"انتفاضة ثالثة" قد تتفجّر في الضفة الغربية من "تلغرام"

يتنقل شبان فلسطينيون داخل الضفة الغربية المحتلة، على دراجات نارية حاملين صور قائدهم الجديد زعيم مجموعة ”عرين الأسود” الذي قتلته إسرائيل خلال مواجهة عنيفة في أغسطس الماضي، ما يشي باحتمال اندلاع “انتفاضة” جديدة، بعد أن أوقعت المداهمات والاشتباكات أكثر من 115 فلسطينيا، وهي ثاني أعلى نسبة منذ نهاية “الانتفاضة الثانية”.

مجموعة "عرين الأسود" انتشرت شعبيتها بسرعة من خلال رسائل تلغرام المشفرة

نابلس

 لا تزال المسيرات الإسرائيلية تحوّم في سماء نابلس بدون انقطاع منذ أسابيع، فيما يغلق جنود إسرائيليون منافذ المدينة. وعلى مدى الأشهر الماضية تصاعد التوتر في شمال الضفة الغربية المحتلة، ما جعل البعض يتحدث عن مؤشرات “انتفاضة جديدة”.

كان النابلسي الملقب بـ”أسد نابلس” وهو من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، يحمّس الشباب المحليين منذ شهور بخطابه القوي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك ضد السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس التي يتهمها بـ”التعاون” مع إسرائيل.

وبعد مقتله، شكّل مقاتلون شباب كانوا ينتمون إلى فصائل مختلفة مثل حركة فتح والجهاد الإسلامي أو حركة حماس مجموعة “عرين الأسود” التي انتشرت شعبيتها بسرعة من خلال رسائل تلغرام المشفرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويقول شاب يطلق على نفسه اسم “أبوعدي” لوكالة فرانس برس إنه انضم إلى “عرين الأسود” لأنها “المجموعة التي اختارت مقاومة الاحتلال بالسلاح بعيدا عن كل الفصائل، والانتماء لله والوطن هو أهم أولوياتها”.

ويضيف قائلاً إن هدف هذه المجموعة “واحد: مقاومة الاحتلال المسلح في كل مناطق تواجده، فنحن مجموعة عدد أفرادها قليل نسبيا، ومدرجون على لائحة الاغتيال الإسرائيلي، واستمرارنا مرهون بمن ينضم إلينا وطريقة إدارة الأمور في الأيام القادمة”.

ودعت مجموعة “عرين الأسود” هذا الأسبوع إلى تظاهرات ليلية في جميع أنحاء الضفة الغربية عبر قناتها على تلغرام التي يتبعها ما يقرب من 180 ألف حساب. وتجمّع فلسطينيون في مناطق متفرقة للتظاهر، ما أدى إلى اشتباكات جديدة مع الجيش الإسرائيلي.

وتزايد العنف في الأشهر الأخيرة في شمال الضفة الغربية، لاسيما في منطقتي نابلس وجنين، وهما معقلان للفصائل الفلسطينية المسلحة. وكثّفت قوات الدولة العبرية مداهماتها في أعقاب اعتداءات دامية ضد إسرائيليين في مارس وأبريل نفذها فلسطينيون بعضهم من سكان إسرائيل.

وأسفرت المداهمات والاشتباكات عن مقتل أكثر من 115 فلسطينيا، وهو أكبر عدد من القتلى في الضفة الغربية منذ سبع سنوات، وثاني أعلى نسبة منذ نهاية “الانتفاضة الثانية” التي اندلعت في الثامن والعشرين سبتمبر 2000 بعد انتفاضة 1987 - 1993 التي أعقبتها اتفاقات أوسلو.

ويقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في شمال الضفة الغربية خضر عدنان الذي اعتقلته إسرائيل مرارا “قد تكون هذه بداية انتفاضة، فعرين الأسود توحّد المقاومة. هؤلاء الشباب ليسوا تحت رعاية تنظيم معين. بالنسبة إليهم المقاومة أهم من أي حركة معينة”.

ويقول أبومصطفى وهو مناضل من الانتفاضة الأولى “بالتأكيد جيل الشباب ليس لديه أمل ولا عمل ولا أفق ويعيش تحت الاحتلال”، ويضيف “لكن أن تكون هناك انتفاضة ثالثة فهذا يتطلب اتفاقا بين الفصائل، ليس هذا هو الحال. حماس تبحث عن الشرعية الدولية واليسار ضعيف وفتح تتشبث بالسلطة والجهاد الإسلامي كان جاهزا أمس واليوم وسيكون غدا”.

ويرى عدنان أنه “إذا تركزت الاحتجاجات في شمال الضفة الغربية، فقد تنتشر في جميع أنحاء المنطقة”، موضحا أنه “على سبيل المثال في حال اغتالت القوات الإسرائيلية فتحي خازم الذي هو أكثر من بطل وهو رمز حقيقي، ستكون هناك انتفاضة كاملة”.

وأصبح فتحي خازم أحد أهم المطلوبين الفلسطينيين من قبل إسرائيل. وهو والد رعد خازم المتهم بتنفيذ هجوم بإطلاق النار في حي ديزنغوف في تل أبيب أدى إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين في أبريل الماضي.

وقُتل رعد برصاص الشرطة الإسرائيلية بعد مطاردة قصيرة. وذكرت مصادر أن الرجل فقد ابنا ثانيا هو عبد خازم خلال غارة في مخيم جنين الفلسطيني أطلق خلالها صاروخ باتجاه منزله أدى إلى هدمه. ويخرج الأب من حين لآخر محاطًا بعشرات من المقاتلين الملثمين والمسلحين برشاشات “إم 16”.

وقبل أربعة أيام قام رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الذي تواجه حكومته انتقادات، بزيارة نادرة إلى المخيم في جنين حيث ظهر إلى جانب خازم ومسلحين فلسطينيين كانوا أكثر من الشرطة الفلسطينية.

وقال اشتية “من مخيم التضحيات مخيم جنين نقول إن دماء الشهداء لن تذهب سدى، وعتمة السجون التي يدفع ثمنها أسرانا لن تذهب سدى، وهذا النضال عملية تراكمية. جيل يسطر خلف جيل وتضحيات خلف تضحيات”.

وأكد أن “جنين سطرت الوحدة الوطنية على الأرض”، متهماً إسرائيل بـ”عدم الرغبة في السلام” وبتكثيف احتلالها منذ 1967.

في الوقت نفسه، زار وسيط الأمم المتحدة للشرق الأوسط تور وينسلاند نابلس وجنين لمحاولة تخفيف التوتر في هذه المنطقة التي بقيت في السنوات الأخيرة، في ظل غزة الجيب المنفصل جغرافيًا والخاضع لسيطرة إسلاميي حماس.

وقال وينسلاند إن حماس ومنذ حربها الأخيرة مع إسرائيل في 2021 “تريد أن تظل غزة هادئة نسبيًا مع السماح لديناميكية ما بالظهور في الضفة الغربية”، مشددًا على أن مجموعات محلية “تستطيع على الأرجح الوصول إلى تمويل خارجي”.

وأضاف “لست قادرا على التنبؤ بالاتجاه الذي ستتخذه التعبئة ورواية نابلس، لكن الأولوية يجب أن تكون لتهدئة الوضع وكبح أنشطة مستوطنين متطرفين” يضاعفون هجماتهم على الفلسطينيين وحتى على الجيش الإسرائيلي في بعض الأحيان.