مؤتمر جبهة القوى الاشتراكية يؤسس لتحول تاريخي في عقيدة الحزب

أعرق أحزاب المعارضة في الجزائر يتهيّأ للتطبيع مع السلطة

الجبهة في خدمة السلطة

الجزائر

شدّد خطاب مؤتمر أعرق الأحزاب المعارضة في الجزائر المنعقد بالعاصمة على الطابع السياسي للأزمة وعلى حتمية الحوار وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من أجل تجاوز المأزق الذي تعيشه البلاد. وتأتي هذه الدعوة في ظل سكون غير مسبوق في البلاد، بعدما عمدت السلطة إلى تجاهل الطبقة السياسية وتبني مقاربة جديدة في التعاطي مع مرحلة ما بعد الحراك.

ورافع الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش في افتتاحه للمؤتمر السادس للحزب بالعاصمة لصالح المدافعين عن حقوق الإنسان، قبل وأثناء وبعد الحراك الشعبي، وخصّ بالذكر الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تواصل النضال في الجزائر.

وطالب المتحدث بضرورة “رفع كل المضايقات وإسقاط كل القوانين الجائرة بما فيها المادة 87، وإطلاق سراح كل معتقلي الرأي، وفتح المجالين السياسي والإعلامي لترسيخ مناخ شفاف وبنّاء يمكّن من إطلاق حوار وعقد وطني لاستكمال المشروع الوطني، مشروع نوفمبر ومؤتمر الصومام”.

ويأتي المؤتمر السادس لجبهة القوى الاشتراكية التي توصف بـ”أعرق أحزاب المعارضة في الجزائر”، في مناخ سياسي يسوده سكون غير مسبوق، وتصدّر السلطة للمشهد العام في البلاد، لاسيما في ظل تصاعد توجهها لتجاهل الطبقة السياسية والحزبية والانحياز لصالح المجتمع المدني كشريك جديد للسلطة منذ انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون في نهاية العام 2019.

ويعيش الحزب في السنوات الأخيرة حالة من التململ وعدم الاستقرار الداخلي بسبب الصراعات بين أجنحته، خاصة منذ صعود الهيئة القيادية الحالية المتّهمة من طرف معارضيها بالتطبيع مع السلطة، وخيانة العقيدة السياسية التي تأسست من أجلها جبهة القوى الاشتراكية وقضى المناضل المؤسس حسين آيت أحمد حياته في سبيل تحقيقها.

كما كشف أوشيش عن صياغة مادة في القانون الأساسي للحزب لإنشاء مرصد لحقوق الإنسان تابع للحزب يكون سنداً للمدافعين عن حقوق الإنسان.

وقال إن مواقف حزبه جنبت البلاد الكثير من الانزلاقات كونه يلتزم بالنهج الوطني الذي أسس له الراحل آيت أحمد.

وأكد على أن حزبه “هو أقدم حزب معارض يمتد بفكره إلى الحركة الوطنية، وأن مؤسسه آيت أحمد هو أحد آباء الوطنية في الجزائر، ونحن على نهجه، نهج الوطنية والديمقراطية ولا نقبل دروسا من أي كان في الوطنية والحفاظ على الوطن”.

وأضاف “حزب جبهة القوى الاشتراكية يفرق جيدا بين مصطلح الدولة والنظام، وأن الحزب ثابت على خط الحفاظ على الدولة الوطنية بالحوار والمصالحة على حساب الفتنة والتخريب”، في تلميح منه إلى تلبية الحزب لدعوات الحوار السياسي التي فتحتها السلطة في وقت سابق حول الدستور ولمّ الشمل، والتي كانت محل انتقاد من طرف قيادات تاريخية توصف بـ”الراديكالية”.

وشدد أوشيش على أن “المؤتمر السادس للحزب يعتبر محطة مفصلية في تاريخ الجزائر والحزب، وأن المندوبين يسعون من خلاله لترجمة المشروع السياسي وبناء الحزب بشكل فعال”.

وينتظر أن يراجع المؤتمر بعض النصوص التنظيمية والهيكلية للحزب على غرار القيادة الفردية والأمين العام ودورة المجلس الوطني، فضلا عن انتخاب قيادة جديدة، حيث يرجح أن يتم التجديد لأوشيش، رغم عدم حظوته بالإجماع داخل الحزب، ووجود أجنحة مناوئة له ولخياراته السياسية.

وأكد أوشيش على أن “مؤتمر حزب جبهة القوى الاشتراكية لم يكن لينعقد لولا تضحيات وصبر المناضلين، وقد وصلنا إلى هذا الموعد الهام رغم الصعوبات واشتداد الأزمات، إلا أن الإيمان بالقضية ومشروعنا وإيماننا الراسخ وتشبثنا بقيمنا التاريخية ومبادئنا التأسيسية جلعتنا نواجه كافة هذه التحديات”.

وأضاف “الطريق لم يكن مبسوطا ولم تكن المهمة سهلة على الإطلاق، لكن يقظة وتضامن مناضلينا وخاصة صَبرهم في ظل مناخ معاد للعمل السياسي وأجواء من التشكيك والترهيب، جلعتنا نفي بوعدنا ونصل إلى مشارف هذا الموعد التنظيمي والسياسي، في ظل الانضباط والالتزام والاحترام، والمسؤولية والانفتاح التي تشكل الهوية السياسية لمجتمعنا ولجبهة القوى الاشتراكية”.

ولفت إلى أن المؤتمر سيكون بعد كل ما شهده من مخاض عسير نقطة البداية لترجمة الإرث التاريخي والرصيد السياسي كمشروع سياسي جامع ومنصة لاستكمال بناء الحزب وجعله مؤسسة سياسية فعَّالة وفاعلة في الساحة الوطنية، تحت شعار عقد تاريخي من أجل استكمال المشروع الوطني، وهي رسالة مبطنة للدوائر التي ظلت تعترض على عقد المؤتمر خشية مما أسمته بـ”شرعنة التطبيع السياسي بين الحزب والسلطة”.

واستغل أوشيش فرصة المؤتمر للرد بقوة على معارضيه، بالقول “حزب جبهة القوى الاشتراكية لن يقبل دروسا من أي كان بخصوص نضالنا الصادق والتزمنا الراسخ تجاه تأمين وطننا والحفاظ عليه (…) ربما تطغى اليوم لحظات التشكيك وتبلغ مداها لكن يبقى التاريخ منصفا لحزب جبهة القوى الاشتراكية، ومواقفه الراسخة التي عملت على الدوام على تجنيب البلاد الانزلاقات نحو الفوضى”.

ودعا إلى ضرورة الرد جماعيا حول تساؤل جوهري، وهو “كيف يمكن ممارسة نضال دون المساس ببنيان الدولة الوطنية، وبعيدا عن الخيارات السياسية الانتحارية لتغيير منظومة الحكم ولتكريس الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتكريس حقوق الإنسان بدون المساس بالوطن والدولة الوطنية؟”.

ويفيد خطاب الرجل المرشح لنيل ثقة المؤتمر لقيادة الحزب في عهدة جديدة، بوجود توجهات سياسية متصارعة داخل الحزب الذي ظل معارضا للسلطة منذ تأسيسه في 1963 إلى غاية تنحي آيت أحمد في 2013، وأن المؤتمر سيكون محطة مفصلية في عقيدة الحزب بين أفكاره التقليدية وبين تطبيعه مع السلطة.