تصاعد معاداة السامية يضاعف من تهديدات الحفاظ على إسرائيل
القومية المسيحية تهديد للأمن القومي الإسرائيلي
تواجه إسرائيل تهديدات مضاعفة قد تضر بالصورة التي تروّجها عن نفسها بأنها دولة يهودية ديمقراطية، حيث يهدد تصاعد معاداة السامية لدى القوميين المسيحيين في الولايات المتحدة بإضعاف الدعم الأميركي لإسرائيل جرّاء الضغوط المتزايدة من القوميين، ما يجعلها حريصة في التعامل حتى مع الأحزاب الإسرائيلية التي قد تكون لينة في التعامل مع معاداة السامية.

تهديد لصورة الدولة اليهودية
تضاعفت تهديدات وجود إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية بما يمكن أن يضعف أو يقوّض ركيزة من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي: الدعم الأميركي الذي لا جدال فيه.
ويهدد تصاعد معاداة السامية بين القوميين المسيحيين، جنبا إلى جنب مع الإنجيليين، الدعامة الأساسية للدعم الأميركي الشعبي لإسرائيل، بدق إسفين بينها وبين المجتمع.
ويتعزّز خطر تضرر العلاقات من خلال تأكيد موقع “فوكس أون ويسترن إيسلاميزم” (التركيز على الإسلامية الغربية) أن الجمهوريين والإنجيليين يتعاونون مع الإسلاميين في الحروب الثقافية الأميركية.
و”فوكس أون ويسترن إيسلاميزم” هو موقع يميني متطرف نشره دانيال بايبس، رئيس منتدى الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث يدعم اليمين الإسرائيلي المتشدد.
وقال ماثيو ديبيرنو، المرشح الجمهوري لمنصب المدعي العام للولاية في انتخابات التجديد النصفي الشهر المقبل، واصفا احتجاجا قام به مؤخرا مسلمون ومسيحيون محافظون في ديربورن بولاية ميشيغان، معقل العرب الأميركيين، ضد وجود كتب ذات محتوى جنسي صريح في المدارس العامة، “ربما نرى تحولا في الحزب الجمهوري”.
وأشاد زعماء مسلمون ومسيحيون بالاحتجاج ووصفوا أن المحافظين في المجموعتين يتحدّون ضد الليبراليين واليساريين فيما كان بمثابة التخلّي عن تحالف “الأحمر والأخضر” بين الإسلاميين واليسار، في إشارة إلى الديمقراطيين.
وأعرب سام ويستروب، مدير المرصد الإسلامي (إسلاميست واتش) عن أسفه في مقال مطول بالمنتدى من أن الاحتجاج الإسلامي المسيحي في ديربورن لم يكن حادثة منعزلة.
وقال إن “نهج اليمين تجاه الإسلام والحركة الإسلامية يتغير بشكل متزايد”.
ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي إن تصاعد معاداة السامية والتقارب بين المحافظين المسلمين والمسيحيين يمكن أن يؤدي إلى خلق شرخ في العلاقة بين إسرائيل وأطراف من الجالية اليهودية الأميركية إذا غضت إسرائيل الطرف باستمرار عن المواقف القومية المسيحية المتشدّدة أو دعمت هذه الجماعة رغم معاداتها للسامية.
وقد سُجّلت سابقة إسرائيلية في عهد نتنياهو الذي تولى رئاسة وزراء إسرائيل لأطول فترة والشخصية السياسية الأكثر هيمنة وإثارة للاستقطاب في جيله، بالانضمام إلى الشق القومي المسيحي والجمهوري تارة والنظر إلى الشق الآخر إذا تعلق الأمر بمعاداة السامية.
ولا ينتاب رئيس الوزراء السابق أيّ ندم بشأن الوقوف إلى جانب اليمين الأميركي ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في حملة بإيحاءات معادية للسامية ضد الملياردير الأميركي اليهودي مجري المولد والمحسن جورج سوروس، أحد الناجين من الهولوكوست، بسبب ميوله الليبرالية أو اليسارية.
وكما لم يكن لنتنياهو أيّ مخاوف بشأن إعادة كتابة أوربان لتاريخ المجر في الحرب العالمية الثانية، بما تضمن إعادة تأهيل الشخصيات المعادية للسامية والمؤيدة للنازية في زمن الحرب كرموز معادية للشيوعية.
ولكي نكون منصفين، لقد عارض نتنياهو عندما كان في منصبه قانونا بولنديا يجرّم اتهام الأمة أو الدولة البولندية بالتواطؤ في الجرائم الألمانية النازية.
ويستعد حزبه الليكود للظهور كأكبر حزب سياسي في إسرائيل في انتخابات الأسبوع المقبل التي ستكون الخامسة في البلاد خلال أربع سنوات. ومع ذلك، قد يجد صعوبة في بناء ائتلاف حاكم بينما يواجه تهم الفساد وانتقادات متزايدة لاستعداده للعمل مع عوتسما يهوديت (أو العظمة اليهودية)، وهو حزب يميني متطرف ينمو بسرعة.
