الآلاف من السودانيين يحتجون على تصاعد العنف القبلي بالنيل الأزرق
الأزمة تتعمق في السودان بعد عام على الانقلاب

لا انفراجة رغم تعدد مبادرات الحل
يعكس احتجاج الآلاف من السودانيين الأحد اعتراضا على تنامي العنف القبلي في ولاية النيل الأزرق والذي أوقع قرابة مئتي قتيل، حدة الأزمات التي يمر بها السودان بعد عام على انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
ويقول الخبراء إن النزاعات القبلية تتصاعد في السودان بسبب الفراغ الأمني. وزاد من تدهور الأمور انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، عندما أطاح قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بشركائه المدنيين من الحكم الانتقالي المتفق عليه عقب سقوط الرئيس السابق عمر البشير في 2019.
ومنذ العام الماضي، ينزل سودانيون إلى الشوارع كل أسبوع تقريبا للاحتجاج على الانقلاب، على الرغم من قمع قوات الأمن الذي أسفر عن سقوط قرابة 120 قتيلا.
ويقول الخبير بالشؤون السودانية في معهد ريفت فالي مجدي الجزولي إن “كل النقاش السياسي يتمحور حول من سيحكم البلاد”. ويضيف “لكن أحدا لا يقول ماذا سيفعل في الحكومة أو كيف سيعمل على حل الأزمة الاقتصادية”.
ويعاني اقتصاد السودان، إحدى أكبر الدول العربية من حيث المساحة والتعداد السكاني، وأحد أكثر بلدان العالم فقرا، من تبعات عقود من العقوبات الأميركية في عهد البشير، أضيف إليها اعتبارا من العام 2011 انفصال الجنوب، حيث كل حقول النفط. كما أدى الفساد دورا كبيرا في التدهور الاقتصادي للبلاد.
وأحيت الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة بعد إسقاط البشير، آمال السودانيين في تحسّن أحوالهم، إذ رفعت واشنطن بلادهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعادت المساعدات الأجنبية التي ناهزت ملياري دولار سنويا.
لكن الدول المانحة قررت تعليق مساعداتها للسودان بعد الانقلاب، مؤكدة أنها لن تستأنف دعمها للخرطوم ما لم تعد السلطة إلى أيدي المدنيين. وفي مطلع أكتوبر، ناشد وزير المالية جبريل إبراهيم البنك الدولي استئناف مساعداته، معللا ذلك بأن “الأفقر” في البلاد هم من يعانون من تعليق المعونة.
وما بين تضخم تخطى المئة في المئة ونقص في المواد الغذائية، يعاني ثلث السكان البالغ عددهم 45 مليونا من الجوع. وبسبب نقص الإمكانات، خرج سبعة ملايين طفل من التعليم، بينما يقيم الموظفون والتجار إضرابات بشكل منتظم احتجاجا على غلاء المعيشة.
ويخشى العديد من السودانيين أن يعود النظام القديم على المستويين السياسي والاقتصادي، خصوصا بعدما استعاد العديد من أنصار البشير مناصبهم. وتسبب الانقلاب في فراغ أمني أدى إلى عودة النزاعات القبلية، التي راح ضحيتها منذ بداية العام الجاري نحو 550 قتيلا و210 آلاف جريح.
وكان قائد الجيش البرهان تعهد بإجراء انتخابات في منتصف 2023. لكن الجزولي يرى أن هذا الاحتمال “ضعيف للغاية”، موضحا أن “السياسيين لا ينظمون انتخابات إلا بعد الاتفاق على طبيعة النظام المستقبلي” وعلى تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين.
وتتعمق يوميا الخلافات بين المدنيين الموافقين على التفاوض مع الجيش، والرافضين تماما لأي تعاون معه.
ويعتقد مراقبون بأن هذه “الخلافات أتاحت للانقلابيين أن يبقوا” في السلطة، غير أن الكتلة المدنية توحدت في يوليو الماضي عندما أعلن البرهان استعداده لترك الحكم لحكومة مدنية، إذ اتخذت موقفا موحدا تمثل في إدانة “الانسحاب التكتيكي”، معتبرة أنه يهدف عمليا إلى إبقاء هيمنة العسكريين على السلطة، وهو ما حصل بشكل شبه متواصل منذ الاستقلال.
ولم تسفر المبادرات السياسية التي اتخذت خلال الأشهر الماضية، عن أي نتيجة. وتمثلت إحداها في مسودة مشروع دستور اقترحته نقابة المحامين الموالية للتيار الديمقراطي.
ولاقت الخطوة ترحيب قياديين مدنيين، وأيضا الرجل الثاني في النظام العسكري الفريق محمد حمدان دوقلو المعروف بحميدتي.
وفي منتصف أكتوبر، قال الوزير المدني السابق في حكومة عبدالله حمدوك، خالد عمر يوسف إن الانقلابيين “وافقوا على الوثيقة كقاعدة لنقل السلطة إلى المدنيين”. وأضاف “هذا مؤشر إيجابي، ولكن المشكلة لم تحل”.
ويقول حسام علي، من لجان المقاومة في الأحياء التي تنظم التظاهرات ضد الانقلاب، إن “السودانيين يرون كل يوم أن الانقلابيين ليست لديهم أي نية للتفاوض أو التشارك”. وتابع “نحن نتحلى بالصبر اللازم لإسقاطهم”.
ويؤكد الجزولي أن أيا كان مصير هذه المبادرة، يبقى المؤكد أن الجيش يريد الحفاظ على “الهدف الأول للانقلاب”، أي الاحتفاظ بـ”حق فيتو (نقض) دائم في الأمور السياسية”.