حراك فرنسي للضغط على الفرقاء الليبيين بشأن استعجال الانتخابات الرئاسية والتشريعية

عودة قوية لرجل ماكرون في ليبيا بعد انكفاء

تسجل الساحة السياسية في ليبيا عودة قوية للدبلوماسية الفرنسية بقيادة المبعوث الشخصي للرئيس إيمانويل ماكرون، ويتمحور الهدف الفرنسي حول استعجال توصل الفرقاء الليبيين لاتفاق حول إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وسط شكوك في إمكانية أن تحرز الدبلوماسية الفرنسية أي اختراق ما لم يكن هناك إجماع دولي وإقليمي على دعم هذه الجهود.

دبلوماسية فرنسية نشطة هذه الأيام في ليبيا

طرابلس

 لفتت عودة المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا بول سولير إلى الساحة الليبية أنظار المراقبين، لاسيما وأن هذه العودة ترافقت مع تعيين باريس قنصلها العام السابق في مدينة جدة السعودية مصطفى مهراج سفيرا جديدا لها في ليبيا. ويقول مراقبون إن اللقاءات التي أجراها سولير برفقة السفير الفرنسي الجديد خلال اليومين الماضيين مع مختلف الفاعلين السياسيين في ليبيا، تشي بتغير في المقاربة الفرنسية، حيال الانفتاح على جميع القوى، دون استثناء وعدم حصر التعاون مع قائد الجيش المشير خليفة حفتر.

ويشير المراقبون إلى أن توجه باريس نحو إنعاش دبلوماسيتها في ليبيا يعود إلى القلق من تراجع دورها في هذا البلد لصالح قوى إقليمية ودولية أخرى على رأسها تركيا، التي كانت حتى الآن المستفيدة الرئيسية من الانقسامات الليبية التي تفاقمت منذ مارس الماضي. ويعرف سولير بأنه “رجل ماكرون” في ليبيا، وقد سجلت له عودة محتشمة إلى هذه الساحة خلال العام 2021، قبل أن ينكفئ ليعود اليوم بزخم أكبر وبرؤية أوضح محورها الأساسي الدفع بقوة نحو إجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن.

وترى فرنسا أن بقاء الوضع الراهن في ليبيا، ووجود حكومتين متنافستين واحدة في الغرب بقيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة، والأخرى في الشرق بقيادة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، لن يؤثر فقط على جهود حل المعضلة الليبية بل إنه يهدد نفوذها المتراجع في هذا البلد. وأكد المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا الأحد على "أهمية مشروع المصالحة الوطنية، ورغبة بلاده في تحقيق الاستقرار في ليبيا بالوصول إلى حل سياسي يساهم في إجراء الانتخابات، وفق قاعدة دستورية".

جاء ذلك خلال استقبال نائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي للمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، والسفير مصطفى مهراج، حسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي. وأكد سولير ومهراج استمرار "دعم فرنسا لليبيا حتى تصل إلى مرحلة الاستقرار الشامل بانتخاب رئيس يقود البلاد الى بر الأمان".

وأعرب اللافي عن "التزام المجلس الرئاسي باستمرار العمل في ملف المصالحة الوطنية للوصول بليبيا إلى إجراء الانتخابات وفق قاعدة دستورية ترضى بنتائجها الأطراف السياسية”، معتبرا “قرار مجلس الأمن الدولي مؤخرا تمديد عمل البعثة في ليبيا، إعادة للحياة السياسية في الملف الليبي بعد حالة الجمود التي أصابته خلال الأشهر الماضية”.

وجاء لقاء المبعوث الفرنسي في سياق سلسلة من اللقاءات أجراها مع أطراف محلية ودولية معنية بالشأن الليبي، إذ بحث مع المبعوث الأممي عبدالله باتيلي آخر تطورات الأوضاع الليبية، وأكد مبعوث ماكرون الدعم الفرنسي الكامل للوساطة الأممية.

