عين التيار الصدري على عشر محافظات لتدارك هفوة الانسحاب

انتخابات مجالس المحافظات بوابة الصدر للعودة إلى المشهد في العراق

تشكل انتخابات مجالس المحافظات أهمية استثنائية بالنسبة إلى القوى السياسية الكبرى في العراق ولاسيما للتيار الصدري الذي سيحاول استثمار الاستحقاق المحلي للعودة مجددا إلى الساحة السياسية التي كان انسحب منها في خطوة لم تخل من “سوء تقدير”.

فرصة للعودة

بغداد

 ترجّح أوساط سياسية عراقية أن يشارك التيار الصدري في انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في الخريف المقبل لتدارك “هفوة” انسحابه من المشهد السياسي، والتي فتحت المجال أمام خصومه من الإطار التنسيقي للسيطرة مجددا على دفة الحكم في العراق.

وتوصلت القوى السياسية العراقية، في ديسمبر الماضي، إلى اتفاق يقضي بإجراء انتخابات مجالس المحافظات في أكتوبر المقبل. وجاء الاتفاق بعد تصويت مجلس النواب نهاية العام 2019 على حلّ مجالس المحافظات استجابة لمطالب الحراك الشعبي الذي شهده العراق، والذي اتهم تلك المجالس بالتورط في الفساد.

ويتمثل دور مجالس المحافظات في اختيار المحافظ ونائبيه وإعداد موازنة المحافظة على ضوء ما تخصّصه الحكومة المركزية لها من اعتمادات مالية، ولتلك المجالس الحق في إقالة المحافظين ورؤساء الدوائر، ويجري اختيار تلك المجالس بناء على حجم التركيبة السكانية لكل محافظة.

وتقول الأوساط السياسية إن انتخابات مجالس المحافظات لا تقلّ أهمية على الانتخابات التشريعية، ذلك أن تلك المجالس تجسد حلقة رئيسية في تنفيذ القرارات الحكومية، ولها تأثير كبير على القوى السياسية في أيّ استحقاق برلماني.

وتعتقد الأوساط نفسها أن التيار الصدري الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لن يتخلى عن المشاركة في تلك الانتخابات، خصوصا وأن خصومه لاسيما ائتلاف دولة القانون يعملون على ضرب نفوذه في مراكز صنع القرار داخل السلطة التنفيذية، وبالتالي التخلي عن الاستحقاق المحلي سيعني نهاية أيّ تأثير سياسي له.

وكشف قيادي في التيار الصدري عن مناقشات تجري في صفوفه بشأن المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، لافتا إلى أن أعين قيادات التيار منصبّة على الحصول على أكبر عدد من المحافظين في عشر محافظات توصف بأنها ذات أغلبية شيعية.

وتحدث القيادي الذي رفض الإفصاح عن اسمه عن أن التيار سيعمل على الفوز بأكثر من نصف المقاعد في مجالس المحافظات المقبلة، مضيفا في تصريحات لصحيفة “المدى” المحلية “لن نتحالف بالتأكيد مع أي طرف في تلك المحافظات، فالتحالف يعني تنازلا وأخذا وردا وهذا لا نريده في حكومات محلية نسعى أن تكون خدمية”.

ونجح التيار الصدري في تصدر نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر من العام 2021 بحصوله على اثنين وسبعين مقعدا، وقد حاول زعيم التيار استثمار ذلك الفوز مراهنا على حليفيه السابقين تحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني لاحتكار دفة العملية السياسية.

وقد قوبلت مساعيه بصدّ من الإطار التنسيقي، الذي يمثل المظلة السياسية للقوى الشيعية الموالية لإيران، والتي تكبدت خسارة انتخابية قاسية. واستمرت التجاذبات بين الفريقين لأشهر، قبل أن يتخذ الصدر قرارا مفاجئا بدعوة نواب تياره إلى الاستقالة من البرلمان تلاه قرار بالانسحاب من العملية السياسية في خطوة وصفها حلفائه حينها بـ”سوء تقدير”.

وانجرّ عن انسحاب التيار الصدري عودة قوى الإطار التنسيقي وفي مقدمتها ائتلاف دولة القانون إلى الإمساك بزمام العملية السياسية والتحاق الحليفين السني والكردي للصدر بالإطار، فكان أن نتج عن ذلك تشكيل حكومة محمد شياع السوداني.

