رقاقة ستبهر العالم..

الهاكرز يتربصون بالشرائح المزروعة في جسم الإنسان

"أرشيفية"

واشنطن

توقّع إيلون ماسك الأربعاء أن تتوصل شركته “نيورالينك” الناشئة في غضون ستة أشهر إلى زرع أول جهاز في دماغ الإنسان يتواصل مع أجهزة الكمبيوتر مباشرة عبر التفكير.

وتم زرع أجهزة صغيرة تحفز الأعصاب ومناطق الدماغ إلكترونيا لعلاج ضعف السمع ومرض الشلل الرعاش في البشر منذ عشرات السنين، لكن غرايم موفات الباحث في علم الأعصاب بجامعة تورونتو قال “سينبهر الجميع جدا إذا أظهرت نيورالينك بالفعل بيانات من جهاز مزروع في الإنسان”.

ويرى خبراء أن هذا التطور التكنولوجي يكشف عن تحديات ومخاطر تواجه الإنسان في المستقبل، أبرزها مخاوف من الاختراق والتحكم في البشر عن طريق الشرائح الإلكترونية، فقد يتحول الإنسان إلى “روبوت” مسير، وقد يُقدم على ارتكاب جرائم وأمور تهدد سلامته ووجوده.

وتؤدي المخاوف من الاختراق إلى فرض رقابة متزايدة للحد من عمليات التجسس واختراق العقل البشري، والتحكم بأفكاره وأعضائه، وإعادة برمجته إلكترونياً.

غرسة نيورالينك
خلال عرض التطوّرات التي أحرزتها “نيورالينك”، قال رئيس “تسلا” و”سبيس إكس” وعدد من الشركات الناشئة “نودّ بالتأكيد أن نكون حذرين جدا وواثقين من أنّ هذه التقنية ستعمل بصورة جيدة، ورفعنا كل المستندات إلى إدارة الأغذية والعقاقير (الجهة المسؤولة عن القطاع الصحي في الولايات المتحدة)، ونعتقد أننا في غضون ستة أشهر سنكون قادرين على وضع أول غرسة تطوّرها الشركة في دماغ الإنسان”.

وكتب لاحقا عبر منصة تويتر التي اشتراها قبل فترة “أصبحنا واثقين حاليا من أنّ جهاز ‘نيورالينك’ جاهز للاستخدام البشري، ويعتمد موعد بدء استخدامه على إجراءات الموافقة التي تعطيها إدارة الأغذية والعقاقير”.


ووفقًا للمسؤولين في الشركة التي تأسست في عام 2016 في سان فرانسيسكو الأميركية، فإن إيلون ماسك، إلى جانب عدد من المسؤولين، سيقوم بالكشف عن الكثير من التفاصيل حول زراعة شريحة لاسلكية في الدماغ، وعن التجارب الناجحة التي تَوصل إليها العلماء حتى الآن باستخدام هذه التقنية.

وكشف الإعلان عن وظيفة جديدة لمنصب “مدير التجارب السريرية” في نيورالينك أن الشركة الناشئة في مجال التكنولوجيا العصبية مستعدة الآن لنقل أبحاث رقاقات الدماغ إلى المرحلة التالية وهي بدء التجارب السريرية.

وقال إعلان التوظيف الذي نشرته الشركة “بصفتك مدير التجارب السريرية، ستعمل عن كثب مع بعض الأطباء الأكثر ابتكارا وكبار المهندسين، بالإضافة إلى العمل مع أول المشاركين في التجارب السريرية في نيورالينك”.

وكشفت تقارير نشرت في السابق أن قطر جهاز الاستشعار الخاص بشركة نيورالينك يبلغ ثمانية ملليمترات تقريبا أو أصغر من طرف الإصبع ويتم زرعه في الجمجمة وموصل بأسلاك صغيرة.

الثغرات تبقى موجودة في البرمجيات والأجهزة المتصلة بالدماغ، وينبغي معالجتها استعدادا للتهديدات القادمة

وبمساعدة روبوت متطور يتم زرع خيوط مرنة أو أسلاك أدق من شعر الإنسان في المناطق المسؤولة عن وظائف الحركة والإحساس في الدماغ، بينما يكون المتلقي تحت التخدير الموضعي فقط. وقال ماسك إنه يمكن إزالة هذا الجهاز.

