اليمن..

تحويل مسار السفن إلى ميناء الحديدة يعمق أزمة الحكومة اليمنية

"أرشيفية"

أبوظبي

أثارت تصريحات أدلى بها خبراء ومسؤولون اقتصاديون في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن حالة من الجدل والتساؤلات حول انعكاسات التسوية السياسية المزمعة مع الحوثيين على الوضع الاقتصادي في المحافظات المحررة، خاصة بعد تحويل مسار السفن من ميناء عدن إلى ميناء الحديدة، وهو ما من شأنه أن يعمق الأزمة الاقتصادية للحكومة اليمنية.

وقال أبوبكر باعبيد، رئيس الغرفة التجارية، في تصريحات صحفية إن “التجار بدأوا يستوردون البضائع عبر ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين بسبب منع الجماعة عملية الاستيراد عبر ميناء عدن”.

عبدالحميد المساجدي: إعادة تسيير شركات الملاحة لخطوط النقل عبر ميناء الحديدة ستمثل ضربة اقتصادية إضافية للحكومة الشرعية
عبدالحميد المساجدي: الخطوة ستمثل ضربة اقتصادية إضافية للحكومة الشرعية
وكشف باعبيد عن قيام السفن التجارية التي كانت تصل إلى ميناء عدن بتغيير مسارها خلال الأيام القليلة الماضية صوب ميناء الحديدة بشكل مفاجئ.

ورأى مراقبون أن هذه الخطوة جاءت نتيجة لأسباب وتراكمات اقتصادية من بينها إجبار الميليشيات الحوثيةِ رجالَ الأعمال اليمنيين على تحويل سفنهم التجارية إلى ميناء الحديدة وفرض عقوبات مالية واقتصادية عليهم في حال رفضوا ذلك، بالتوازي مع رفع الحكومة الشرعية لسعر الدولار الجمركي، فيما قال خبراء إن هذه الخطوة تأتي في سياق الاستجابة لاشتراطات حوثية لتمديد الهدنة الأممية والتحولات المتسارعة التي يشهدها الملف اليمني.

وقال نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا حسين العزي الأحد إن “العبور المباشر لكل السفن التجارية إلى ميناء الحديدة -دون احتجاز أو تأخير- خطوة أولية في الاتجاه الصحيح”.

وحذر خبراء اقتصاديون يمنيون من انعكاسات تحويل السفن التجارية إلى ميناء الحديدة على المنظومة الاقتصادية في المحافظات المحررة، إضافة إلى تعزيز مثل هذه الخطوة المفاجئة لموارد الحوثيين المالية وتمكينهم من الهيمنة على القطاع الاقتصادي والمالي في اليمن، في الوقت الذي تمر فيه الحكومة الشرعية بأزمة اقتصادية كبيرة نتيجة تعطل تصدير النفط وآثار الحرب المالية والاقتصادية الحوثية.

وفي تصريح لـ”العرب” قال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر إن “هناك قرارات سابقة اتخذتها جماعة الحوثي تتعلق بتحويل مسار السفن أو مسار الحاويات عبر ميناء الحديدة”، مرجحا أن يكون الإجراء الأخير جزءا من تفاهمات معينة في إطار المشاورات مع الحوثي التي تجري بوساطة عمانية. ولفت إلى أن من بين الشروط الرئيسية لجماعة الحوثي أن يتم دخول الحاويات إلى ميناء الحديدة.


وأضاف نصر “هذا بكل تأكيد ستجني من خلاله جماعة الحوثي مليارات الريالات من العائدات الضريبية والجمركية، كما سيكون تأثيره سلبيا على ميناء عدن والموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، مع توقّع أن تتراجع العائدات الضريبية والجمركية إلى 70 في المئة تقريبا جراء تحويل مسار الحاويات، لاسيما إذا استمرت عملية تفتيش الحاويات الواصلة إلى عدن أو أي منطقة من مناطق الحكومة، سواء في جيبوتي أو في جدة، وبالتالي يفترض أن يتم السماح بوصول الحاويات مباشرة إلى عدن ومناطق سيطرة الحكومة”.

وخلال فترة الهدنة الأممية استمر الحوثيون -وبشكل تصاعدي- في اعتماد أسلوب الحرب الاقتصادية المفتوحة على الحكومة الشرعية، عبر استهداف موانئ تصدير النفط والمضي قدما في الإجراءات الأحادية لتجفيف إيرادات الحكومة، الأمر الذي تسبب في زعزعة البنية الاقتصادية الهشة في المحافظات المحررة وتكبد الحكومة اليمنية خسائر تناهز المليار دولار، وفقا لرئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك.

وكشف عبدالملك في إحدى جلسات القمة العالمية للحكومات التي عقدت في دبي عن انكماش الاقتصاد اليمني إلى النصف، وخسارة حوالي 800 مليون دولار إلى مليار دولار نتيجة الهجمات الحوثية على المنشآت والموانئ النفطية.


وفي تصريح لـ”العرب” حول التداعيات المحتملة لتحويل مسار السفن التجارية قال عبدالحميد المساجدي، رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية، إن “ميناء الحديدة أكبر ميناء في اليمن، وفي الظروف الطبيعية تصل عبره نحو 70 في المئة من السلع المستوردة إلى اليمن، لعدة اعتبارات أهمها قربه من العاصمة صنعاء مقر مخازن كبريات الشركات المستوردة، والتي تقوم بعدها بالتوزيع إلى كافة الفروع في الجمهورية اليمنية، وبالتالي انخفاض تكاليف النقل والتوزيع، إضافة إلى قربه من أكبر كتلة سكانية استهلاكية”.

وبعد سيطرة الحوثيين وفرض آلية التفتيش والتحقق الأممية على السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة والأضرار التي تعرض لها الميناء وكرينات (رافعات) التفريغ، وارتفاع تكاليف التأمين، تحولت خطوط ملاحية إلى ميناء عدن، الأمر الذي وفر للحكومة المعترف بها دوليا موارد جمركية وضريبية جيدة، بالرغم من إعادة جمركة الحوثيين لهذه السلع في المنافذ المستحدثة على تخوم المدن الواقعة تحت سيطرتهم.

وأشار المساجدي إلى أن هذه الظروف رافقها عجز حكومي كبير عن استقطاب الشركات لنقل مخازنها الرئيسية ومستودعاتها ومركز عملياتها إلى عدن، بفعل الاضطرابات الأمنية وتعدد الأطراف الفاعلة في مناطق الحكومة الشرعية، وهو ما زاد تكاليف السلع، سواء ما تعلق منها بالنقل من ميناء عدن إلى المخازن في صنعاء أو ما اتصل بتكاليف الانتظار والاحتجاز في المنافذ الحوثية الجمركية أو ما ارتبط بتكاليف ورسوم إعادة الجمركة.

وأكد أن إعادة تسيير شركات الملاحة لخطوط النقل عبر ميناء الحديدة ستمثل ضربة اقتصادية إضافية للحكومة الشرعية وستفقدها موردا جديدا، بعد خسارتها إيرادات تصدير النفط، وهو ما يضع الحكومة الشرعية أمام تحديات اقتصادية هي الأكبر منذ بدء الحرب في اليمن.