بين عودة سوريا وحلم الدّولة الكرديّة

أرشيفية

برلين

نتابع في منصّة جسور عربيّة استطلاع آراء الباحث السياسي اللبناني الأميركي حسن منيمنة، وهو مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، وأستاذ في معهد الشرق الأوسط، ومحرر مساهم لدى منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى؛ وبعد مقاربته للإتفاق السعودي – الايراني الذي سيشكّل برأيه مدخلاً لثنائيّة قطبيّة جديدة في العالم؛ كيفيّة عودة سوريا إلى جامعة الدّول العربيّة، إضافة إلى الحلم الكردي المستحيل حتّى الساعة.
 
عودة وطن أم مصالح إعماريّة؟
 
يحكى اليوم عن مشروع فدرلة سوريا مقابل إبقاء الأسد في الولاية العلوية على الساحل السوري. ولقد شكّلت العودة السوريّة إلى الحضن العربي صدمة في هذا الوسط، لا سيّما وأن لا شيء تغيّر في هذا البلد منذ العام 2011. وما زال حتّى الساعة يصرّ النظام البعثي العلوي على إعلان انتصاره. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: انتصار مَن على مَن؟
وفي هذا السياق يرى الباحث حسن منيمنة أنّ " الوضع في سوريا مستقرّ على التباسه، وليس على رؤوى لحلول على المستوى البعيد." ويرجّح منيمنة في حديثه لجسور "استمرا الأمر الواقع في سوريّا أي التقسيم الواقع الذي يراه الأقرب إلى الصواب في المرحلة المقبلة.


ولا يعتقد منيمنة في حديثه لجسور أنّ " هناك ما قد يبرّر أي دور للقيادة الحاليّة في سوريا إلا واجهة للإحتلال الروسي - الايراني." فسوريا بالنسبة إليه "تبقى حتّى اليوم نوع من الشركة المساهمة الروسية الايرانيّة بأدوار مختلفة ولأهداف مختلفة." فمنينة يرى أنّ "عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة كانت بناء على رغبة سعوديّة؛ برغم معارضة بعض الأطراف العربيّة التي رأت أنّ هذه العودة ستكون شكليّة، سواء نتيجة لاستمرار الضغط الغربي، أو نتيجة لإصرار النظام في سوريا على الانتصار على معارضيه؛ أي لا مجال للتسوية هنا."
 
عودة شكليّة ذات أهداف استثماريّة
 
فبالنسبة إلى منيمنة " إنّ السعوديّة قد تمكّنت بالفعل من إعادة سوريا شكليًّا إلى الإطار العربي." وأمام هذا الواقع الشكلي تستوقف منيمنة إشكاليّة جديدة من نوع آخر، ترتبط بالبعد الاستثماري الاقتصادي. ولعلّ هذا ما دفعه إلى التساؤل: " هل ذلك يعني بأنّ الاستثمارين الروسي والايراني في سوريا قد يتراجعان؟ الجواب هو حتمًا لا. "
إذًا نحن أمام حالة مستجدّة في سوريا أي "بفعل الدفع السعودي لقد أنجز مستوى العودة الشكلي إلى الإطار العربي." كما يؤكّد منيمنة. ويميّز برؤيته بين هذه العودة وبين الدّور الروسي- الايراني في سوريا الذي لم يغفله في تحليله. فبالنسبة إليه "بفعل الحضور الروسي والتأثير الإيراني والذي رغم الاتّفاق السعودي – الايراني يبقى نفوذًا مستقلا، أيّ أنّه يملك اعتبارات خاصّة به. وبالتالي لا نستطيع أن نتوقّع أن تتراجع هذه الاعتبارات لمجرّد أنّه حصل اتّفاق في مراحله الأولى مع السعوديّة. "


من هنا، يرى منيمنة أنّ " التوازن في سوريا يبقى لصالح روسيا وإيران أوّلاً ثمّ بعد ذلك لأيّ إطار للعودة العربيّة." ولا يستبعد أن تكون هذه العودة حقيقة بالدرجة الأولى. لكن يؤكّد منيمنة أنّها من المنظار الروسي والإيراني " هي عودة ماليّة، أيّ أنّ هنالك رغبة لدى روسيا وإيران بخوض غمار إعادة الإعمار في سوريا من دون توفّر الرساميل." وهذا ما أوضحه في مقاربته بعودة سوريا إلى الحضن العربي متخوّفًا من أن يكون هنالك اتّفاق ضمني لتكون هذه العودة وسيلة إلى نوع من التوافق في هذا الصدد، أي لتوفير هذه الرساميل. ويختم منيمنة حديثه في الموضوع السوري أن "لا شيء واضح حتّى الساعة. لكن ما يبقى قائمًا هو أنّ هذه العودة قد تحقّقت بوساطة الدّفع السعودي. "
 
الحلم الكردي المستحيل
 
أمام هذا الواقع التشرذمي في المنطقة نستعيد ما قاله رالف بيترز، وهو ضابط متقاعد يحمل رتبة مقدم، حيث وضع مخططاً لإعادة تقسيم الشرق الأوسط (في مقال نشر بمجلة القوات المسلحة الأميركية في عدد يونيو/ حزيران 2006) انطلق فيه مما أسماه: " الظلم الفادح الذي لحق بالأقليات حين تم تقسيم الشرق الأوسط أوائل القرن العشرين (يقصد اتفاقية سايكس بيكو) مشيرًا إلى هذه الأقليات بأنها الجماعات أو الشعوب التي خدعت حين تم التقسيم الأول، وأهمها: الأكراد، والشيعة العرب." لذلك بحسل الكولونيل بيترز " يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط انطلاقًا من تركيبته السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، حتى يعود السلام إليه."


لكن الباحث حسن منيمنة يرى أنّه " لا يمكن الحديث عن قيام دولة كرديّة طالما الخلافات الأساسيّة هي بين الفصائل الكرديّة في مختلف الدّول التي تتواجد فيها هذه القوميّة أي العراق وسوريا وتركيا وإيران." لكن يلحظ منيمنة " وجود قدر من الاستقرار فيما يتعلّق بكردستان العراق؛ لكن في المقابل هناك ريبة، لا بل تخوّف ومواجهة صريحة بين كردستان العراق وروجابا أي كردستان سوريا والتي ينظر إليها على أنّها تابعة لحزب العمّال الكردستاني وبالتّالي لا يمكن الوثوق بها. " ويختم عن اكراد سوريا والعراق مؤكّدًا أنّه "لا يوجد أيّ تحالف فعلي بين الجانبين."
أمّا بالنسبة إلى كردستان إيران فيلحظ منيمنة أنّها " ليست بواقع الحديث عن استقلاليّة لا بل العكس هو صحيح." أمّا حال كردستان تركيا وهي الأكبر، فيرى منيمنة أنّه " لو تحقّق لها قدر الانفصال أو الاستقلال هو حال ملتبس ومرتبك جدًّا لأنّنا في هذه الحالة لا نتحدّث عن حالات مستعدّة للتوصّل إلى دولة كرديّة موحّدة بين الأفرقاء الأكراد كلّهم."
ويختم منيمنة حديثه في هذه القضيّة مستذكرًا مستوى الرغبات بوطن عربي واحد. فبالنسبة إليه فيما يتعلّق بالقضيّة الكرديّة "نحن نتحدّث هنا عن استنساخ التجربة القوميّة العربيّة في وطن قومي واحد. أي أنّ الطموحات الكرديّة ستكون على مستوى وطن كبير وخلافات على مستوى أوطان صغيرة."