"إنسان بديل"..
الذكاء الاصطناعي يحقق حلم التواصل مع الأحبة بعد الموت

"أرشيفية"
بات البحث عن الإنسان البديل الذي يستطيع الذكاء الاصطناعي توفيره لتمكين الناس من التواصل مع أحبائهم بعد الموت، من أكثر الموضوعات إثارة للجدل والتساؤلات.
وفكرة إيجاد إنسان بديل تستند على طموح وسعي الإنسان لتخطي حدوده الأساسية والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده عصرنا الحالي، كما أنها تثير العديد من الأسئلة الأخلاقية والتقنية والقانونية، حيث من الممكن أن تثير هذه الفكرة أحاسيس مختلطة لدى الناس وتحتاج إلى دراسة وتوعية للتعامل معها بشكل صحيح.
ومع ذلك، فإن هذا الأمر قد يسمح للأشخاص المتوفين بترك رسائل ورثها للأجيال القادمة، ويساعد أسرهم وأصدقائهم على التغلب على الحزن والشوق بطريقة أفضل.
وقد تثير هذه الفكرة الإشكاليات التقنية، مثل صعوبة استيعاب البيانات الكبيرة وتخزينها وحماية خصوصيتها، بشكل عام فإن هذا الموضوع يمثل تحديا كبيرًا للعلماء والمختصين في هذا المجال، والذين بحاجة إلى إجراء الدراسات والأبحاث اللازمة لفهم جوانب هذه الفكرة والتغلب على التحديات القانونية والتقنية المختلفة التي قد تعترض هذه الفكرة.
"جسور بوست"، تعرض الفكرة كما تداولتها الصحف العالمية، وتناقش تبعاتها مع خبراء علم اجتماع، وآلية
عملها مع تقنين في الذكاء الاصطناعي.
هل سيساعد الذكاء الاصطناعي في تجنيبنا الموت بعد 10 سنوات؟
القصة وما فيها
في فيديو ترويجي تناقلته المواقع الإخبارية الدولية، تجلس ريو سون يون أمام ميكروفون وشاشة عملاقة، يظهر فيها زوجها الذي توفي قبل بضعة أشهر، ويقول لها: "عزيزتي.. هذا أنا"، لتنهمر دموعها وتبدأ ما يشبه الحوار معه.
وبعد علمه بإصابته بسرطان في المراحل النهائية، استعان هذا الكوري الجنوبي البالغ 76 عاما، واسمه لي بيونغ هوال، بشركة "ديب براين إيه آي" التي سجلت مقاطع مصورة له على مدى ساعات لإنجاز نسخة رقمية عنه يمكنها الرد على أسئلة.
ويوضح رئيس قسم التطوير في "ديب براين إيه آي"، جوزيف مورفي، تفاصيل بشأن البرنامج المسمى “ري ميموري”: "نحن لا ننشئ محتوى جديداً"، أي أن هذه التكنولوجيا لا تولّد عبارات لم يكن المتوفى لينطق بها أو يكتبها خلال حياته.
الذكاء الاصطناعي - كيف يؤثر على حياتنا؟
المبدأ نفسه تعتمده شركة "ستوري فايل" التي استعانت بالممثل ويليام شاتنر البالغ 92 عاماً، كوجه ترويجي على موقعها.
يقول ستيفن سميث، رئيس هذه الخدمة التي يستخدمها الآلاف بحسب الشركة، إن "نهجنا يقوم على الاحتفاظ بالسحر الخاص بهذا الشخص لأطول فترة ممكنة خلال حياته، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي".
وتناقلت الصحف الدولية ما تقدمت به شركات صينية متخصصة في تنظيم الجنازات إمكانية التفاعل افتراضياً مع الأشخاص المتوفين أثناء جنازتهم بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي.
وفي المواقع الإخبارية التي تناقلت الخبر، أقر المدير العام للشركة أرتور سيشوف بأن هذه الخدمة "ليست موجهة للجميع بالطبع"، وذلك في مقطع فيديو نُشر على يوتيوب، حول منتج الشركة المسمى "live forever" (العيش أبداً)، الذي أعلنت عن التوجه لإطلاقه نهاية العام.. ويضيف: "هل أريد أن ألتقي مع جدي بواسطة الذكاء الاصطناعي؟ سيكون ذلك متاحاً لمن يريد ذلك".
