مطاردة التجار والمزارعين تثير مخاوف من تحول الأزمة الاقتصادية إلى سياسية
الحكومة المصرية تعتمد الحل الأمني لمواجهة شُح الأرز في الأسواق

معركة من أجل كيس أرز
عكس قرار الحكومة المصرية بتغليظ عقوبة إخفاء الأرز إلى الحبس والغرامة عمق الأزمة التي تواجهها في ظل اختفاء هذه السلعة الحيوية من الأسواق، وسط ارتفاع وتيرة التذمر بين شريحة كبيرة من المواطنين.
وأظهر مجلس الوزراء حسما في التعامل مع التجار والمزارعين والموردين بالموافقة على التعامل مع الأرز باعتباره من المنتجات الإستراتيجية، وحال الإخفاء عمدا وعدم العرض في الأسواق ستكون العقوبة بالغرامة المالية والحبس المشدد.
وبدأ تطبيق قرار الحكومة في هذا الشأن الخميس، بعد أن تفاقمت حدة الأزمة للدرجة التي لم يعد هناك أرز في الأسواق، مع أنه إحدى أهم السلع التي تستهلكها شريحة كبيرة من المصريين، وتسبب عدم وجوده في زيادة الغضب من الحكومة.
وعلمت “العرب” أن شرطة التموين في الأقاليم المصرية المختلفة بدأت تحصل على إذن من النيابة العامة بتفتيش مخازن الفلاحين والتجار والتحفظ على الكميات التي يمتنعون عن بيعها وإعادة طرحها في الأسواق وتطبيق العقوبات عليهم.
ويشير وصول العلاقة بين الحكومة والتجار والمزارعين حد المطاردة الأمنية إلى مخاوف من تحول الأزمة الاقتصادية إلى سياسية، بعد أن بدت الحلول الرسمية محدودة، فالحكومة لا تستطيع استيراد الأرز بالسعر العالمي أو تهدئة الشارع.
وتحول اختفاء الأرز من الأسواق إلى قضية رأي عام، باعتبار أن البلاد ربما لم تواجه أزمة في هذه السلعة الحيوية من قبل، فمصر حققت اكتفاء ذاتيا من الأرز.
وما يثير امتعاض الناس أن الحكومة وهي تتحدث عن عقوبات صارمة ضد المسؤولين عن اختفاء الأرز من الأسواق تنفي وجود أزمة، وتؤكد توافره في المحال التجارية والمجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين، فبدت غير صادقة أمام الشارع.
وفي المقابل، اعترفت وزارة التموين بأن هناك إخفاقا في تحصيل النسبة المقررة من المزارعين، وهي مليون ونصف المليون طن، بسبب إصرار غالبيتهم على بيع السلعة للتجار مباشرة ورفض تسليمها إلى المنافذ الحكومية للاستفادة من فرق السعر.
ويتمسك المزارعون في مصر برفع راية التمرد والعصيان ضد إجراءات الحكومة، لأن وزارة التموين ترغب في الحصول على طن أرز بسعر أقل من الأسعار التي يطرحها التجار بحوالي 140 دولارا.
وتصر الحكومة على أن يورد إليها كل مزارع طن أرز عن كل فدان بسعر منخفض نظير السماح له بالتصرف في باقي المحصول ببيعه للتجار أو غيرهم، لكن نسبة كبيرة منهم رفضوا سياسة الترهيب وطالبوا بأسعار عادلة تتناسب مع السوق الحرة.
ولا يزال المزارع عماد حسن يرفض الرضوخ لضغوط الحكومة التي تؤدي إلى خسارته مبالغ مالية كبيرة، لكنه يخشى عقوبة الحبس أو تفتيش منزله في أي وقت ويتم التحفظ على كميات الأرز التي قام بإخفائها إلى حين رفع سعر الأرز.
