تنظيمات شبابية تبدي امتعاضها من المسار الحالي

تصدعات تطال الجبهة الداعمة للرئيس التونسي

تشهد الجبهة الداعمة للرئيس التونسي قيس سعيد انقسامات حول التوجهات والخيارات التي يتبناها، وبات جزء مهم من هذه الجبهة لا يخفي امتعاضه حيال مآلات الأمور، لاسيما في علاقة بالوضعين السياسي والاقتصادي.

خيارات الرئيس مثار انقسام في حاضنته الشعبية

تونس

يواجه الرئيس التونسي قيس سعيد بداية تفكك الحزام المدني الداعم له، في ظل عدم رضا عام على توجهاته، وهو ما بدأ يظهر في مواقف عدد من التنظيمات الشبابية والنشطاء السياسيين، الذين تصدروا جبهة دعم سعيد عند إطلاقه مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.

وظهرت في الآونة الأخيرة تصدعات في الجبهة الداعمة للرئيس، بين فريق لا يزال يرى في سعيد “المنقذ” لتونس، وفريق آخر بات يشكك في العلن في الخيارات التي يتبناها الرئيس، داعين إلى ضرورة تصحيح المسار، الذي بدأ يحيد من وجهة نظرهم عن الهدف المنشود.

ويرى مراقبون تونسيون أن هذه التصدعات وانحسار الجبهة الداعمة للرئيس أمر منتظر، لاسيما في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية، والتخبط الحكومي في معالجتها، وعدم وجود رؤية واضحة للإنقاذ باستثناء الرهان على صندوق النقد الدولي.

ويلفت المراقبون إلى أن عدم وجود تتبع قضائي جاد حيال الانتهاكات والتجاوزات التي حصلت خلال العشرية الماضية، بالرغم من التعهدات التي أطلقها الرئيس مرارا لتفعيل مبدأ المحاسبة، والتغييرات الكبيرة التي قام بها في سلك القضاء، كل ذلك ساهم في خلق حالة من التململ في الحاضنة المؤيدة للرئيس.

ويشير هؤلاء إلى أن القانون الانتخابي الذي أصدره الرئيس في سبتمبر الماضي، شكل النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة إلى الكثير من الشباب المؤيد لسعيد، والطامح للمشاركة في العملية السياسية، حيث اصطدم هؤلاء بجملة من الشروط أعاقت ترشحهم للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في ديسمبر المقبل.

وانتهت الخميس فترة تمديد تقديم طلبات الترشح للانتخابات التشريعية، حيث لم يتخط عدد المطالب حاجز 1350 ملفا، فيما عزاه كثيرون إلى شرط التزكيات الذي ضمنه الرئيس سعيد في القانون الانتخابي الجديد.

ويفرض القانون شرط الحصول على 400 تزكية للمرشح، مناصفة بين الرجال والنساء، وأن يكون من ضمن الـ400 مزكّ، 125 شابا دون 35 سنة، وهو الأمر الذي حال دون ترشح الكثيرين في الداخل، كما أنه أفضى إلى بقاء نصف الدوائر الانتخابية في الخارج خاوية من الترشحات.

ويقول منتقدو القانون إن سعيد الذي لطالما انتقد النخبة السياسية وأصحاب الأعمال، ودافع على ضرورة إشراك الشباب في صنع القرار، اختار بهذا القانون أن ينحاز لتلك النخبة التي وحدها من كانت قادرة على التقدم للمشاركة في الاستحقاق.

وهاجم مؤخرا تنظيم يدعى “حراك الخامس والعشرين من يوليو” الرئيس سعيد، مطالبا إياه بضرورة تأجيل الانتخابات التشريعية.

وقال الناطق الرسمي باسم الحراك محمود بن مبروك إن “رئيس الجمهورية قبل الخامس والعشرين من يوليو كان رئيسا دون صلاحيات وكانت جميع الصلاحيات لدى البرلمان، وحراك الخامس والعشرين من يوليو هو الذي منح السلطة لسعيد”.

وأوضح بن مبروك أن رئيس الجمهورية عندما “دعى إلى الاستفتاء، كان الحراك من بين الأطراف التي عملت مع رئيس الجمهورية لإنجاحه”، في إشارة إلى الاستفتاء على الدستور الجديد الذي جرى في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.

ومضى الناطق باسم الحراك قائلا “نحن لن نحيد عن مسار الخامس والعشرين من يوليو ولا لتدخل العائلة ولا أحد الوزراء”، مضيفا أن “عائلة الرئيس تستعين بالوزراء والمعتمدين والولاة لإعطاء تعليمات لتزكية أسماء على أسماء أخرى”.

ووصف المناخ السياسي الحالي بـ”المتعفن”، قائلا “بعد كل التجاوزات التي حصلت في علاقة بالتزكيات أعتبر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي من بين الأطراف التي تتلقى في التعليمات من أجل تعيين أسماء معينة في البرلمان القادم”.

واعتبر بن مبروك أن “الأخطر أن هؤلاء الأشخاص يبثون الفكر الشيعي في تونس وأصبحوا أداة للاستخبارات الإيرانية في تونس”، وطالب بتأجيل الانتخابات إلى حدود تنقية المناخ السياسي.

وأثارت تصريحات الحراك ردود فعل لاسيما من قبل نشطاء سياسيين محسوبين على الجبهة الداعمة للرئيس على غرار الناشط فوزي الدعاس، الذي قدم طلبا بالترشح للانتخابات التشريعية.

وشكك الدعاس في هذا الحراك قائلا إنه لا يعرف بوجوده، مشيرا إلى أن الاتهامات التي وجهها للرئيس سعيد “تبدو مضحكة”، لاسيما في علاقة بخطر المد الشيعي.

وقال الناشط السياسي الذي كان من ضمن العناصر التي تولت الحملة الانتخابية لسعيد في الانتخابات الرئاسية السابقة، إن تونس دخلت في مرحلة تأسيسية جديدة منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021.

وشدد الدعاس في تصريحات لوسائل إعلام محلية على أن البرلمان المقبل سيكون دوره الوظيفي تشريع القوانين لكنه سيسائل رئاسة الجمهورية.

واعتبر أن من حق البرلمان مساءلة الحكومة ومساءلة الحكومة التي ستكون في علاقة بالسلطة التنفيذية صلب مؤسسة رئاسة الجمهورية، يعني أنه سيسائل مؤسسة رئاسة الجمهورية ككل وفق تعبيره.

ووفق الدستور التونسي الجديد فإن مهمة مجلس النواب تنحصر في البعد التشريعي، ولن يكون له أي دور رقابي على السلطة التنفيذية.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الخميس عن فتح فترة استثنائية لتحيين السجل الانتخابي لعموم الناخبين (باستثناء المترشحين والمزكين) بداية من الجمعة الثامن والعشرين من أكتوبر الجاري إلى غايـة الأحد العشرين من نوفمبر المقبل، وذلك في خطوة منها “لتمكين المواطنات والمواطنين التونسيين من ممارسة حقهم الانتخابي”.

وبدا أن الهدف من هذا القرار فسح المجال أمام أكثر عدد من الناخبين للتصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة، لاسيما مع الضعف المسجل على مستوى طلبات الترشح للاستحقاق.

ويراهن الرئيس التونسي على إنجاح الاستحقاق التشريعي الذي يشكل المحطة قبل الأخيرة لاستكمال المسار الانتقالي.