السلطات المصرية تفرج عن العديد من المسجونين في قضايا مختلفة

مصر تلجأ إلى الرقابة الإلكترونية لتخفيف الضغوط في ملف السجناء

الإفراج عن السجناء بات متاح

القاهرة

 تبدي الحكومة المصرية حرصا على إحداث انفراجة في ملف حقوق الإنسان الملغم بالمشكلات من خلال التوسع في الإفراج عن السجناء، وعلى رأسهم المعتقلين في قضايا رأي وحريات، لتخفيف الضغوط الواقعة عليها في هذا الملف من الداخل والخارج، وغلق الكثير من الثغرات التي تتسلل منها قوى معارضة.

وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارا جمهوريا الاثنين بالعفو عن الناشط السياسي البارز زياد العليمي، فيما كشفت مشيرة خطاب رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر أن بلادها تدرس بشكل جاد تطبيق بدائل للحبس الاحتياطي منها ارتداء “السوار الإلكتروني”.

واستقبلت العديد من الدوائر الحقوقية قرار السيسي ورؤية المجلس القومي لحقوق الإنسان بترحيب، ورأت فيهما بداية جادة لتحسين الوضع الحقوقي بمصر.

وأفرجت السلطات المصرية عن العديد من الدفعات لمسجونين في قضايا مختلفة، ما يشير إلى وجود نوايا لإصلاح أوضاع السجون والبنية التشريعية المرتبطة بحالات الحبس الاحتياطي، بعد أن تسبب الملف في الكثير من المنغصات مع جهات حقوقية وسياسية اعتادت توظيف قضية السجناء للضغط على النظام المصري.

وأكد مصدر مسؤول بالمجلس القومي لحقوق الإنسان في تصريح لـ”العرب” أن هناك دعما برلمانيا لتطبيق فكرة المراقبة عن بعد للسجناء المحبوسين على ذمة قضايا، وأن التوجه الحكومي حاليا “يعمل في اتجاه غلق كل ما يمكن أن تتسلل منه ضغوط سياسية، سواء من الداخل أو الخارج في ملف حقوق الإنسان”.

ويحتاج تطبيق فكرة “السوار الإلكتروني” كبديل عن الحبس الاحتياطي إلى تعديل تشريعي لقانون الإجراءات الجنائية.

وأوضح المصدر الحقوقي لـ”العرب” أن “البرلمان سيفعل ذلك، وفلسفة الحبس الاحتياطي تقوم على ألا يهرب المتهم من الجريمة التي يجري التحقيق فيها، وبالتالي فلا حاجة من تطبيق الحبس بالمعنى الحرفي، والمهم أن يكون تحت أعين الأمن”.

وذكر المصدر أن “الحكومة بدأت تتعامل بشكل واقعي مع ملف السجناء وتؤمن بأنه لا ميزة ستعود عليها من متاجرة خصومها بالقضية طوال الوقت”.

وتستهدف الحكومة من فكرة “السوار الإلكتروني” تطبيق المعايير الدولية المتعارف عليها في ملف المحبوسين احتياطيا.

وتنطلق الفكرة من وضع السوار في قدم المتهم وتزويده بإمكانات تقنية، بينها شريحتا اتصال تسمحان بتتبع حركة الشخص ومعرفة السرعة التي يتحرك بها، ومدى انحرافه عن مساره المعتاد أو ابتعاده عن نقطة بعينها، مع تحديد النطاق الجغرافي الذي يتحرك فيه ليكون تحت المراقبة الأمنية إذا كانت هناك حاجة إلى استدعائه في القضية المنظورة.

ورأى الحقوقي نجاد البرعي في تصريحات لـ”العرب” أن العمل بنظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية “بديل جيد عن الحبس المؤقت الذي طالما شكل منغصا للحكومة”.

وقال إن استمرار الحبس الاحتياطي يتعارض مع قاعدة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، وفي ظل الاستقرار الحالي فالدولة ليست بحاجة إلى أن تكون السجون مكتظة، في حين أن الرقابة الإلكترونية تحفظ كرامة المتهم بعيدا عن السجن الاحتياطي إلى حين محاكمته.

وعلمت “العرب”، أن مشروع قانون الرقابة الإلكترونية للمحبوسين احتياطيا سيضع حدا أقصى لتطبيق العقوبة، بما لا يزيد عن سنة واحدة، وهو مسار تشريعي تدعمه الحكومة بعد أن طرحه المجلس القومي لحقوق الإنسان، ولن يكون الحبس الاحتياطي مفتوحا، طالما أن هذا الملف أيضا ظل مسار تحفظ حقوقي ويوظف ضد القاهرة.

وتسعى الحكومة من خلال تطبيق آلية السوار الإلكتروني إلى الحد من الآثار المترتبة على العقوبات السالبة للحريات والتوقيف الشرطي والقضائي للأشخاص غير مكرري ارتكاب الجرائم لتحقيق سياسة وقائية تهدف إلى منع اختلاط المحكومين بغيرهم من مرتكبي الجرائم الخطيرة، والحفاظ على مصادر رزقهم، وتخفيف اكتظاظ السجون.

ويرى مراقبون أن الحكومة مطالبة باتخاذ خطوات واقعية بالتزامن مع جلسات الحوار الوطني التي تستهدف إثبات حسن نواياها بشأن الإصلاح السياسي بكل ما يتضمنه من قضايا مرتبطة بالحريات والأوضاع الحقوقية والاجتماعية والأمنية، وهي مدفوعة إلى السير في طرق مختلفة لتحسين سجلها الحقوقي الموضوع دوما تحت المجهر.

ودأبت السلطات المصرية في الأشهر الأخيرة على التوسع في الإفراج عن أسماء سياسية بارزة، بالتزامن مع تفعيل قانون الجمعيات الأهلية وفتح صفحة جديدة مع المنظمات الحقوقية بإغلاق التحقيقات معها، وأعلنت تحديث التشريعات الخاصة بقوانين الحبس الاحتياطي.

ويبدو أن الحكومة أدركت أخيرا صعوبة إقناع قوى المعارضة في الداخل والمنظمات والحكومات الغربية التي تنبش في ملف حقوق الإنسان طوال الوقت بأنها جادة في مسارها لتحسين الملف الحقوقي دون اتخاذ خطوات مقنعة تبرهن على حسن نواياها.

ويعلم الرئيس السيسي نفسه أن مجابهة التحديات تتطلب وحدة الجبهة الداخلية، بالتالي فإن التحركات الأخيرة تأتي في سياق إيمانه بصعوبة المضي نحو مجابهة الملفات الإقليمية المعقدة وسط استمرار الغضب الناجم عن التوسع في الحبس والاستهداف العشوائي لمشتبه بهم واحتجازهم لفترات من دون محاكمات.

ولفت اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق لـ”العرب” إلى أن مقترح السوار الإلكتروني قابل للتطبيق في مصر لامتلاك الأجهزة الأمنية بنية تكنولوجية متطورة، مستبعدا وجود رفض أمني للفكرة لأنها تصب في صالح استقرار الأمن والمجتمع.