دعوة العاهل المغربي إلى الحوار تختبر جدية الرئيس الجزائري

الملك محمد السادس يفتح باب الحوار أمام تبون

الرباط

- دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى زيارة الرباط من أجل الحوار، وهو ما اعتبرته أوساط مغربية رغبة واضحة من الملك محمد السادس في تأكيد سعيه لإقامة حوار مع الجزائر وتطبيع العلاقات بين البلدين وتجاوز عناصر الخلاف والعرقلة التي حالت دون فتح الحدود وتبادل الزيارات.

وقالت الأوساط المغربية إن الملك محمد السادس لا يهدف إلى إحراج الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ولا يريد تسجيل أي نقاط، وإن ما يهمّه فعليا هو لقاء الرئيس الجزائري وعقد لقاء مكاشفة يتوج بمصالحة تاريخية فوتتها للأسف أطراف جزائرية بدت غير راغبة في أن يحضر العاهل المغربي القمة التي استضافتها الجزائر، وإلقائه خطابا تاريخيا بشأن المصالحة واستعداد المغرب لحوار غير مشروط مع جارته الشرقية.

ولاحظت هذه الأوساط أن هناك دوائر نافذة في الجزائر لا تريد إنهاء حالة التوتر مع المغرب، وهي التي تحركت لاستفزاز الوفد الدبلوماسي المغربي وعرقلت دخول الوفد الإعلامي وركزت بشكل خاص على ممثلي المغرب، ما يظهر نية مبيّتة لتعطيل مشاركة الملك محمد السادس.

ومن الواضح أن هذه الدوائر لا تريد للجزائريين أن يسمعوا خطابا مغربيا يحث على الحوار والود والمصالحة ونسيان الماضي وعدم تحميل الناس مسؤولية الخلافات السياسية التي يفترض أن تُحَلّ بالحوار بين الدبلوماسيين.

وبَيَّن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن الملك محمد السادس أعرب خلال الأيام الأخيرة عن نيته في زيارة الجزائر التي دعي إليها لحضور القمة العربية، لكن الوفد المغربي “لم يتلق أي تأكيد من الجانب الجزائري بواسطة القنوات المتاحة”، بعدما طلب توضيحات بشأن الترتيبات المقررة لاستقبال العاهل المغربي.

وأعرب بوريطة، الذي ترأس الوفد المغربي المشارك في القمة، عن أسفه “لعدم تلقي أية إجابات عبر القنوات الملائمة”.

وكان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة تساءل في حوار مع قناة العربية الاثنين عما إذا كان غياب الملك محمد السادس عن القمة التي اختتمت الأربعاء “فرصة ضائعة”.

وأشار أيضا إلى أن الرئيس تبون كان سيخص العاهل المغربي باستقبال بروتوكولي في المطار لو قدم إلى الجزائر.

لكن بوريطة اعتبر أن “مثل هذه اللقاءات لا ترتجل في قاعات الاستقبال بالمطارات”.

وأضاف “لقد أعطى جلالة الملك تعليماته بأن توجه دعوة مفتوحة للرئيس تبون، بما أنه لم يتسن إجراء هذا الحوار في الجزائر”.

ويقول مراقبون إن الملك محمد السادس قدم فرصة ثمينة للرئيس الجزائري من أجل إثبات رغبته في الحوار، معتبرين أن الجزائر التي عانت من مخلفات الخلاف مع المغرب، دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا، يمكنها أن تستثمر دعوة العاهل المغربي للحوار وتختار مسار المصالحة كأقصر طريق لحل قضية الصحراء والتخلص من عبء بوليساريو.

ويشير المراقبون إلى أن مسار الحوار يخدم الجزائر بالدرجة الأولى بعد أن تضررت من بوليساريو وتراجعت دبلوماسيتها وتأثيرها وباتت أقرب إلى العزلة فيما المغرب يعرض الحوار وهو في موقع قوة بعد أن نجح في كسب اعتراف واسع بمقاربته لحل قضية الصحراء.

وأكد هشام معتضد، الخبير المغربي في العلاقات الدولية، أن دعوة الملك محمد السادس إلى حوار مفتوح ومصالحة مع الرئيس تبون تترجم تمسك المغرب بقيمه الدبلوماسية في هذا الملف، والمرتبطة أساسا بسياسة البناء المشترك والتكامل الإقليمي من أجل مواجهة التحديات والتطورات الراهنة.

وأوضح معتضد في تصريح لـ”العرب” أن “الدعوة الملكية تندرج في إطار اقتناع المملكة بأن تجاوز الخلافات مع الجزائر وتقريب وجهات النظر السياسية معها يمران عبر قنوات التواصل المباشرة، وكسب الرهانات الإقليمية المشتركة يستحيل دون تنسيق الرؤى التي تحترم خصوصيات كل بلد”.

وسبق للملك محمد السادس أن دعا الرئيس الجزائري إلى “تغليب منطق الحكمة” والعمل في أقرب وقت على تطوير العلاقات بين الجاريْن.

وقال العاهل المغربي في الذكرى الثالثة والعشرين لجلوسه على العرش في يوليو الماضي “إننا نتطلع إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك”.

وفي أغسطس من العام الماضي قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب بسبب ما أسمته “حملة عدائية متواصلة ضدها”، وهو ما وصفه المغرب بأنه اتهام زائف وعبثي. وبعد ذلك حظرت تحليق الطيران المغربي فوق أجوائها، كما لم يتم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المار عبر أراضيها وصولا إلى إسبانيا.

وسارعت قبل ذلك إلى إغلاق مجالها الجوي مع المغرب بعد أن اتهمت المغرب بالقيام بـ”الاستفزاز والممارسات العدائية”.