وكان السؤال الذي يُطرح هنا هو لأي مدى يمكن القبول بوجود افتراضي لشخص محبوب متوفٍ يمكنه، بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي، قول أشياء لم يقلها قبل وفاته.
يقرّ جوزيف مورفي بأنّ "التحديات فلسفية وليست فنية"، ويقول: "لا أعتقد أن المجتمع جاهز بعد. هناك خط لم نخطط لتجاوزه".
ويوضح مدير خدمة "ري ميموري" التي تضم بضع عشرات من المستخدمين أن هذه التقنية "موجهة لفئة محددة، وليست قطاعاً للنمو"، مضيفاً: "لا أتوقع أن يحقق ذلك نجاحاً كبيراً".
مشكلات اجتماعية كثيرة
من جانبه، قال أستاذ علم الاجتماع، طه أبو حسين، إن توفير الذكاء الاصطناعي للأشخاص المتوفين لتمكين الأقارب من الاتصال بالمتوفين صوتيًا أو بصريًا يمكن أن يثير بعض المخاطر والقضايا الأخلاقية، منها ما يتعلق بالخصوصية، فقد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي لعرض الشخص الذي توفى إلى انتهاك خصوصيتهم وحياتهم الشخصية، وقد يدفع الأشخاص إلى التفكير بأن المتوفين لا يزالون حقيقيين وعلى قيد الحياة، ما قد يؤدي إلى تغذية الخيالات الشخصية ويخلق وهمًا للوصول إلى تاريخ وعلاقات قديمة مع المتوفي.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": قد يصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التواصل مع المتوفى مدمرًا على المدى الطويل، حيث يشكل تقربًا عن طريق إعادة وجود الأشخاص الأثرياء الذين توفوا بالفعل، ما يمكن أن يتسبب في عدم قبول وفاة الأفراد وعدم التغلب عليها، وبشكل عام، يجب على الجمهور الدراسة والتفكير في الأثر الاجتماعي والأخلاقي لمثل هذه التقنيات البيولوجية المتقدمة قبل الشروع في استخدامها في الحياة اليومية.
آلية توفير البديل
وفقًا لخبراء تقنين في الذكاء الاصطناعي هاتفتهم "جسور بوست"، فإن تقنية الذكاء الاصطناعي قد تستخدم لإنشاء نماذج محاكاة للشخص المتوفى عن طريق جمع وتحليل البيانات والمعلومات التي يتركها الشخص خلفه خلال حياته.
وتفصيلًا شرح المهندس أحمد فؤاد آلية عمل الذكاء الاصطناعي بقوله: إن ما يتم هو استخدام هذه البيانات والمعلومات، ومنها يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء نموذج رقمي للشخص وإجراء محادثات قصيرة به.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": يجب الانتباه إلى أن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في هذا السياق يعتبر مثيرًا للجدل، ويوجد العديد من الأسئلة الأخلاقية والقانونية حول ما إذا كان لدى الأقارب الحق في الاتصال بشخص ميت بواسطة التكنولوجيا، وما إذا كان إنشاء نماذج محاكاة للشخص المتوفى يعتبر تدخلاً في خصوصيته أو حقوقه، لذلك، يتم تناول هذا الموضوع بشكل دائم في الأوساط الأكاديمية ومناقشته في المؤتمرات والندوات.
المهندس أحمد فؤاد
وفي تصريحات صحفية، اعتبرت الأستاذة في جامعة بايلور كاندي كان، والتي تجري حالياً بحثاً في هذا الموضوع في كوريا الجنوبية، أن "التفاعل مع نسخة بالذكاء الاصطناعي لشخص من أجل عيش مرحلة الحداد يمكن أن يساعد على المضي قدماً مع الحد الأدنى من الصدمات، لا سيما بمساعدة شخص محترف".
وأجرت أستاذة علم النفس الطبي في جامعة جونسون أند ويلز، ماري دياس، مقابلات مع العديد من مرضاها الذين يعيشون مرحلة حداد، حول الاتصال الافتراضي مع ذويهم المتوفين، وتوضح أن الإجابة الأكثر شيوعاً كانت :"أنا لا أثق في الذكاء الاصطناعي، أخشى أن يقول شيئاً لن أتقبله".