وليس جديدا على الملياردير أن يعلن عن توقعات تتسم بالمجازفة، فسبق له أن فعل ذلك بموضوع القيادة الذاتية لسيارات تسلا الكهربائية.

في يوليو 2019، توقّع ماسك أن تتمكّن نيورالينك من إجراء أول اختباراتها في زراعة الغرسة على الأفراد عام 2020، وحتى اليوم، زُرعت نماذج وهي بحجم مماثل لقطعة نقود، في جماجم حيوانات فقط.

ويقول العلماء إن معظم الأبحاث المتطورة الحالية في الوصلات بين الدماغ والكمبيوتر تُجرى على الحيوانات لأن تحديات السلامة وإجراءات الموافقة التنظيمية المطولة تمنع إجراء تجارب أكبر على البشر.

وتمكن قرد من اللعب بلعبة الفيديو “بونغ” من دون أي وحدة تحكم غير قوة دماغه، وفي مقطع فيديو نشرته الشركة، يمكن رؤية القرد بيجر وهو يتحكم بحركات المضرب بعينيه لمنع الكرة من السقوط في الفراغ، تماماً كما يمكن للاعب العادي أن يفعل بعصا التحكم أو الشاشة التي تعمل باللمس أو بواسطة لوحة مفاتيح.


ويجمع مهندسو الشركة على أن أجهزة كمبيوتر الإشارات العصبية من الرقائق المزروعة تتيح تحليل هذه الإشارات وتدريب الآلات والتقدم في التحكم في أجهزة الكمبيوتر ذهنيا.

وأصبح عدد كبير من القردة قادرا على التحكم بألعاب الفيديو أو النقر على الشاشات، من خلال تتبّع حركة المؤشر على الشاشة بأعينها.

وواجهت “نيورالينك” والشركة المتخصصة في علوم الأعصاب التي أجرت العديد من الاختبارات على القرود اتهامات بإخضاع هذه الحيوانات لسوء المعاملة غير القانوني والمعاناة الشديدة أثناء اختبارات غرسات الرقائق، بحسب ما كشف تقرير لـ”بيزنس إنسايدر”.

وقدمت منظمة تعنى بحقوق الحيوان تدعى “لجنة أطباء للطب المسؤول” شكوى رسمية إلى وزارة الزراعة الأميركية تزعم فيها أن القرود تعاني من “معاناة شديدة نتيجة لرعاية الحيوانات غير الكافية وعمليات زرع الرأس التجريبية شديدة التوغل أثناء التجارب”.

وردت “نيورالينك” في مدونة جاء فيها أن “هذه الاتهامات تأتي من أشخاص يعارضون أي استخدام للحيوانات في البحث”، مضيفة “نحن ملتزمون تماما بالعمل مع الحيوانات بأكثر الطرق إنسانية وأخلاقية”.


وبررت ذلك بالقول إنها اعتمدت على جامعة كاليفورنيا في ديفيس لإيواء القرود ورعايتها أثناء قيامها ببناء منشأة الاختبار الخاصة بها، والتي افتتحت عام 2020.

وخلصت إلى أنها “تتطلع إلى اليوم الذي لن تعود فيه الاستعانة بالحيوانات ضرورية للبحث الطبي. ومع ذلك، يعتمد مجتمعنا حاليًا لهذه التجارب لعلاج الأمراض، ومنع انتشار الفايروسات، وإنشاء تقنية يمكنها تغيير كيفية تفاعل الناس مع العالم”.

تجارب معقدة
أجرى علماء الأعصاب في السابق تجارب زرع مخ على عدد صغير ممن فقدوا السيطرة على وظائف الجسم بسبب إصابات الحبل الشوكي أو حالات عصبية مثل الجلطات الدماغية.

ويمكن للبشر في تلك التجارب التحكم في الأشياء الصغيرة، مثل لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو مؤشر الماوس، ولكن لم يتمكنوا بعد من إكمال مهام أكثر تعقيدا.

وتطرق ماسك ومهندسو نيورالينك الأربعاء إلى أحدث التطورات التي حققتها الشركة في ما يخص تطوير جرّاح آلي وغرسات أخرى تُثبَّت في النخاع الشوكي أو في العينين، بهدف استعادة القدرة على الحركة أو البصر.