ويرى دورسي أن استعداد نتنياهو لدعم هجوم على شخص من أصل يهودي بسبب خلاف سياسي يثير أسئلة محيرة حول الكيفية التي سيتعامل بها مثلا، إذا عاد إلى السلطة، مع الحكومة السويدية الجديدة التي تشمل حزب الديمقراطيين السويديين الذي نشأ من رحم إحدى الحركات النازية الجديدة.
ويصر الديمقراطيون السويديون، الذين ساعدوا الحكومة المحافظة الجديدة على الحصول على أغلبية في البرلمان دون أن يكافؤوا بتمثيل وزاري، على أن الحزب قد وضع ماضيه وراءه.
ولكن في وقت سابق من هذا الشهر، صدرت تصريحات مهينة عن ريبيكا فالنكفيست الشخصية الإعلامية السويدية والسياسية التابعة للديمقراطيين السويديين التي تبلغ من العمر 26 عاما، هاجمت فيها آن فرانك على إنستغرام في منشور حُذف لاحقا.
وكانت فرانك يهودية هولندية مشهورة، وثقت يوميات اختبائها من الاضطهاد النازي حتى قتلها الألمان في 1944.
وبعد أيام من المنشور، احتفلت فالنكفيست بنجاح حزبها الانتخابي باللغة السويدية بكلمات “هيلج سيغر” التي تعني “نصر نهاية الأسبوع” ولكنها تبدو مثل “سيغ هيل” أو التحية النازية.
وسرعان ما نقل الحزب فالنكفيست من وظيفتها الظاهرة إلى مكتبها الإداري في البرلمان، ومن المرجح أن تلعب دورا في آليات الدعم البرلماني للديمقراطيين السويديين للحكومة المحافظة الجديدة.
ويلقي إحجام إسرائيل عن مواجهة القومية المسيحية بحزم بسبب المواقف المعادية للسامية لبعض أبرز مؤيديها بظلاله على معركتها ضد الموقف العنصري المعادي لليهود، وهو من أولويات السياسة الخارجية.
وأدان سفير إسرائيل في السويد زيف نيفو كولمان تصريحات فالنكفيست. وحذر من أنه “للأسف هناك الكثير من الأعشاب الضارة التي يجب اقتلاعها”، ولم يتضح ما إذا كان يشير إلى الديمقراطيين السويديين أو معاداة السامية بشكل عام.
ومع ذلك، يكتسب التردد الإسرائيلي أهمية إضافية بالنظر إلى أن القومية المسيحية لم تعد حركة هامشية داخل الحزب الجمهوري. وأشار استطلاع حديث للرأي إلى أن غالبية الجمهوريين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تنفصل عن علمانيتها التي يفرضها الدستور لتعلن نفسها دولة مسيحية.
وتتناقض المشاعر القومية المسيحية للجمهوريين بشكل صارخ مع النتائج الأخرى للاستطلاع التي أظهرت أن أكثر من 60 في المئة من الأميركيين يفضلون التعددية الدينية ويعارضون تعريف الولايات المتحدة بأنها أمة مسيحية.
لكن دورسي يشدد على أن مشكلة إسرائيل هي أن هويتها كدولة يهودية تعني أنها لا تعارض بشكل أساسي دولة تعرّف نفسها بمصطلحات دينية. مشكلة إسرائيل هي معاداة العديد من أنصار القومية المسيحية للسامية، حتى لو كان الموقف التمييزي لهذا الاتجاه أقرب إلى السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
كما أن من المرجح أن يكون القوميون المسيحيون بارزين في الكونغرس الأميركي المقبل، بغض النظر عما إذا كان الجمهوريون سيفوزون بالأغلبية في انتخابات التجديد النصفي الشهر المقبل.
وقد يكون أحد الاختبارات الحاسمة الإسرائيلية هو ما سيحدث إذا وُضعت علامة على القوميين المسيحيين في مشروع إسرائيلي - أوروبي مشترك مقترح لرصد معاداة السامية على الشبكات الاجتماعية كجزء من تحالف عالمي ضد معاداة السامية.
وقال رئيس مكتب الشؤون اليهودية العالمية وأديان العالم بوزارة الخارجية الإسرائيلية شولي دافيدوفيتش “نحن لا نتحدث بالضرورة عن تحالف منظم بمعايير محددة وإطار قانوني… نحن نفضل توحيد جميع الشركاء المهتمين في ائتلاف أكثر مرونة ملتزما بنفس قيم محاربة معاداة السامية بجميع أشكالها”.
ومع ذلك، يرجح المحلل السياسي جيمس دورسي أن تجد إسرائيل صعوبة متزايدة في التوفيق بين مبرر وجود الدولة اليهودية كحامية لليهود وملاذ آمن مع منح تصريح للحزب الجمهوري الذي يتسامح مع التعبير الذي يعادي السامية.