المحامون يضربون عن العمل ويطالبون بتأجيل النقاش حول النظام الجبائي

معركة بين الحكومة المغربية والمحامين عنوانها التهرب الضريبي

تلوح في الأفق مواجهة مفتوحة بين المحامين والحكومة المغربية التي تسعى لتعبئة الموارد للميزانية التكميلية من خلال جملة من الإجراءات، من بينها فرض ضريبة تحد من ظاهرة التهرب الضريبي في قطاع المحاماة.

نرفض الضرائب ومستعدون للمواجهة

الرباط

 دخلت هيئات المحامين بالمغرب في صراع مفتوح مع الحكومة حيث أعلنت إضرابا عن العمل في جميع المحاكم الثلاثاء، بعدما تم إلزام المحامين بدفع ضريبة تسبيقية على كل قضية يتم الترافع بشأنها، في مشروع قانون الميزانية التكميلي.

وتعتبر الحكومة أن الخطوة ستحد من ظاهرة التهرب الضريبي لدى قطاع المحاماة، وهو ما ينفيه المحامون.

ونص القانون على إلزام المحامين بأداء تسبيق ضريبي، بمجرد تسجيل الملفات التي سينوبون فيها في النيابة، وهو ما يقول المحامون إنه يتعارض مع المبادئ المنظمة لمهنة المحاماة والمقتضيات الدستورية، من بينها حق التقاضي، والمساواة والعدالة الضريبية.

وينص مشروع قانون الميزانية على إلزام المحامين بأداء هذا التسبيق مرة واحدة عن كل ملف في كل مرحلة من مراحل التقاضي، محددا هذه التسبيقات في حدود (300 درهم، 30 دولارا) عن كل ملف يتم وضعه بمحاكم الدرجة الأولى، و(400 درهم، 40 دولارا) بمحاكم الدرجة الثانية، و(500 درهم، 50 دولارا) عن كل ملف يتم وضعه بمحكمة النقض.

وعبرت هيئات المحامين في المغرب عن رفضها لما ورد في مشروع قانون الميزانية، مطالبة الحكومة بسحب المقتضيات الجديدة وتأجيل النقاش حول النظام الجبائي للمحامين إلى حين تفعيل المقاربة التشاركية عبر لجان مشتركة يتم إحداثها لهذه الغاية بين المؤسسات المهنية والجهات الحكومية المعنية.

 وأعلنت هيئات المحامين في المغرب التوقف عن العمل الثلاثاء في جميع محاكم المملكة، مع تنظيم وقفات احتجاجية ضد قرار الحكومة، معتبرة أن هذا النهج يؤكد استمرار عدم اكتراث الحكومة بإثقال كاهل المواطن، وحرمانه من الولوج إلى خدمات العدالة وممارسة حقه الدستوري في التقاضي، والإصرار على خنق موظفي العدالة. 

وأعلنت فيدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب عن دخول أعضائها في اعتصام إنذاري للمطالبة بسحب المقتضيات الضريبية يوم الأربعاء المقبل، وسيمتد إلى غاية يوم الجمعة أمام مقر البرلمان في الرباط، داعية إلى الاستعداد لتصعيد الاحتجاج على مستوى الاعتصام والإضراب المفتوح عن الطعام والذي سيقرر على ضوء مستجدات وتطورات الملف الضريبي.

 وأكد شقران إمام، المحامي والبرلماني السابق، لـ”العرب”، أن الصيغة التي جاء بها القانون المالي سواء من حيث الرفع في الضريبة على القيمة المضافة من عشرة إلى عشرين في المئة والأداء المسبق عن كل ملف وفي كل مرحلة من التقاضي، وكذلك بالنسبة إلى الطلبات العارضة أو غيرها تطرح إشكالات دستورية وقانونية، وحتى واقعية عند محاولة تطبيق النص.

 وأوضح شقران إمام أنه من جهة يشكل الأمر إثقالا لكاهل المتقاضي الذي يدفع أتعابه للمحامي، وضربا لمبدأ مجانية التقاضي خاصة ما يهم الضريبة على القيمة المضافة كون الأمر لا يتعلق بتجارة، ومن جهة ثانية يشكل ذلك عبئا إضافيا على المحامي الملتزم بواجباته الضريبية بالشكل الذي لا يستقيم مع التساوي في الحقوق والواجبات، خاصة وأن الأمر يهم مهنة حرة وليس تجارة.

 واعتبر أن الأمر سيطرح “إشكالات عملية سواء بالنسبة إلى من ينوب عن الإدارات أو الجماعات الترابية أو شركات التأمين وغيرها، أو بالنسبة إلى عدد كبير من القضايا التي يترافع فيها المحامي بالمجان عن الكثير من المتقاضين من المواطنين البسطاء كتجسيد لروح ونبل المهنة”.

من جهته أكد صبري الحو، المحامي بهيئة مكناس، أن فرض تسبيق الضريبة لا يجد من سند ما دامت المحاماة مهنة خارجة عن أعراف المهن التجارية، وفرض ما يسمى بـ”تسبيق الضريبة على الدخل” يتناقض مع الغاية منه في تيسير العمل المهني، لأنه يعقده أكثر من تيسيره، حيث يبقى مجرد تسبيق وليس فرضا جزافيا يعفي من بقية الإجراءات.

وتابع موضحا “إذن من هذه الناحية فالإجراء يتناقض مع الغاية المعبر عنها ويتناقض مع العدالة الجبائية، كما أنه سينال من المبدأ الدستوري المرتبط بمجانية اللجوء إلى القضاء لأن فرض التسبيق سيضيفه المحامي إلى المصاريف القضائية لأن الدولة هي التي خلطت بين الأمرين بالأداء في نفس وقت تسجيل الملف بصندوق المحكمة”.

في المقابل كان وزير العدل عبداللطيف وهبي قد أكد في اجتماع بمجلس النواب أن 95 في المئة من المحامين بالمغرب لا يصرحون سوى بعشرة آلاف درهم سنويا لإدارة الضرائب، واصفا هذا الرقم بـ”المخيف”.

وعلق إمام شقران أن “أسلوب وزير العدل في تعاطيه وتفاعله مع مختلف القضايا المطروحة على وزارته، يضع الأمور موضع مزاج دون رؤية تشاركية تدفع إلى الإصلاح من باب إشراك كافة المتدخلين في القطاع وضمنهم المحامين، مشيرا إلى أن جمعية المحامين لديها اقتراحاتها ورؤيتها بما يحقق الغاية المرجوة بالنسبة إلى الجباية دون محاولة فرض الأمر الواقع بمنطق تسلطي، لأن المحامين ضد التسلط، ولهم من القدرة والإمكانات ما يسمح لهم بالدفاع عن حقوقهم ومصالحهم ومعها حقوق المواطنات والمواطنين بكل قوة وجرأة وبعد نظر وتضحية”.

وأكدت هيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون وعدد من المدن الكبرى كطنجة وفاس على “تشبثها بوحدة الفعل المهني الذي تمتد تداعياته على مجموع المحامين المغاربة، وذلك من خلال جمعية هيئات المحامين بالمغرب، طالما تواصل دورها التنسيقي بين هيئات المحامين الوطنية، وما دامت تواكب مستجدات الوضع المهني”.

ومن ناحية الحلول، يعتقد صبري الحو أن “الحل مرتبط بأداء تسبيق ينهي بقية الإجراءات الضريبية ويعفى منها أداء ضريبة جزافية يراعى فيه دخل المكاتب وأقدمية المحامي مع إظهار الدولة لحسن نية من خلال إعفاء ينال متأخرات كل المكاتب وبداية صفحة جديدة”.