غراف

وتشير المعلومات المتداولة إلى أن الشريحة الإلكترونية سيتم استخدامها في الوقت الحالي للمساعدة في علاجات مختلفة؛ منها الزهايمر والخرَف وإصابات النخاع الشوكي، وسيكون هناك حديث موسع عن الذكاء الاصطناعي باستخدام الشريحة للبشر.

وقال ماسك في وقت سابق إن التجارب البشرية المبكرة ستجرى في عام 2022 على أشخاص يعانون من الشلل من خلال ربط أدمغتهم بأجهزة الكمبيوتر وبالتالي منحهم القدرة على المشي أو استخدام الذراعين.

وبالإضافة إلى القدرة على معالجة الأمراض العصبية، يتمثل الهدف النهائي لماسك في التأكّد من أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي لم تسبق البشر من الناحية العقلية والفكرية.

ولن تقتصر مشاريع نيورالينك على رقاقات الدماغ، إذ تستهدف عمليات زراعة لرقاقات في أجزاء أخرى من الجسم مثل النخاع الشوكي والتي من المحتمل أن تساعد من يعانون من الشلل على استعادة الحركة.

وتستهدف الشركة كذلك نوعا آخر يمكن زرعه في العين بهدف تحسين أو استعادة الرؤية البشرية، كما يجري العمل على تطوير أجهزة تفاعلية أخرى بين الدماغ والآلات.

معظم الأبحاث المتطورة الحالية في الوصلات بين الدماغ والكمبيوتر تُجرى على الحيوانات لأن تحديات السلامة وإجراءات الموافقة التنظيمية المطولة تمنع إجراء تجارب أكبر على البشر

ويمول إيلون ماسك في هذا الإطار مشروعا لترجمة نشاط الدماغ إلى كلمات بواسطة خوارزميات، مما يتيح للأشخاص الذين أصيبوا بالبكم بسبب الأمراض التنكسية العصبية استعادة النطق.

وتعمل شركات أخرى على التحكم في أجهزة الكمبيوتر عن طريق التفكير، وبينها “سينكرون” التي أعلنت في وقت سابق عن زرعها أول “واجهة الدماغ والكمبيوتر” (براين كمبيوتر إنترفايس) في الولايات المتحدة وتسمح للمرضى بالتحكم في الآيفون والآيباد عبر الدماغ.

وقال توم أوكسلي مؤسس شركة “سينكرون” ومديرها التنفيذي إن الشريحة يتم وضعها في الدماغ من خلال قسطرة الأوعية الدموية وليس من خلال جراحة، ويتم التحكم بالشريحة بواسطة المريض لاسلكياً من خلال جهاز آخر على صدره.

ويمكن وضع الشريحة في الدماغ بواسطة جراحة دقيقة يجريها أطباء جراحة المخ والأعصاب لكن العائق أن الجراحة معقدة قليلاً وهناك عدد محدود من جراحي المخ والأعصاب المؤهلين.

وتقوم هذه الشريحة بتحويل الأفكار في دماغ المريض والتي هي عبارة عن نشاط كهربي في الدماغ بالأساس إلى إشارات لاسلكية يقوم جهاز آخر “سينكرون سويتش” بتحويلها إلى أوامر يتم تنفيذها في جهاز الآيفون والآيباد.

وفي أبسط الأمور، يمكن تحويل نشاط كهربي محدد في الدماغ مثل التفكير في تحريك القدم إلى نقرة على الشاشة وباستخدام تطبيقات لوحات مفاتيح محددة يمكن كتابة كلمات على الشاشة والتواصل.

وهناك عدد واسع من المرضى الذين يمكنهم الاستفادة من هذه التقنية من المرضى الذين فقدوا القدرة على الحركة والحديث، ولا تزال تلك التقنية في بداياتها وأمامها الكثير للتطور والتقدم.

قرصنة الدماغ

منذ سنة 2018 حذرت شركة كاسبرسكي لاب المتخصصة في أمن المعلومات والكمبيوتر من أن الهاكرز قد يصبحون قادرين في المستقبل على استغلال الأجهزة العصبية التي تزرع داخل جسم الإنسان في سرقة الذكريات البشرية أو التجسس عليها أو تغييرها أو التحكم فيها.

ويقول العلماء إن الثغرات تبقى موجودة في البرمجيات والأجهزة المتصلة بالدماغ، وينبغي معالجتها بغية الاستعداد للتهديدات القادمة، وذلك وفقاً لتقرير أجراه باحثون من شركة كاسبرسكي لاب ومجموعة جراحة الأعصاب الوظيفية بجامعة أكسفورد.