في المقابل غاب التيار الصدري عن المشهد تماما، ولم يدل زعيمه بأيّ تصريحات أو مواقف، وسط اعتقاد البعض بأن الأخير يتحيّن فرصة إخفاق حكومة السوداني للتحرك في الشارع، لكن ذلك لا يبدو واردا حتى الآن.

ويقول مراقبون إن التيار الصدري سيكون لزاما عليه في حال أراد فعلا الدفاع عن حظوظه السياسية استثمار انتخابات مجالس المحافظات، وهو ينتظر حاليا ما ستثمر عنه المفاوضات الجارية بين القوى السياسية الحاكمة بشأن تعديل القانون الانتخابي لإجراء الاستحقاق المحلي.

وبحسب ما يجري تسريبه من نقاشات فإن هناك توافقا بين القوى السياسية الكبرى على العودة إلى نظام “سانت ليغو” الذي يهدد بتحجيم حضور القوى المدنية والأحزاب الناشئة.

وكان ائتلاف دولة القانون قد أكد في وقت سابق أن هناك إجماعا سياسيا على أن يكون الانتخاب ضمن قانون “سانت ليغو”. وقال القيادي في الائتلاف فاضل الزريجاوي‏، في تصريحات صحافية إن “إجراء الانتخابات المحلية (انتخابات مجالس المحافظات) سيكون وفق موعدها المحدد ضمن المنهاج الحكومي، أي بشهر أكتوبر من السنة الجديدة 2023”.

وأضاف الزريجاوي أن “هناك اتفاقا سياسيا على إجراء انتخابات مجالس المحافظات في الشهر العاشر دون أيّ تأجيل لأيّ عذر كان”. وأوضح أنه “خلال الفترة المقبلة، ستكون هناك مفاوضات وحوارات ما بين الكتل والأحزاب السياسية، لحسم شكل قانون الانتخابات الجديد، وهناك شبه إجماع سياسي على أن يكون القانون هو سانت ليغو”.

ويرجّح المراقبون أن تنجح القوى الشيعية في تمرير قانون “سانت ليغو”، مشيرين إلى أن التيار الصدري ليس لديه نظريا موانع للقبول بالمشاركة ضمن هذا القانون، لكن المحك بالنسبة إليه هو قدرته على تحصيل أكبر عدد من المقاعد في مجالس المحافظات، وهو يواجه في ذلك منافسة شرسة لاسيما من خصمه ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي والذي بالتأكيد سيحرص على استثمار نفوذه في المنظومة الحالية لتحقيق نتائج وازنة في انتخابات المحافظات.

وذكر سياسي شيعي في حديث لـ”المدى”، أن “عملية التقييم الأخيرة للمحافظين التي أطلقتها الحكومة هي إحراج للمحافظين وإجبارهم على إعلان الولاء لحزب معين وإلا قد يفقد منصبه”، في إشارة إلى حزب الدعوة الذي يقوده المالكي.

ولفت السياسي الشيعي إلى أن حزب الدعوة سيكون أكثر المستحوذين على المحافظات في حال تمت إعادة توزيع المنصب – قبل الانتخابات – لأنه يملك أكثر من 50 مقعدا لم يستخدم أكثرها في معادلة النقاط (المناصب حسب الوزن الانتخابي).

وكان رئيس الوزراء العراقي قد أرسل في وقت سابق إلى مجلس النواب استمارة لتقييم المحافظين في 13 محافظة. وتضمنت الاستمارة تقييم أعضاء المجلس النيابي عن محافظات بغداد، ونينوى، والبصرة، وكركوك، وديالى، وواسط، والأنبار، وبابل، وكربلاء، والنجف، وميسان، وذي قار، والمثنى.

وشملت استمارة التقييم ستة فقرات (تقييمات) أبرزها حول قدرة المحافظ على اتخاذ القرارات، ومعالجة المشكلات، ودوره في تشجيع الاستثمار. وطلبت الاستمارة توصيات النائب على تلك التقييمات بالتأشير على حقل ضعيف أو متوسط أو جيد أو جيد جدا.

وقرر السوداني في ديسمبر الماضي إمهال المحافظين ثلاثة أشهر بعد ضغط من المالكي بحسب مصادر تحدثت لـ”المدى” وأكدت أن “ائتلاف دولة القانون سيحصل على ما بين أربع إلى ست محافظين إذا انتهى التقييم”.

وأشارت المصادر المطلعة إلى أن ائتلاف دولة القانون “يريد السيطرة على النجف، والناصرية وميسان (وهي محافظات يديرها محسوبون على التيار الصدري)، وبشكل أقل البصرة وواسط”.