وقال لـ"العرب" إن النسبة الأكبر من المزارعين بيدهم حل أزمة الأرز شريطة أن تعيد الحكومة حساباتها بعيدا عن أسلوب الوصاية، لأن من الصعب أن يرضخ الفلاحون للتهديدات لمجرد أنهم سوف يعاقبون بسبب بحثهم عن سعر عادل للأرز.
وأضاف حسن أن حلول الحكومة للأزمة بعيدة عن الواقع، فالفلاح/ المزارع لا يقبل توريد نسبة من المحصول بسعر منخفض لمجرد الانصياع للأوامر، والتاجر يخشى شراء الأرز منه كي لا تتم مصادرة الكميات التي اشتراها، والأمن يطارد الطرفين.
وهددت الحكومة بحرمان المزارعين الممتنعين عن توريد الأرز من أي دعم مقدم لهم في صورة أسمدة أو قروض مالية أو سلع تموينية مدعومة، لكن الفلاحين يردون بأن فارق السعر بين التاجر والحكومة يمكنهم من تعويض هذه الخسارة.
وكانت مصر قد تجاوزت التوريد الإجباري للمحاصيل الزراعية منذ سنوات، لكن تصاعد حدة الأزمة وارتفاع الغضب من ضعف إجراءات الحكومة دفعا الأخيرة إلى تصنيف الأرز كسلعة إستراتيجية لتأمين احتياجات الناس.
ويعكس تعامل الحكومة إلى أي درجة تفتقد الحنكة السياسية في التعامل مع الأطراف المتداخلة في الأزمة، فهي تبارز المزارعين بسلاح الحبس مع أن المشكلة بعيدة عن حلها بالوسائل الأمنية، ففي هذه الأوقات العصيبة اقتصاديا لا يجب التعامل بخشونة.
وتعاقب الحكومة كل من يقوم ببيع الأرز خارج منافذ التوريد الحكومية ودون الحصول على ترخيص مسبق بالنقل أو التخزين أو توريد النسبة الإجبارية (طن لكل فدان بسعر منخفض)، ومن حق أجهزتها مصادرة كل الكميات من المزارع أو التاجر أو الوسيط، والتحفظ على وسيلة النقل نفسها وطرحها للبيع في الأسواق.
وأكد نادر نورالدين مساعد وزير التموين سابقا وأستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة أن حل أزمة نقص الأرز بيد الحكومة، لأنها تتشدد في تقديم سعر منخفض للفلاح، ما يسمح للتجار بالتلاعب بأحلام المزارعين وإغرائهم بأسعار أعلى.
وأوضح لـ”العرب” أن المزارع يشعر بالظلم، لذلك يعاند مع وزارة التموين، ولا بديل عن رفع سعر الأرز الذي يتم تحصيله إجباريا، لفتح المخازن والمخابئ التي يتم فيها إخفاء هذه السلعة، لأن سياسة العناد سوف تقود إلى ارتفاع كبير في السعر ما يضاعف العبء على المستهلك الذي يصب غضبه على الحكومة.
وذكر نورالدين أن عقوبة الحبس لن تحل الأزمة، فالغرامات المالية والتلويح برفع الدعم المقدم للمزارع لن يفيد في شيء، ويزيد اللجوء إلى الاستيراد الضغوط لتوفير العملات الصعبة ويرفع الأسعار على المستهلك.
وتعتقد دوائر سياسية أن تجاهل الحكومة للحلول العملية لأزمة الأرز يعكس عدم حكمة الحكومة في إدارتها للقضايا المتصلة بالشارع، حيث يعاني بعض المسؤولين من نقص في التقدير السياسي عند مخاطبة الناس.
ويوحي المشهد الراهن بأن الحكومة لا تريد الظهور كأنها تحت رحمة الفلاحين والتجار، وتتمسك باستمالتهم عبر العقوبات عملا بمبدأ الوصاية، رغم أن خياراتها محدودة في هذه المسألة وقد تخرج الاحتجاج الصامت إلى العلن.