وجمع الباحثون من كاسبرسكي لاب بين التحليلات العملية والنظرية لاستكشاف الثغرات في الغرسات المستخدمة للتحفيز العميق للدماغ، وترسل هذه الأجهزة التي تعرف باسم “الغرسات المولدة للنبض” أو “المحفزات العصبية”، نبضات كهربائية إلى أهداف محددة في الدماغ لعلاج اضطرابات مثل مرض باركنسون والرعاش والاكتئاب الشديد والوسواس القهري.

ويأتي أحدث جيل من هذه الغرسات مزوداً ببرمجية إدارة لاستخدام كل من الأطباء والمرضى، يمكن تركيبها على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والكمبيوترات، ويعتمد الاتصال بينهما على بروتوكول بلوتوث القياسي.

بوكس

ووجد الباحثون عددا من سيناريوهات المخاطر القائمة والمحتملة التي يمكن للهاكرز استغلالها لقرصنة الأدمغة البشرية، من ذلك ثغرة خطرة والعديد من إعدادات التهيئة الخطأ المثيرة للقلق في منصة إدارة عبر الإنترنت يشيع استخدامها بين فرق العمليات الجراحية، ويمكن أن تقود المهاجمين إلى بيانات وإجراءات علاجية حساسة.

ويمكن أن يؤدي نقل البيانات غير الآمن أو غير المشفر بين الغرسة والبرمجية المشغلة لها وأية شبكة مرتبطة، إلى التلاعب بغرسة أو حتى مجموعة كاملة من الغرسات المزروعة في عدد من المرضى، وقد يؤدي التلاعب إلى تغيير في الإعدادات يسبب الألم أو الشلل أو سرقة البيانات الشخصية الخاصة والسرية للمرضى.

ونظرا إلى أن الباحثين يقدّرون أن العقود المقبلة سوف تشهد تسارعا في تطور هذه التقنية واستخداماتها يواكب التقدم في المحفزات العصبية والتعمق في فهم الكيفية التي يعمل بها الدماغ في بناء الذكريات والمعارف والمعلومات وتخزينها، ما من شأنه أن يخلق مزيدا من فرص الاستغلال أمام المهاجمين الإلكترونيين.

ويتوقع العلماء أن يصبحوا قادرين في غضون خمس سنوات على تسجيل إشارات الدماغ الإلكترونية التي تبني الذكريات، ومن ثم تعزيزها أو حتى إعادة كتابتها، قبل إعادتها إلى الدماغ، وبعد عقد من الآن، يمكن أن تظهر في السوق أولى الغرسات التجارية التي تعزز الذاكرة، وخلال 20 عاما أو نحوها، قد تتطور التقنية بما يكفي للسماح بالتحكم في الذكريات تحكما كبيرا.

ويمكن أن تؤدي تلك التطورات إلى نشوء تهديدات جديدة تتضمن التلاعب بمجموعات من الأفراد من خلال زرع ذكريات معنية تتعلق بأحداث سياسية ونزاعات ما، أو مسحها، في حين يمكن أن تستهدف التهديدات الإلكترونية “المعاد توجيهها نحو أغراض أخرى” فرصا جديدة للتجسس الإلكتروني أو سرقة الذكريات أو حذفها، أو حتى “حبسها” في سبيل الحصول على فدية مالية.

وقال ديمتري غالوف الباحث الأمني لدى شركة كاسبرسكي لاب معلقا على نتائج الدراسة التي أجرتها الشركة، إن الثغرات الحالية “لها شأنها”، مشيرا إلى أن التقنية الموجودة اليوم هي “الأساس لما سوف يكون عليه الحال في المستقبل”.

وأضاف “على الرغم من عدم ملاحظة وقوع أية هجمات تستهدف أجهزة التحفيز العصبي في الواقع، تبقى الثغرات سهلة الاستغلال، لذا فنحن بحاجة إلى الجمع بين المتخصصين في المجالات الطبية، وقطاع الأمن الإلكتروني والمصنعين للتحقّق من جميع الثغرات المحتملة والحد منها، سواء هذه التي نراها اليوم أو تلك التي سوف تظهر في السنوات القادمة”.