الحادث الحدودي يضاعف حرج مصر بشأن ضبط الحدود مع غزة

مقتل الجنود الإسرائيليين يختبر التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل

صدمة في تل أبيب والقاهرة

القاهرة

 كشف مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وإصابة ضابط على الحدود المشتركة مع مصر السبت أن جدار التعاون بين القاهرة وتل أبيب تشوبه ثغرات يمكن أن تتحول لاحقا إلى منغصات أمنية وربما سياسية إذا تكرّر هذا الحادث الفردي.

وقد أحدث مصرع هؤلاء الجنود على يد جندي مصري ردود فعل سلبية داخل إسرائيل التي رددت من قبل بأن التنسيق بينها وبين مصر وصل إلى مستوى جيد جعل التعاون يمتد إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار في قطاع غزة وضبط الحدود بين القطاع والبلدين.

ورفعت الحكومة اليمينية المتطرفة التي يقودها بنيامين نتنياهو درجة الاستنفار في صفوف الجيش، وقامت بتمشيط المنطقة الحدودية خوفا من وجود متسللين آخرين.

ونقلت مصر روايتها الرسمية على لسان المتحدث الرسمي باسم الجيش بعد نحو سبع ساعات من تداول وسائل إعلام إسرائيلية ومسؤولين أمنيين روايات متضاربة تراوح مضمونها بين الإقرار بأن الذين قاموا بذلك هم متسللون من مهربي المخدرات وإرهابيون ثم الاستقرار على رواية الشرطي الذي قام بالعملية وقُتل فيها من دون حديث واضح عن دوافعه.

وقال بيان المتحدث العسكري المصري “قام أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود الدولية بمطاردة عناصر تهريب المخدرات، وأثناء المطاردة قام فرد الأمن باختراق حاجز التأمين وتبادل إطلاق النيران مما أدى إلى وفاة ثلاثة أفراد من عناصر التأمين الإسرائيليين وإصابة اثنين آخرين، بالإضافة إلى وفاة فرد التأمين المصري أثناء تبادل إطلاق النيران”.

وشاب صياغةَ البيان المصري بعضُ الارتباك، لأنه نسب العملية إلى شرطي يطارد مهربين بمفرده ويقوم بقتل جنود على الحدود الأخرى دون ذكر لمصير المهربين، ما زاد من حرج القاهرة أمام الرأي العام الإسرائيلي الذي وصله انطباع أنها لم تكن تعلم نوايا الشرطي، لكن من المهم معرفة أن ذلك لن يؤثر على التعاون.

وتحاول مصر الحفاظ على أمن حدودها مع إسرائيل ومنع مختلف أشكال العنف عنها بأي شكل من الأشكال في ظل التحديات المتفاوتة التي تواجهها على حدودها مع قطاع غزة وليبيا وأخيرا السودان.

وأكد الجيش الإسرائيلي مبكرا أن المسلح الذي قتل ثلاثة جنود وأصاب ضابطا بالقرب من الحدود هو شرطي مصري، ويحقق في الحادث بالتعاون مع الجيش المصري، وقام الجنود بإجراء عمليات تمشيط في المنطقة بحثا عن أي مهاجمين إضافيين.

وبعث نتنياهو رسالة إلى أعضاء حكومته شدد فيها على أن الحادثة استثنائية ولن تؤثر على التعاون الأمني مع مصر، في محاولة لامتصاص غضبة يمينية جديدة قد تفجر حكومته المليئة بالتجاذبات، في وقت يصارع فيه على جبهات داخلية وخارجية.

وأجرى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مشاورات وتقييمات أمنية مع قادة الجيش بشأن الاشتباكات على الحدود مع مصر، حفاظا على ما استقرت عليه من هدوء.

وكشفت تقارير إسرائيلية السبت عن وجود اتصالات بين القاهرة وتل أبيب لعقد اجتماع أمني عاجل وتشكيل لجنة ثنائية لبحث ملابسات الحادث واحتواء تداعياته.

وعقدت مصر وإسرائيل، بمشاركة الولايات المتحدة والأردن والسلطة الفلسطينية، اجتماعين في كل من عمّان وشرم الشيخ مؤخرا، خصصا لتطوير التعاون الأمني ومنع انفجار الأوضاع عسكريا في غزة، وجرى التفاهم على مجموعة من الإجراءات، غير أنها لم تصمد أمام الاستفزازات التي يقوم بها مستوطنون مؤيَّدون من قوات الاحتلال.

ويضاعف الحادث الحدودي حرج مصر أمام رغبتها في ضبط الحدود مع قطاع غزة، والتي عادة ما تبادر بالتدخل لتبريد الخلافات بالتفاهم مع إسرائيل والحركات الفلسطينية.

ويقول مراقبون إنه سيتم احتواء تداعيات الحادث سريعا، والذي تكرر من قبل بأشكال مختلفة وجرى احتواؤه، آخرها في سبتمبر الماضي من جانب مهربين، على الرغم من الإجراءات الأمنية الصارمة التي اتخذها الجانبان على الحدود المشتركة.

وتمكنت قوات الأمن المصرية من التعامل مع الإرهابيين وتنظيمات مسلحة كانت قد استقرت لسنوات في منطقة سيناء وتم القضاء عليهم، ومنع ما سمي بولاية داعش – فرع سيناء من تثبيت أركان التنظيم وولايته المزعومة وجرى إجهاض مخططه.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن التعاون مع إسرائيل أسهم في تعديلات عملية في معاهدة السلام مع مصر، والتي كانت تمنع دخول قوات عسكرية ثقيلة إلى منطقتيْ ب وج القريبتين من الحدود مع إسرائيل، الأمر الذي زاد من قواعد التعاون والتفاهم بينهما.

وأعلن المتحدث العسكري المصري أن أجهزة الأمن تقوم باتخاذ إجراءات البحث والتفتيش والتأمين للمنطقة الحدودية، ومن ثمّ اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الحادث الجديد.

ووقع الحادث الأمني عند معبر العوجة (نيتسانا) الحدودي، الذي أنشئ عام 1982 بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، واستخدم كمعبر للمسافرين والمركبات، ثم تقرر وقف عبور المسافرين، وتحولت مهمته إلى نقل البضائع بين الجانبين.

وقال أحمد فؤاد، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن الهجوم على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع مصر برهن على أن الإنفاق السخي على التأمين التكنولوجي للأسوار الحدودية لم يوفر أمنا كاملا لإسرائيل، وتجاهلها لأنشطة المهربين قد يؤدي إلى اندساس عناصر إرهابية بما يفضي إلى عدم استقرار حدودها الممتدة على مئتي كيلومتر مع مصر.

وأضاف فؤاد لـ”العرب” أن “العملية التي حدثت السبت تبيّن أن جاهزية قوات حرس الحدود على الجانب الإسرائيلي ليست على المستوى المطلوب في أيام العطلات على الأقل، ولن تحقق الردع لأي عناصر تريد استهداف المستوطنين أو الضباط والجنود”.

ويرى أن الواقعة تفرض على الحكومة الإسرائيلية مراجعة سياساتها والكف عن ممارسة المزيد من الاستفزازات في الأراضي المحتلة، وعدم تبني إجراءات قد تكون لها ردود فعل شعبية غاضبة على الجانبين المصري والفلسطيني.