أحد أوجه فساد العشرية الماضية: تعيينات بناء على شهائد علمية مزورة
الحكومة التونسية تفتح ملف التعيينات المشبوهة
استجابت الحكومة التونسية أخيرا إلى الدعوات المطالبة بفتح تحقيق في التعيينات التي جرت خلال السنوات الماضية، في ظل شبهات كثيرة حول تمتع العديد من الأشخاص بالتوظيف في قطاعات حكومية عبر شهائد علمية مزورة.

ثورة استفادت منها أقلية واستنزفت فيها الأغلبية
فتحت الحكومة التونسية ملف التعيينات المشبوهة في الوظيفة العمومية، والتي تشكل أحد أوجه الفساد التي طبعت منظومة الحكم التي قادتها حركة النهضة الإسلامية طيلة العشر سنوات الماضية.
ويأتي قرار حكومة نجلاء بودن استجابة لدعوات متصاعدة لاسيما من حملة الشهائد الجامعية العليا الذين يوجهون اتهامات للأحزاب التي قادت البلاد خلال السنوات الماضية، بفتح أبواب الوظيفة العمومية لأنصارها والموالين لها، دون الأخذ بالاعتبار معيار الكفاءة، وأن هناك العديد من الذين جرى تعيينهم بناء على شهائد جامعية مزورة.
ويرى مراقبون أن توقيت القرار قد يكون في علاقة أيضا بالإصلاحات المزمع القيام بها في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والتي من بينها إعادة النظر في كتلة الأجور في الوظيفة العمومية، خاصة وأن الشبهات تحوم حول الآلاف من الموظفين. وقال وزير التشغيل والتكوين المهني والناطق باسم الحكومة نصرالدين النصيبي مؤخرا إنه تم الانطلاق في عمليات تثبت في جميع الشهائد العلمية بكل الوزارات.
وأوضح المتحدث باسم الحكومة في مداخلة على قناة الوطنية الأولى (حكومية) عن تبادل للمعطيات بين جميع الوزارات، مؤكدا أن الجرد متواصل للشهائد العلمية. وأفاد النصيبي بأنه تمت إحالة حوالي 15 ملفا على القضاء، مشيرا إلى تركيز منظومة للختم الإلكتروني للشهائد لوضع حد لعمليات التدليس.
وشهدت الفترة التي تولت فيها حركة النهضة الحكم في إطار تحالف مع عدد من القوى السياسية، تعيين مئات الآلاف من الأشخاص في الوظيفة العمومية، سواء عبر آلية العفو التشريعي، التي يشوبها الكثير من الجدل، أو باعتماد معيار الولاءات في سياق سعي القوى المشاركة في الحكم للتغلغل في مفاصل الدولة وأجهزتها.
ومن الاعتبارات الأخرى التي أدت إلى إثقال الوظيفة العمومية بالمزيد من التعيينات رغبة الأحزاب الحاكمة حينها في شراء ظرفي للسلم الاجتماعي، في ظل الإضرابات والاحتجاجات التي شهدتها البلاد في تلك الفترة، دون اهتمام بالنتائج الوخيمة المترتبة على خزينة الدولة.
وقال بدرالدين قمودي رئيس لجنة مكافحة الفساد بالبرلمان السابق إن "موضوع تزوير الشهائد واستفادة عدد كبير من المواطنين على حساب غيرهم، يستوجب مراجعة كل التعيينات التي حصلت خلال السنوات الماضية وتناول الموضوع بجدية وإحالة كل ملفات الذين ثبت تورطهم على القضاء والنيابة العمومية".
ولم يستبعد قمودي تورط أحزاب بعينها في هذا الملف، قائلا في تصريحات لـ"العرب" "باعتبار تداخل العمل السياسي مع الإداري، قد تكون هناك بعض الأحزاب قامت بتوظيف منتسبيها، وللأسف الشديد رغم إقرار الجميع بتفشي الفساد، لم تتوفر بعد الإرادة السياسية اللازمة لفتح تلك الملفات التي تعتبر أكبر عائق للاقتصاد الوطني".
ولفت قمودي إلى "أن الظاهرة أثرت بشكل كبير على أداء الإدارة العمومية في تونس"، معربا عن أسفه في أن "الكفاءات دون عمل وغيرهم ممن لا تتوفر فيهم الكفاءة يتولون إدارة الشأن العام، وهذا دليل على فشل العشرية الماضية".
ورغم أنه لا توجد أرقام دقيقة حول المستفيدين من الشهائد المزورة، إلا أن رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد إبراهيم الميساوي قدّر في وقت سابق "عدد الشهائد العلمية المدلسة بنحو 100 ألف من إجمالي قرابة الـ500 ألف وظيفة حكومية جديدة بعد الثورة".
وقد كشفت تحقيقات قضائية في الأشهر الماضية عن توجيه اتهامات لأشخاص متورطين في تدليس شهادات علمية على غرار القضية التي طالت ستة عشر شخصا في محافظة القصرين، جنوب شرقي تونس، وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في القصرين في أكتوبر الماضي بالاحتفاظ بهم بعد ثبوت تهم التزوير ضدهم.
جاء ذلك بعد أقل من شهرين من سجن موظفين آخرين كانوا يعملون بشهادات مدرسية مزورة، ليعود الجدل مجددا حول استفادة العديد من الأشخاص بتعيينات عبر شهائد علمية مزورة، لاسيما في وزارات المالية والصحة والتربية ومؤسسة الديوانة والبنوك العمومية.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي “إن هذه الظاهرة بدأت في الألفية وكانت بسيطة، لكن، بعد ثورة يناير 2011، انتشرت وخاصة بالتزامات حزب حركة النهضة بالعفو التشريعي العام”.
وأقر العفو التشريعي العام بعد أسابيع قليلة من الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، خلال حكومة محمد الغنوشي الثانية، وتم البدء عمليا في تطبيقه بعد العام 2013، حيث تمكنت حركة النهضة من فرض سلطتها.
ونظريا يتمتع بهذا القانون كل من صدرت بحقه تتبعات قضائية ذي خلفيات سياسية، لكن اتهامات توجه للأحزاب السياسية الحاكمة حينها باستغلاله لتوظيف منتسبيهم والموالين لهم، في سياق لعبة التمكين، وأيضا إرضاء القواعد الشعبية.
ولفت الرابحي إلى أن الأمر الخطير هو تمكين أشخاص لا يملكون المؤهلات العلمية من وظيفة في التعليم، الأمر الذي فاقم من أزمات القطاع. وأوضح الرابحي في تصريحات لـ”العرب” “نحن الآن نعاني جراء ذلك من تراجع قيمة التعليم والجامعات التونسية باتت خارج الجدولة العالمية”. ودعا المحلل التونسي إلى “تدقيق كامل في كل الوزارات، ومحاسبة كل من أجرم في حق البلاد”.