الاتحاد التونسي للشغل يمارس دور الضحية في مواجهته مع السلطة السياسية
يتخذ الاتحاد العام التونسي للشغل من التفويت في المؤسسات العمومية فزاعة لخلق حالة ضغط على الرئيس قيس سعيد، في سياق دفاعه عن دوره الاجتماعي وأيضا السياسي، وهو يعتمد في ذلك على خطاب لا يخلو من شعبوية لكسب تعاطف التونسيين.

خطابات شعبوية لاستمالة الشارع التونسي
تقول أوساط سياسية إن الاتحاد العام التونسي للشغل يحرص هذه الأيام على ارتداء ثوب المظلومية وممارسة دور الضحية في المواجهة المفتوحة مع السلطة السياسية، فيما يذكر ذلك بحركة النهضة الإسلامية التي لطالما اعتمدت هذا الأسلوب في مساعيها لكسب تعاطف الشارع التونسي، في مواجهة خصومها طيلة العشرية الماضية وإلى اليوم.
وطغى على الخطابات الأخيرة لقيادة المنظمة الشغيلة الحديث عن محاولات النيل منها، والتشكيك في مصداقيتها، وضرب صورتها لخلق حاجز بينها وبين الشعب التونسي، من أجل تمرير أجندات ومشاريع لا شعبية، في إشارة إلى حكومة نجلاء بودن.
ولا تخدم مثل هذه الخطابات للمنظمة النقابية جهود إطلاق حوار اجتماعي سبق وأن وعدت به الحكومة، وأن مثل هذه الخطابات لن تزيد سوى من تأزيم الوضع، الذي يحتاج إلى خطاب عقلاني بعيد عن أي نزعات انفعالية، أو استعراض لبطولات وهمية على الشعب.
وقال الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل المسؤول عن قسم الحماية الاجتماعية، عثمان الجلولي، الأحد إن هناك حملة تستهدف قيادة اتحاد الشغل عبر التشويه والافتراء هدفها خلق هوة بينه وبين الشعب من أجل تمرير مشاريع لا شعبية.
واعتبر الجلولي، خلال افتتاح الندوة الوطنية حول أهمية الصحة والسلامة المهنية، أن من يقف وراء الحملة بصدد تحضير الرأي العام لفرض أمر واقع مثل رفع الدعم والتفويت في القطاع العام.
وحذر من أن الواقع الحالي يتسم باستهداف المقدرة الشرائية للعمال ومقدرات التونسيين، وهو ما يظهر بوضوح من خلال البرامج المعلنة وغير المعلنة للحكومة. وشدد الجلولي على أن الاتحاد لن يسمح باستهداف مقدرات التونسيين.
ويخوض الاتحاد العام التونسي للشغل ما يعتبرها معركة وجود في علاقة بالحفاظ على المؤسسات العمومية التي تعاني منذ سنوات من صعوبات مالية، وبعضها على عتبة الإفلاس، فيما تعاطى الاتحاد على مدار تلك السنوات بسلبية مع تلك التحديات.
ويقول مراقبون تونسيون إن الاتحاد شريك رئيسي في الوضع الذي آلت إليه المؤسسات العمومية، من خلال غضه الطرف عن الإخلالات والتجاوزات الحاصلة داخلها، والتي كانت سببا رئيسيا في تحول تلك المؤسسات من شركات مربحة إلى مصدر نزيف لا ينتهي لخزينة الدولة.
ويشير المراقبون إلى أنه بدلا من أن يتدارك الاتحاد أخطاءه، ويطرح رؤيته لإصلاح تلك المؤسسات، يصر على سياسة الهروب إلى الأمام، من خلال الرهان على خطابات لا تخلو من شعبوية، في محاولة لاستجداء تعاطف التونسيين للحفاظ على مؤسسات متهالكة، فقط لأنها تشكل الرافعة التي تستمد منها المنظمة النقابية نفوذها.
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي في وقت سابق من الشهر الجاري إن الاتحاد يتعرض لحملة استهداف ليس فقط من الداخل بل وأيضا من الخارج، مضيفا أن “جميع من استهدفوا الاتحاد هم الآن في طي النسيان أما الاتحاد فعلى عهده شامخا” وفق تعبيره.
ويرى المراقبون أن قيادة الاتحاد تتخذ من التفويت في المؤسسات العمومية فزاعة لإجبار الرئيس قيس سعيد على الاعتراف بدور المنظمة الشغيلة في صناعة القرار الاجتماعي والسياسي.
ويستدل المراقبون على ذلك بتجاهل قيادة الاتحاد لجميع التطمينات التي تقدمت بها السلطة السياسية حيال مسألة التفويت.
وشدد الرئيس سعيد الأربعاء الماضي على أنه ليس هناك أي توجه للتفويت في المؤسسات العمومية، وأكد سعيد خلال استقباله لرئيسة الحكومة نجلاء بودن حرصه على اعتماد مقاربات جديدة تقوم على العدل والإنصاف وعلى عدم تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، مشيرا إلى أن الحل الناجع يجب أن ينطلق من إرادة الشعب، وإلى أنه لن يكون هناك تفريط، كما يدعي البعض، في المؤسسات والمنشآت العمومية.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة، نصرالدين النصيبي، قد نفى في وقت سابق من الشهر الجاري، ما راج من أخبار تفيد بأن الحكومة تعهدت لصندوق النقد الدولي بالتفويت في عدد من المؤسسات العمومية.
وأكد نصر الدين النصيبي في تصريح إعلامي، على هامش انعقاد النسخة الأولى لمجالس التجديد لدعم المبادرة والمؤسسات الناشئة بقصر الضيافة بقرطاج، أن أولوية الحكومة في الفترة الراهنة تكمن في إصلاح جميع المؤسسات العمومية دون استثناء والتشبث بها وعدم التفويت في أيّ واحدة منها.
وأبرز أن برنامج الإصلاحات المقدّم من طرف الحكومة إلى صندوق النقد الدولي قائم على مقاربة أساسها دراسة الحكومة التونسية لوضعية المؤسسات العمومية حالة بحالة وسيتم على إثرها التفكير في مجموعة من المقترحات العملية.
واتهم الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة مؤخرا بتعمد إخفاء جانب من الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع صندوق النقد الدولي، متحدثا عن توجهها نحو التفويت في عدد من المؤسسات من بينها وكالة التبغ والوقيد وبنك الإسكان.
وتوصلت الحكومة إلى اتفاق أولي مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء لمنح تونس قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 48 شهرا، هي في أمسّ الحاجة إليه لإنعاش المالية العمومية.
والتزمت الحكومة التونسية بموجبه بإصلاحات واسعة تشمل التحكم في كتلة الرواتب العالية ومراجعة نظام الدعم، بجانب إصلاح النظام الضريبي والمؤسسات العمومية المتعثرة التي تواجه عجزا ماليا كبيرا مستنزفا للمالية العمومية.