الأزمات الداخلية تعيق محور مصر والعراق والأردن عن التأثير الإقليمي

تحالف لا يتجاوز النوايا الحسنة

القاهرة

تواترت إشارات متفرقة حول تشكيل محور يضم مصر والعراق والأردن من دون وجود معطيات كافية تؤكد أن هذه الدول التي تواجه أزمات داخلية مستعصية قادرة على توفير المتطلبات اللازمة لفكرة المحور الإقليمي.

وبدأت هذه الرغبة تظهر معالمها بوضوح مع كل تعيين لرئيس وزراء جديد للعراق، فقد تجددت الدعوة للاجتماع في عمّان الأربعاء الماضي عقب وقت قصير من تعيين محمد شيّاع السوداني رئيسا للحكومة العراقية، لينخرط في هذه المسيرة.

وتكررت الدعوة إلى محور ثلاثي بصياغات مختلفة في عهد حكومات عراقية سابقة، حيث تفاعل معها من قبل مصطفي الكاظمي وعادل عبدالمهدي وحيدر العبادي.

وأبدى جميع وزراء العراق الذين عاصروا فكرة تشكيل المحور الثلاثي وطربوا لها استعدادا لحضور قمة وراء قمة مع مصر والأردن للإيحاء بأنهم منفتحون على الدول العربية وغير مقيدين بأجندة إيران الإقليمية، وهو ما تلقفه السوداني لتأكيد عروبة العراق، من دون اهتمام بما يواجهه من أزمات أو البحث كثيرا عن النتيجة التي يمكن الخروج بها، فالمهم أنه لا يقل عمّن سبقوه انفتاحا على دول الجوار.

وقال الخبير المصري في الشؤون العربية مصطفى السعيد لـ”العرب” إن التعقيدات الداخلية في الدول الثلاث وتشعب المصالح الإقليمية والدولية التي تختلف من دولة إلى أخرى تخلق جموداً في تقدم هذا المحور.

وأكد أن عدم الاستقرار في العراق وغياب التفاهم بين قواه الرئيسية يفضي إلى مواقف مختلفة ومتغيرة مع مصر والأردن بشكل مستمر، وهو ما يحتاج إلى مناقشات ومشاورات مع كل رئيس وزراء جديد يتولى منصبه.

ويشير الحديث الذي يرافق كل اجتماع ثلاثي إلى أن المعنيين به لم يطرحوا على أنفسهم السؤال المحوري، ماذا يمكن أن يقدم كل طرف للآخر كي يصبح المحور أو التحالف أو التعاون الكبير منتجا للجميع؟

وترك تجاهل الإجابة لدى الكثيرين انطباعا بأن اللقاءات التي تعقد تحوّلت إلى هدف في حد ذاتها وعملية سياسية مطلوب الحفاظ عليها، فمع أن التفكير في المحور الثلاثي مضت عليه سنوات والاجتماعات تواصلت في عواصم الدول الثلاث، إلا أن أنصاره يدورون في حلقات مستمرة وغير معروف المدى الزمني لتوقفها بسبب عدم تحقيق أهدافهم أو الشروع في تحويل الخطاب السياسي الجذاب إلى واقع على الأرض.

وفي اجتماع عمّان الأخير، الأربعاء الماضي، أكد وزراء خارجية الأردن أيمن الصفدي، ومصر سامح شكري، والعراق فؤاد حسين، الحرص على الاستمرار في العمل ضمن ما يسمى بـ”آلية التعاون الثلاثي”، والتجهيز لاستضافة مؤتمر سيعقد في بغداد ديسمبر الجاري، تحضيرا للقمة التي سوف تستضيفها مصر العام المقبل.

ولم يعلن عن مواعيد محددة للاجتماع أو عقد القمة، بما يعني أن هناك قابلية للترحيل إلى موعد آخر، أو التأجيل إلى حين تتهيأ الظروف المناسبة لقادة الدول الثلاث.

وتم تشكيل آلية للعمل الثلاثي بهدف التنسيق وتبادل الرؤي وتحقيق الاستقرار، وزيادة التعاون في قطاعات التجارة والصناعة والنقل البري والطاقة والربط الكهربائي.

وتنطوي الأهداف المعلنة على مكونات فضفاضة، فإذا جرت تنحية الأبعاد السياسية والأمنية وما تحمله من تعقيدات إقليمية ودولية، فالأبعاد الاقتصادية التي تبدو سهلة ويمكن إنجاز تقدم حقيقي فيها هي في حاجة إلى مراجعة حيث تحيط بها تعقيدات كبيرة.

وترتهن القطاعات التي تتم الإشارة إليها دوما وتتعلق بالتجارة والصناعة والطاقة والنقل بإرادة أطراف أخرى تتشابك معها في المنطقة، ومن المنتظر أن يصبح السقف محدودا مع الارتفاع المطّرد في حجم المشكلات الداخلية وصعوبة ضبط الأزمات الاقتصادية، وأبرزها البطالة التي تغرق فيها مصر والعراق والأردن.

وإذا كان العراق في حاجة إلى أيد عاملة، فهو حسم هذه المسألة إلى حد بعيد منذ فترة، ويأتي لقطاع النفط الحيوي بعمال ومهندسين من شرق آسيا، بمعنى أن العمالة المصرية، خاصة غير المدربة، لن تجد لها مكانا في العراق كما كان في السابق خلال عهد الرئيس الراحل صدام حسين.

وتواجه القاهرة أزمة بطالة محتدمة مع انسداد سوق العمل في الكثير من الدول العربية، وتتعرض العمالة المصرية في الكويت إلى الترحيل بعد اتجاه حكومتها إلى التوسع في تكويت الوظائف أخيرا والاستغناء عن مئات الآلاف من المصريين، ومن الممكن أن يمثل العراق بديلا إذا تحول إلى سوق مفتوح أمام الحكومة المصرية لتصدير عمالتها.

كما أن مصر لا تملك الكثير من المنتجات التي يمكن القول إنها لن تصدر عمالة إلى العراق بل منتجات، وهي تستورد جزءا كبيرا من احتياجاتها الأساسية من الخارج.

وأوضح مصطفى السعيد لـ”العرب” أن الأردن يعاني من مشكلات داخلية حادة، فضلا عن التذبذب في علاقاته مع دول الخليج التي في الأغلب تكون جيدة وفي بعض الأوقات يحدث تباين في المواقف السياسية، علاوة على ما يعانيه من مشكلات مرتبطة بالتصعيد المستمر في الضفة الغربية، وبالتالي لا يشكل المحور الثلاثي أهمية قصوى ولا يمكن أن يساعد في عملية حلحلة الأزمات التي تواجه دوله في الداخل أو الخارج.

وشدد السعيد على أن مصر تعاني من أزمات اقتصادية متفاقمة، تضاف إليها أخرى خارجية مع إثيوبيا، وتشكل الأزمتان الليبية والسودانية أولوية بالنسبة إليها حاليا لتأثيرهما المباشر على مصالحها، وقد تذهب باتجاه عقد قمم على المستوى الثلاثي، لكن في النهاية يغيب المحفز الرئيسي للخروج بنتائج ملموسة يمكن تطبيقها على الأرض.

وتبقي الأزمات المتراكمة في الدول الثلاث للمحور الثلاثي في نطاق افتراضي إلى حين تتوافر فرص يمكن أن تساعد على توفير حد أدنى لحصره في النطاق الاقتصادي.