كما ناقش سولير مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح “ضرورة وضع اللمسات الأخيرة على الأساس الدستوري وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن في ليبيا”، وقبلها اجتمع مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري حيث بحث معه إشكالات القاعدة الدستورية. وكان سولير التقى الجمعة برئيس الوزراء المنتهية ولايته الدبيبة، حيث ناقش معه أيضا مسألة "توحيد الجهود لإجراء الانتخابات". وبدا واضحا تركيز المبعوث الفرنسي خلال جميع اللقاءات التي أجراها على ضرورة التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء الليبيين حول إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

وتريد فرنسا الاستفادة قدر الإمكان من تعيين الأمم المتحدة مبعوثا لها إلى ليبيا وهو السينغالي عبدالله باتيلي، المعروف عنه قربه من باريس، للدفع باتجاه التوافق بين الفرقاء الليبيين على إجراء الانتخابات باعتبارها الخيار الوحيد لإنهاء الحالة الراهنة، ولقطع الطريق على قوى تسعى للمزيد من التمكين في ليبيا.

واستغلت تركيا الضغوط المتصاعدة التي تتعرض لها حكومة الدبيبة في الداخل، لتوقع معها حزمة من الاتفاقيات الاستثمارية والأمنية مؤخرا في خطوة أثارت المزيد من الهواجس لدى القوى المتدخلة في ليبيا.

وتمتلك تركيا حضورا وازنا في الساحة الليبية تعزز خلال السنوات الأخيرة وتحديدا منذ حكومة الوفاق السابقة التي قادها فايز السراج، وتعددت أوجه هذا النفوذ لتشمل مختلف الأبعاد المالية والسياسية والعسكرية. وتبدي تركيا حرصا نحو المزيد من التمكين في هذا البلد الواقع شمال أفريقيا، مستفيدة إلى حد كبير من التخبط في المواقف الخارجية وعدم امتلاك القوى الدولية المؤثرة رؤية واضحة، إلى جانب مسألة الانقسام السياسي بين الفرقاء الليبيين أنفسهم.

ويقول المراقبون إن فرنسا ترمي اليوم بكامل ثقلها لتحقيق اختراق في ملف الانتخابات، وهي تسعى لإظهار أنها على مسافة من الجميع في ليبيا، وأنها لا تقف مع طرف ضد آخر. وبدأ الأسبوع الماضي السفير الفرنسي الجديد مهراج أداء مهامه من طرابلس، متعهدا بفتح سفارة لبلاده في العاصمة الليبية، في خطوة تستهدف التعامل عن قرب مع الأزمة الليبية.

ويرى متابعون أن فرص نجاح التحرك الفرنسي في ليبيا لا تبدو واعدة، لاسيما مع استمرار الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول القاعدة الدستورية حيث يتمسك المشري بضرورة استبعاد العسكريين في استهداف غير مباشر لحفتر.

ويشير المتابعون إلى نقطة مهمة تعيق فرص الحل، وهي أن هناك من الأطراف المؤثرة في الساحة الليبية على غرار الدبيبة لا تريد إجراء الاستحقاق الانتخابي، خشية خروجها من معادلة الحكم. ويرى المتابعون أن الحل يكمن في خلق حالة دولية ضاغطة تجبر الليبيين على التوصل إلى توافق حول الانتخابات، مشيرين إلى أنه لوحظ في الأيام الأخيرة عودة الاهتمام الدولي إلى هذه الساحة، بعد فترة جمود امتدت لأشهر.

واعتمد مجلس الأمن الدولي الجمعة بالإجماع مشروع قرار يجدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "أونسميل". وتوافق أعضاء مجلس الأمن (15 عضوا) على تفعيل القرار رقم (2656) لسنة 2022 القاضي بتمديد ولاية البعثة لمدة عام كامل ينتهي في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2023.

ويحافظ نص القرار المعتمد على المهام الأساسية المنوطة بـ"أونسميل" على النحو المنصوص عليه في القرار (2542) المؤرخ في الخامس عشر من سبتمبر 2020، والفقرة 16 من القرار (2570) المؤرخ في السادس عشر من أبريل 2021 بشأن عمل البعثة.

وكان من المفترض أن ينتهي عمل البعثة رسميا في الحادي والثلاثين من أكتوبر الحالي وفق قرار التمديد لها لثلاثة أشهر، المتخذ في الثامن والعشرين من يوليو الماضي بموافقة 12 من أعضاء مجلس الأمن وامتناع ثلاث دول أفريقية هي الغابون وغانا وكينيا عن التصويت اعتراضا على قصر مدة التمديد آنذاك. وتقدم البعثة الأممية في ليبيا جهود الوساطة بين أطراف النزاع الليبي لحل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنوات.