الغموض يكتنف تطبيع العلاقات بين الأردن وسوريا

يسعى الأردن جاهدا من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة السورية التي عقّدت تداعياتها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل المملكة، إلا أن تحركاته الدبلوماسية تصطدم بلاءات تضعف من فرص نجاحه في تعويم النظام السوري.

جهود أردنية مضنية لتعويم نظام الأسد

عمان

 ما يزال الغموض يسيطر على مستقبل العلاقات بين الأردن والنظام السوري اللذين يتمتعان بعلاقات اقتصادية متينة، إلا أن لاءات سياسية إقليمية ودولية تحول دون تطبيعهما الكامل بالرغم من أن المصالح هي التي تحدد تطبيع العلاقات.

ولم تُسفر لقاءات التطبيع بين عمان ودمشق العام الماضي عن نتائج يطمح لها الجانبان، وخاصة المملكة التي أرهقتها تداعيات أزمة جارتها الشمالية في ظل استقبالها للملايين من اللاجئين السوريين، وما لذلك من انعكاس كبير وملحوظ عليها.

وتسعى عمان جاهدة لإنهاء صراع اقترب من بلوغ عامه الثاني عشر، وتلافي المزيد من التعقيدات، التي قد تؤدي في محصلتها إلى إطالة عمر الأزمة السورية، وبالتالي تعايشا قسريا مع آثارها التي تفاقم معاناة الاقتصاد الأردني.

وكَثُر الحديث في الأيام القليلة الماضية عن احتمالية عقد لقاءات قريبة بين مسؤولين أردنيين وآخرين لدى النظام السوري؛ لزيادة تعزيز التعاملات الاقتصادية، وربما السياسية؛ تحقيقا لخطوات فاعلة على مسار إعادة التطبيع بين البلدين.

ومما يدفع نحو لقاءات مرتقبة، تصريحات أدلى بها وزير الزراعة لدى النظام السوري محمد حسن قطنا الشهر الماضي، خلال لقاء وزاري عربي بالعاصمة عمان، عندما أكد أن بلاده ستلتزم بكافة الاتفاقات المائية مع الأردن، ورهن ذلك بعودة سوريا لجامعة الدول العربية.

وسبق أن كشفت المملكة على لسان وزير المياه محمد النجار في يوليو الماضي رفض سوريا طلب تزويدها بـ30 مليون متر مكعب من المياه. وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، عقد وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي لقاء مع نظيره في النظام السوري فيصل المقداد، وتناولا الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، ومواضيع ثنائية.

ويستضيف الأردن على أراضيه منذ بداية الأزمة في سوريا، نحو 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم يحملون صفة “لاجئ”. ويرى محمد المومني الوزير الأسبق وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن “الأردن يعتمد في علاقاته الدولية على مبدئي الاحترام وحسن الجوار، وينأى بنفسه عن التدخل في شؤون الغير”.

وأضاف “لكن لا يتوانى عن إبداء رأيه بكل صراحة؛ حفظا للأمن والسلم العالميين، وسوريا امتداد جغرافي للأردن كما نحن لها، ودبلوماسيتنا التي يقودها الملك عبدالله الثاني تؤكد على ذلك تماما”. وشدد “نحن حريصون على أن تستعيد سوريا أمنها واستقرارها، وتنتهي الأزمة فيها بحل سياسي يحفظ لها وحدة أراضيها، ويحمي شعبها، ويرتبط البلدان بعلاقات تاريخية، واتفاقيات واسعة في مختلف الجوانب، حالت الأزمة من استمرارية بعضها”.

وبيّن أن “اللقاءات مستمرة ولم تنقطع، وهناك تنسيق على أعلى المستويات، خاصة بمسألة أمن الحدود ومكافحة التهريب، ولا أستبعد المزيد من اللقاءات التي تتحقق من خلالها مصالح البلدين في مختلف الجوانب، وعودة الأشقاء اللاجئين إلى ديارهم”.

ويقول المحلل السياسي عامر السبايلة “بلا شك الأولوية للأردن هو موضوع سوريا، وهذا ما يفسر الحديث الأردني المتزايد عن ضرورة إيجاد حل سياسي بصورة أكثر عملية”.

واستطرد “هذا نابع من قناعة أردنية بأن الفراغ الذي يتشكل في الأزمة السورية بدأ يشكل تهديدا للأمن الوطني الأردني بصورة كبيرة، وخاصة انتشار آفة المخدرات، لذا المملكة تبحث عن إيجاد بدائل اقتصادية للتجارة الشرعية على حساب هذا النوع الخطير”.

