خطوة مهمة..

البرلمان المصري يبدأ أولى خطوات تسوية ملف المحبوسين احتياطيا

"أرشيفية"

القاهرة

يشير عزم مجلس النواب في مصر على التحرك لمناقشة تعديل قانون الإجراءات الجنائية وما يتضمنه من مواد خاصة بالحبس الاحتياطي إلى أنه حصل على ضوء أخضر من دوائر رسمية لفتح ملف المحبوسين بالتزامن مع طلبات برلمانية أخرى تتعلق بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات المعني أيضا بالحبس.

وتصاعد الجدل السياسي حول الحبس الاحتياطي على خلفية رفض نقابة الأطباء مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي يجيز حبس الأطباء احتياطيا حال ارتكب أيّ منهم خطأ طبيا، وأعلنت النقابة رفضها المطلق لهذا النص.

وتعقد لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب المصري اجتماعات موسعة هذا الأسبوع لمناقشة تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية الذي تقدمت به الحكومة.


وتحدث أعضاء في البرلمان حول عدم وجود ممانعة لتعديل نصوص الحبس الاحتياطي، إذا اقتضت الضرورة ذلك، وهي إشارة تحوي موافقة مبدئية على التعديل.

ويبدو أن الحكومة حصلت على موافقة مؤسسة الرئاسة على ذلك بعد أن أدركت حتمية إجراء تعديلات تشريعية مرتبطة بقانون الحبس الاحتياطي لما له من أهمية سياسية للتخفيف من آثار ملف تحول إلى منغص في أيدي منظمات وحكومات أجنبية.

وتتعامل قوى سياسية وحقوقية في مصر مع ملف المحبوسين احتياطيا كأولوية خاصة، وكل فصيل حصل على تعهد شفهي من دوائر قريبة من الحكومة قبل المشاركة في الحوار الوطني الراهن بوجود توجه لتعديل نصوص الحبس الاحتياطي.

وتدرك الأحزاب المعارضة التي قبلت المشاركة في الحوار الوطني أن الإصلاح السياسي يبدأ من الإفراج عن سجناء الرأي بلا قيود أو شروط، في إشارة إلى حتمية إزالة العراقيل القانونية أمام لجنة العفو الرئاسي لتوسيع قاعدة صلاحياتها.

وأمام استمرار التعقيدات القانونية المرتبطة بالحبس الاحتياطي، فإن إخلاء سبيل المحبوسين على ذمة قضايا يكون من السلطة القضائية وحدها، ولا يستطيع رئيس الدولة التحرك للعفو عن باقي فترة العقوبة قبل صدور حكم قضائي يثبت الإدانة.

وقال طارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب إن مصر دولة تحترم المعاهدات الدولية “ومادة الحبس الاحتياطي قابلة للتعديل”، في إشارة إلى عدم وجود موانع رئاسية لإدخال نصوص جديدة استجابة لقوى المعارضة.

وأكدت مصادر برلمانية لـ”العرب” أن الاتجاه نحو تعديل النصوص القانونية الخاصة بالحبس الاحتياطي “لا يعني أنها تقتصر على النشطاء والسياسيين وسجناء الرأي، فالأمر سيتم تطبيقه على كل من تتم محاكمتهم في تهم مختلفة دون انتقاء أو إقصاء”.

ويقول مراقبون إن الدولة مطالبة بتحجيم دور الأجهزة الأمنية في الملف الحقوقي، سواء وافق مجلس النواب على تعديل نصوص الحبس الاحتياطي أم أن الأمر محاولة شكلية لترضية المعارضة، لأن مشاركة الأمن تعرقل التحركات الإيجابية للحكومة.

◘ الأحزاب المعارضة التي قبلت المشاركة في الحوار تدرك أن الإصلاح السياسي يبدأ من الإفراج عن سجناء الرأي

وهناك قناعة لدى دوائر قريبة من الحكومة أن أي زخم سياسي تريد الدولة تحقيقه يرتبط بمدى الاستجابة للقوى المدنية في قضايا لا تؤثر على الأمن القومي، على رأسها السجناء المفرج عنهم، فلم يتسبب أي منهم في أزمة بعد خروجه من الجبس.

