صندوق النقد معجب بما أظهرته الحكومة التونسية من إصرار على إنجاح المفاوضات

شكل تعاطي الحكومة التونسية مع المفاوضات التي جرت مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مثار إعجاب مسؤولي الصندوق، حيث أبدى الفريق التونسي إصرارا لافتا على الوصول بهذه المفاوضات إلى "خواتيم سعيدة"، في ظل التحديات التي تعصف بالوضعية المالية للبلاد.

تونس نموذج مضيء

تونس

 أشاد صندوق النقد الدولي الأحد بالجهود التي بذلتها الحكومة التونسية للتوصل إلى اتفاق جد مهم مع خبراء الصندوق، معربا عن ارتياحه للاهتمام الذي توليه السلطة السياسية في تونس لشبكات السلامة الاجتماعية.

وتوصلت الحكومة التونسية في وقت سابق إلى اتفاق أولي مع الصندوق على مستوى الخبراء للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 48 شهرا. ومن شأن الاتفاق الذي ينتظر أن تتم المصادقة عليه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، أن يخفف من وطأة الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد منذ أشهر، ويضعها على سكة الإصلاح.

ووصفت مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا الاتفاق مع تونس بالنقطة المضيئة، مشيرة إلى أن الحكومة التونسية بذلت جهودا شاقة للتوصل إلى الاتفاق الذي سيوفر لها الكثير من فرص العمل ويدعم قدراتها.

وقالت جورجيفا في لقاء تلفزيوني “إن تونس استحقت هذا القرض بفضل برنامجها، وقد عمل أفراد الفريق الحكومي التونسي بجد ودارت بينهم نقاشات طويلة وصعبة”. ولفتت مديرة الصندوق إلى الاهتمام الذي توليه تونس لشبكات السلامة الاجتماعية، ووصفت جورجيفا الأمر “بالمهم للغاية، حيث صمم بشكل يجعله يستهدف الفئات المعنية بدقة، مما سيضمن حصول الأشخاص الأكثر حاجة على المساعدة ويحول دون استنزاف غير المحتاجين للموارد العامة”.

وأعدت الحكومة التونسية برنامجا وطنيا لدعم الفئات الهشة والعائلات المعوزة بالتعاون مع دول صديقة، على غرار ألمانيا والولايات المتحدة والمنظمات الدولية العريقة مثل يونيسف. وسيمتد برنامج المساعدات الذي أطلق عليه “أمان” على أحد عشر شهرا، وستواصل الدولة بعد ذلك تنفيذ هذا البرنامج على ميزانيتها الخاصة.

وقد شكل البرنامج مثار اهتمام واشنطن التي أعلنت عن تقديم منحة بقيمة 60 مليون دولار لدعم البرنامج. وستسند المنحة في إطار تحويلات نقدية شهرية لفائدة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و18 سنة، والمنتمين إلى الأسر المعوزة ومحدودة الدخل، وذلك لفائدة 305 آلاف طفل، إضافة إلى مجموعة من التدابير المصاحبة من أجل جودة الخدمات الاجتماعية. وأظهر الرئيس التونسي قيس سعيّد حرصا على تفعيل مبدأ العدالة الاجتماعية، وتبني خطوات تستهدف تحسين أوضاع الفئات الفقيرة والمهمشة، لكن الوضع المالي الصعب للدولة التونسية يعرقل هذه الجهود.

وتأمل حكومة نجلاء بودن في أن يؤدي الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي إلى انتعاشة نسبية، تعزز قدرتها على تنزيل المبادرات الاجتماعية  على أرض الواقع. وأشارت مديرة صندوق النقد الدولي في معرض حديثها عن تونس إلى برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي يفترض على الحكومة القيام به، والذي سيجعل الاقتصاد التونسي أكثر قوة وأكثر حيوية ويخلق فرص عمل أكثر، مما سيسهل على رواد الأعمال الحصول على التمويل والفرص المتاحة.

وأوضحت جورجيفا أن برنامج الإصلاحات يولي قدرا كبيرا من الاهتمام لكيفية جعل تونس أكثر اعتمادا على نفسها من ناحية الأمن الغذائي. وذكرت المسؤولة أن الجانب التونسي أبدى رغبته في خوصصة بعض المؤسسات العمومية، قائلة إن هذا إنجاز مستحق بامتياز للحكومة التونسية.

وتعوّل تونس كثيرا على نتائج القرض الجديد من الصندوق لتخفيف حدة الأزمات الداخلية بعد ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات، وما نجم عن ذلك من تململ اجتماعي يمكن أن تتفاقم مخاطره في الفترة المقبلة، حيث باتت الحكومة مطالبة بالوفاء باستحقاقات عاجلة لمنع اتساع نطاق الغليان الاجتماعي.

ويتعين على تونس المضي قدما في إصلاحات ملحة كانت محور المفاوضات مع مسؤولي الصندوق على مدى عدة أشهر، تشمل أساسا التحكم في كتلة الرواتب ومراجعة نظام الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية المتعثرة، لكن هذه الإصلاحات تلاقي تحفظات واسعة من منظمات ذات ثقل على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل.

ويشمل البرنامج المتفق عليه بين الصندوق والحكومة التونسية تغييرات لتوسيع قاعدة الضرائب وتوسيع تغطية شبكة الأمان الاجتماعي، لمساعدة الأشخاص الأكثر فقرا على مواجهة ارتفاع الأسعار، وسن قانون يحكم إصلاح الشركات المملوكة للدولة.