حرب بوتين فرصة "ذهبية" في السودان

علاقات وثيقة
تكثر الاتهامات الموجهة إلى الجيش السوداني بالتحكم في اقتصاد البلاد وإداراته بطريقته، على الرغم من توقيعه اتفاقا يعود إلى العام 2019 مع قادة الفصائل السياسية المدنية ينص على الحكم بشكل تشاركي، وفقاً لصحيفة “لوموند” الفرنسية.
ونقلت الصحيفة عن جوناس هورنر من مجموعة “الأزمات الدولية” قوله لوكالة الأنباء الفرنسية إن “هناك علاقات ودية بين المعسكرين لكنهما نادرا ما يعملان يدا بيد، والجيش احتفظ بكل قوته”.
أما تأثيرات الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فبدأت تظهر ملامح لها في كافة أنحاء العالم، وأخيراً في السودان الذي تحدثت تقارير عديدة عن عمليات تهريب واسعة للذهب تجري من أراضيه، ولكن هذه المرة لتغذي اقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يقيم علاقات وثيقة مع الجيش السوداني.
الجيش يدعم بوتين
في الثالث والعشرين فبراير، أي قبل يوم من شن بوتين حربه على أوكرانيا، قاد محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” وهو الركن الثاني من أركان قيادة الجيش في السودان إلى جوار عبدالفتاح البرهان، وفدا من الوزراء إلى موسكو، حيث أعلن أن لروسيا الحق في التصرف لصالح مواطنيها وحماية شعبها وأن على العالم كله أن يدرك أنه من حقها الدفاع عن شعبها.
ويقول المحلل السياسي السوداني مجدي الجزولي لـ”عرب دايجست” إن الزيارة التي شملت وزراء المالية والزراعة والتعدين رتّبتها مجموعة فاغنر من أجل “إيجاد مخرج لحليفهم حميدتي في السودان، وضمان استمراره في السلطة”.
مجموعة فاغنر التي تعدّ المتهم الأول بتهريب الذهب من السودان، يديرها يفغيني بريغوزين وهو صديق لبوتين وحليفه منذ فترة طويلة. ولبريغوزين مصالح واسعة في قطاعات التعدين في العديد من البلدان الأفريقية، ويستخدم مرتزقته لحماية مصالحه وتعزيزها. وعلى الرغم من أنه ينفي ذلك، إلا أنه منشغل في التنقيب عن الذهب في السودان. وهذا الصيف ظهرت تقارير عن مهاجمة جنود فاغنر لعشرات من عمال مناجم الذهب “الحرفيين” في دارفور وقتلهم وسرقة الذهب.
ودفعت هذه المعلومات سفراء المملكة المتحدة والنرويج والولايات المتحدة في الخرطوم إلى استصدار بيان حول أنشطة مجموعة فاغنر لم يلق ترحيباً من السلطات السودانية في مايو الماضي، وقال البيان إن “مجموعة فاغنر تعمل في السودان على نشر المعلومات المغلوطة على وسائل التواصل وتشارك في أنشطة غير قانونية مرتبطة بالتنقيب عن الذهب”، فسارعت الخارجية السودانية إلى اتهام سفراء الترويكا بالتدخل في شؤون السودان الداخلية ومخالفة التقاليد المنظمة للعمل الدبلوماسي في البلاد، نافية كل ما ورد في البيان حول أنشطة غير شرعية تقوم بها فاغنر.
تهريب الذهب السوداني
وكان وزير البترول والتعدين السوداني السابق عادل إبراهيم قد أكّد لوسائل الإعلام في يونيو الماضي أن شركتي “ميرو غولد” و”كوش” الروسيتين اللتين تعملان في مجال تعدين الذهب بالسودان، لم تمارسا حتى الآن أي عمل أو مجرد محاولة للتعدين الاحترافي، على الرغم من أن لديهما ترخيصاً للعمل في هذا النشاط، فالأولى حصلت على ترخيص استثنائي خلال فترة حكم البشير للعمل في مجال مخلفات التعدين أو ما يُعرف محلياً بـ”الكرتة”. وهي الشركة الأجنبية الوحيدة التي مُنحت هذا الامتياز ويجدد العقد سنوياً. ولا تبذل هذه الشركة جهداً كبيراً مقابل ما تحصل عليه من كميات كبيرة من الذهب.
بالمقابل تقول تقارير مضادة إن الرئيس البشير، في حقيقة الأمر، كان قد منح مجموعة فاغنر الروسية حق امتياز غير قانوني بصلاحيات استثنائية لممارسة العمل في مجال مخلفات التعدين في الذهب كمكافأة لرئيسها بريغوزين نظير تدخله لإقناع بوتين بزيارة البشير إلى روسيا مرتين في نوفمبر 2017 ويوليو 2018.
وكانت طائرات فاغنر تقوم بالإقلاع والهبوط من مقراتها، من دون أي مراقبة حكومية أو تفتيش أو مرور على الجمارك السودانية. أما في ظل الوضع الحالي فإن الجيش السوداني هو المعني مباشرة بالعلاقة مع مجموعة فاغنر التي تناولت صحيفة “نيويورك تايمز” نشاطها في تحقيق نشرته منتصف هذا العام، كاشفة عن وجود مصنع في منطقة العبيدية الغنية بالذهب يخضع لحراسة مشددة يسميه السكان المحليون “الشركة الروسية” ويتبع لفاغنر.
وتوسعت “نيويورك تايمز” في متابعة أماكن تواجد فاغنر في السودان، رابطة نشاطها بالذهب الذي يعتبر السودان ثالث أكبر منتج له في أفريقيا، ففي شرق البلاد تنشط فاغنر لبناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، أما في غربها فتبحث الشركة عن مادة اليورانيوم.
وتجادل صحيفة “أفريكا كونفيدنشال” بأن روسيا تهرّب الذهب من السودان لبناء احتياطي ضخم من السبائك بمساعدة فاغنر، ويرى معظم خبراء الصناعة أن الأرقام الرسمية للذهب المهرّب خارج السودان تمثل أقل من ربع إجمالي مبيعات الذهب، حيث سجل بنك الخرطوم المركزي صادرات ذهب بلغت 26.4 طن في الفترة من يناير إلى سبتمبر من العام الماضي، لكن التقديرات تشير إلى أنه كان من الممكن تهريب أكثر من 100 طن خلال تلك الفترة.
وقد أصبح الذهب سلعة مفيدة للغاية بالنسبة إلى بوتين مع استمرار تأثير العقوبات وتزايد تكلفة إدارة حربه.
وفي الآن نفسه، لا يزال المواطنون السودانيون العاديون يعانون من نقص حاد في الغذاء وتضخم يصل إلى ما يقرب من 120 في المئة. ولا يزال العنف يتصاعد أيضا، وكان آخره مقتل أكثر من 150 شخصا في ولاية النيل الأزرق.