وأضاف “الأردن بذلك يحتاج إلى فتح قنوات تعاون اقتصادي تقنع النظام في سوريا بفائدة العلاقة مع عمان، كما أن المملكة في ذات الوقت تسعى لحشد معظم الدول التي تؤمن بإيجاد حل سياسي للمسألة السورية، وفي المقام الأول على المستوى العربي”.

وأوضح “الأردن يتحرك اليوم ضمن رؤيته الإستراتيجية لضرورة الحفاظ على أمنه، وإيجاد علاقة مباشرة مع سوريا تضمن مصالحه والتنسيق الأمني وتشكيل واقع اقتصادي يستفيد منه الطرفان، يغني في النهاية عن تعاظم الجريمة”.

وبرأي مغاير؛ قال سميح المعايطة وزير الإعلام الأردني الأسبق “العلاقات الثنائية الأردنية – السورية، وخاصة الاقتصادية منها، تسير بشكل طبيعي، ولا توجد فيها محطات تراجع، وهي جيدة، وحسب ما هو موجود منذ البداية”. ومضى قائلا “العلاقات السياسية موجودة، وهناك تواصل في القضايا الإجرائية والميدانية.. لا حاجة لأن نتوقع تطبيعا للعلاقات؛ لأنها موجودة أصلا، لكن المشكلة الأساسية للأردن أنه لا يريد ولا يؤمن ببقاء الحالة العامة لسوريا”.

واستدرك “بقاء الحالة السورية العامة في هذا الوضع الساكن دون تحريك للأمام هو الذي لا يريده الأردن، يريد لسوريا أن تعود بشكل طبيعي، وأن يُعاد تأهيل الدولة السورية لتعود إلى المجتمعين الدولي والعربي”. وزاد “صحيح هناك علاقات عربية مع سوريا، لكن كان الأمل أن تكون الأمور أفضل من ذلك، ولذلك الأردن يسعى لأن تكون هناك إعادة تأهيل لسوريا دوليا، وهذا الأمر ليس سهلا، ويترتب عليه تعامل سوري مع اشتراطات دولية”.

وفي توضيحه لماهية تلك الاشتراطات الدولية، قال المعايطة “العالم يطلب مجموعة أشياء تتعلق بالحل السياسي للأزمة السورية، وعلاقة النظام مع المعارضة، والعلاقة مع إيران، ربما تحتاج لاستجابات سورية ودولية حتى يكون هناك تحول إيجابي لموقع سوريا عربيا ودوليا”.

واعتبر أن “الأردن، حتى اقتصاديا، يريد للدولة السورية أن تعود كما كانت، إذ كانت تربطه من خلالها علاقات تجارية مع العديد من الدول المختلفة، ولكن الآن العلاقات الاقتصادية تقتصر على العلاقات الثنائية”.

ولفت “كان هناك تشويش على العلاقات السياسية بين البلدين في موضوع تهريب المخدرات والميليشيات، والموقف الأردني تجاه ذلك كان صلبا، تبعه تواصل أردني إيراني بهذا الخصوص عبر وساطة عراقية".

ورأى أن “هذا الموضوع أثر سلبيا على العلاقة مع سوريا؛ خاصة وأن جيشها النظامي هو المعني بحماية حدود بلاده من جهة المملكة". وأكد المعايطة كذلك أن “الأردن معني بتطوير علاقاته مع سوريا، ويسعى لذلك بشكل كبير، لكن المصلحة الأردنية المباشرة والأكبر تكون بتطوير الوضع السوري عربيا ودوليا؛ لأنها تخفف على المملكة كل الآثار السلبية الناجمة عن الأزمة السورية".

واستبعد حدوث ما أسماه بـ”قفزات بالعلاقات الثنائية”، واصفا إياها بأنها “تسير بمعادلة معقولة”، لكن المشكلة هي بوضع سوريا الدولي والعربي. ومنذ اندلاع الأزمة في سوريا، حرص الأردن على الالتزام بموقف الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع جارته الشمالية، إلا أن ذلك لم يجنبه اتهامات دمشق المستمرة له بدعم الإرهاب. ولكن العلاقات شهدت تطبيعا ملحوظا بين البلدين عام 2021، إذ جرى عقد العديد من اللقاءات رفيعة المستوى بين الجانبين.