حقوق الإنسان معطى رئيسي في العلاقات بين واشنطن والقاهرة

الملف الحقوقي يكبّل الحكومة المصرية
ربطت وزارة الخارجية الأميركية بين تطور العلاقات مع مصر وتحسن حالة حقوق الإنسان فيها من خلال إشادتها بالإفراج عن النائب السابق في البرلمان زياد العليمي وعدد آخر من سجناء الرأي مؤخرا.
ويطرح الإصرار على هذا الربط تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت حالة حقوق الإنسان قد عادت كمؤشر رئيسي لقياس حرارة العلاقات بين البلدين، كما كان الحال في فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما، أم أن هناك ملفات حيوية أخرى تحظى بقدر كبير من الاهتمام تتحكم في تطور العلاقات بين البلدين؟
ونقل المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس الأربعاء عن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قوله إن التقدم الذي أحرزته مصر في مجال حقوق الإنسان “يعزز العلاقات الثنائية”.
وتعاملت دوائر حقوقية قريبة من الحكومة المصرية مع تصريح المتحدث باسم الخارجية الأميركية على أنه اعتراف بتحسن حالة حقوق الإنسان في مصر ما يخفف من الضغوط المستمرة عليها في هذا المجال، حيث جاء متزامنا أيضا مع ترحيب منظمات حقوقية عديدة بقرار الإفراج عن زياد العليمي وتثمين خطوات إطلاق سراح نحو ألف من المحبوسين خلال الفترة الماضية.
لكن الموقف الأميركي الأخير آثار استغراب بعض المراقبين، لأنه جاء بعد مرور وقت قصير من خصم واشنطن لدفعة جديدة من المساعدات التي تخضع لتقييم الكونغرس بسبب “مخاوف من عدم وجود تطور ملموس في حالة حقوق الإنسان المصرية”.
وحضرت الحالة الحقوقية وتطورها في مصر في كثير من المناقشات التي أجراها البلدان على مستويات مختلفة وخلال جلسات الحوار الإستراتيجي المشتركة منذ تولت إدارة الرئيس جو بايدن السلطة، ما جعل العلاقات تأخذ منحى تصاعديا من الشد.
وأبدى وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي استغرابه من نظر الولايات المتحدة إلى العلاقات الحيوية مع مصر من منظور “سطحي”، وأن إدارة بايدن تدعم عملية تحويل حالة حقوق الإنسان كمؤشر رئيسي لتطور العلاقات مع القاهرة، مشيرا إلى أن ذلك لا يخدم مصالحها ولا يدعم استقرار المنطقة.
وانتقد في تصريح خاص لـ”العرب” تحرك الخارجية الأميركية للترحيب بالإفراج عن أحد المعارضين بإرادة مصرية، قائلا إن “الموقف يعبر عن نظرة ضيقة، ومن المؤسف أن تقتصر الأمور على الإفراج عن شخص من عدمه، فمصر ليست بحاجة إلى أن تتلقى دروسا من أحد وتعمل وفقًا لما تمليه عليها مصالح أمنها القومي”.
ويقول متابعون إن الإدارة الأميركية لديها قناعة بأن الملف الحقوقي الأكثر فاعلية على مستوى تحقيق أهداف واشنطن الإستراتيجية، خاصة إذا ارتبط بالمساعدات العسكرية، في وقت تمر فيه القاهرة بضغوط داخلية على مستوى الأوضاع الاقتصادية، وأن ربط نشطاء ومعارضين بين موقف الولايات المتحدة من مصر والتقارب أو التباعد بينهما واستقرار الأوضاع يسهم في توظيفه سياسيًا على نحو أكبر.
ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن التوجه نحو تصعيد الحالة الحقوقية ووضعها على رأس الملفات الحاكمة للعلاقات في غير صالح الولايات المتحدة إذا أدت الضغوط إلى عدم استقرار في البلاد وربما المنطقة، مع انسحاب واشنطن سابقا ومحاولتها العودة لمجابهة النفوذ الروسي والصيني، وهو أمر حافظت عليه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لخلق حالة من الهدوء تساعد في الحفاظ على مصالح بلاده في المنطقة.
وأوضح خبير العلاقات الدولية أيمن سمير أن الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي الذي يدير الحزب حاليا يدعم أن تكون حالة حقوق الإنسان وقضايا المناخ من المؤشرات الرئيسية في علاقات الولايات المتحدة الخارجية، وأن تصعيد الملف الحقوقي أو خفوته يبقى أسيرا لتوقيتات مختلفة تخدم مصالح واشنطن.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الولايات المتحدة لديها مواقف متباينة من الملف الحقوقي المصري حيث لا يحظى بقدر كبير من الاهتمام على مستوى العلاقة بين البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) ووزارة الدفاع المصرية، كذلك بالنسبة إلى الخارجية التي تبدي مواقف أكثر مرونة، وتظل المشكلة في أعضاء داخل الكونغرس يسعون دوما لتصعيد النقاش حول الملف الحقوقي بشكل مستمر.
ومن المتوقع أن تصبح نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الشهر المقبل حاسمة في ما إذا كان الملف الحقوقي سوف يبقى على رأس الاهتمامات أم أنه سيأخذ في التراجع حال حصول الحزب الجمهوري على أغلبية نيابية، وهو ما ستنعكس تأثيراته على مصر وغيرها، حيث قد يسهم في إعادة ترتيب أولويات الملفات المحددة لبوصلة علاقات الولايات المتحدة الخارجية.
وذهب أيمن سمير إلى التأكيد على أن بعض جماعات الضغط الأميركية المتعاونة مع جماعة الإخوان تدعم تصدير صورة ذهنية تشي بأن الأنظمة العربية يمكن ممارسة ضغوط عليها عبر الملف الحقوقي.
ولذلك يتم الإيحاء بوجود تقصير مصري لعدم فتح منصات سياسية لمخاطبة نواب الكونغرس، وأن تنظيم الإخوان يوظف سباق انتخابات الكونغرس لصالح الدفع نحو ممارسة ضغوط قاسية على مصر وبعض الدول العربية لتحقيق مصالح انتخابية ومن ثم التأكيد على أن إستراتيجية تصدير الملف الحقوقي تأتي بنتائج إيجابية.
ومن وجهة نظر العديد من الحقوقيين، يبخس الربط بين الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والإفراج عن سجناء سياسيين حقّ المجتمع المدني المحلي والمعارضة المصرية اللذين بذلا جهودا في السنوات الماضية لتحسين أوضاع السجل الحقوقي، وقد يؤدي ذلك إلى الربط غير الدقيق بين مطالبات الكثير من المنظمات الحقوقية داخل مصر بالإفراج عن السجناء وبين أطراف خارجية وأنها تعمل لصالحها.
وذكر رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان أيمن عقيل أن المهم بالنسبة إلى المجتمع المدني هو تحسين الأجواء العامة المساعدة على تطوير حالة حقوق الإنسان، ويكون ذلك على قناعة تامة من الحكومة المصرية وليس بناء على ضغوط خارجية قد تؤدي إلى انتكاسة أخرى مع انتفاء غرضها السياسي.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التحولات المصرية الملحوظة لتحسين السجل الحقوقي تبرهن على أن هناك إرادة حقيقية لبدء مرحلة جديدة قائمة على التفاوض والحوار وتبادل وجهات النظر بين كل القوى، في حين أن البيان الأميركي الأخير يشكل إدانة لواشنطن التي اهتمت بإطلاق سراح شخص واحد (زياد العليمي) وبرهنت بشكل غير مباشر على وجود علاقات وروابط بين الجانبين.