ولم تعد الحكومة المصرية ترغب في استمرار الثغرات التي تتسلل منها قوى معارضة وجهات أجنبية إلى ملف السجناء والمعتقلين في قضايا رأي وحريات، حتى لا تظل هناك ضغوط تحاصرها في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية.

وكشف مصدر مطلع بالمجلس القومي لحقوق الإنسان لـ”العرب” أن التعديلات المرتقبة على تشريعات الحبس الاحتياطي هي جزء من المطالب التي رفعها المجلس للحكومة لتوصيل رؤيته حول خطوات الإصلاح السياسي، لأن هذا الملف مطلب عام.

وأشار المصدر ذاته إلى أن “تصويب مسار الحبس الاحتياطي يحجم دور الأمن في هذا الملف، والفصل في يد الجهات القضائية، وتتجه النية إلى وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي دون تركها مفتوحة، وقد لا تتجاوز عامين، لأنه لا يجوز تقييد حرية متهم”.

وتعاني الحكومة من وجود فهم خاطئ لصلاحيات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مسألة العفو الرئاسي عن المحبوسين، فهي ليست مطلقة، وقوى المعارضة غير مكترثة بتعقيدات تسوية ملف المطلوب الإفراج عنهم من سياسيين وأصحاب رأي.

وأكد طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين وجود توافق بين قوى عديدة على أن الإصلاح السياسي يبدأ بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا من النشطاء وأصحاب الرأي، ولم يعد هناك بديل عن تبني حل قانوني وسياسي لمسألة الحبس الاحتياطي.


وأضاف لـ”العرب” أن طول فترة الحبس الاحتياطي تتعارض مع حق الإنسان في العيش بحرية طالما لا يزال متهما، والحكومة مطالبة بأن تتعامل بشكل واقعي مع ملف السجناء وتؤمن بأنه لا ميزة لها من بطء التحرك فيه، إذا كانت لديها نية للإصلاح.

ومن المقرر أن يناقش مجلس النواب استبدال الحبس الاحتياطي بعد وضع سقف زمني له بتطبيق “السوار الإلكتروني” الذي يوضع في قدم المتهم وتزويده بتقنية ليقضي الفترة بعيدا عن السجن، فالمهم أن يكون تحت الرقابة الأمنية طوال نظر القضية.

وعلمت “العرب” أن المجلس القومي لحقوق الإنسان اقترح أن تكون فترة الحبس الاحتياطي سنة واحدة على أقصى تقدير، مع تسريع إجراءات التقاضي دون أن تظل هناك قضايا بدون محاكمات لفترة طويلة، بما يؤدي إلى إطالة الحبس الاحتياطي.

وتسعى الحكومة من خلال عدم ممانعتها اتخاذ إجراءات إيجابية في ملف المحبوسين احتياطيا لوضع حد بشأن نشر الأرقام المغلوطة بحق المحتجزين على ذمة قضايا مختلفة دون محاكمات، وهو أمر تستغله منظمات حقوقية لتوجيه انتقادات للسلطة.

وكانت قمة المناخ التي عقدت في مدينة شرم الشيخ الشهر الماضي كاشفة إلى حد بعيد للأزمة التي يواجهها النظام المصري في ملف حقوق الإنسان، وتحديدا الحبس الاحتياطي، حيث شنت منظمات ومؤسسات حقوقية محلية ودولية هجوما عنيفا ضده.

ويدرك الرئيس السيسي أن مجابهة التحديات تتطلب وحدة الجبهة الداخلية من دون إثارة منغصات سياسية وحقوقية، وهو ما يؤكد أن تحركات الحكومة والبرلمان تأتي في سياق قناعة السلطة بصعوبة مجابهة التحديات قبل غلق الثغرات السياسية.