمناسبة ستينية الاستقلال الوطني في شهر يوليو الماضي، وتضاربت حينها الروايات بشأن منظومة “أس – 400″، إلى أن جاء التأكيد من طرف وكالة سبوتنيك.
وتصاعدت أصوات جزائرية في الآونة الأخيرة تدعو إلى ضرورة الإبقاء على المسافة المطلوبة في الصراع الروسي – الغربي بأوكرانيا، باعتبار الانحياز لطرف ما سيثير غضب الطرف الثاني، وقد يتطور الأمر إلى نوع من الانتقام على غرار ما وقع للعراق في مطلع الألفية، خاصة وأن البلاد ليس بمقدروها مواجهة أو إدارة موازين القوى الكبرى.
وعبّر هؤلاء عن خشيتهم من أن يؤدي التقارب مع الروس إلى ضغوط مستقبلية من طرف الغرب، فالليونة التي تبديها أوروبا حاليا تجاه الجزائر منبعها تأمين الحصول على الغاز، وأي مخرج للأزمة الأوكرانية يصب خارج ذلك، سيكشف عن النوايا الغربية تجاه حليف روسيا في شمال أفريقيا.