قانون العفو العام يشعل العراق..
محللون: "يجب ألا يشمل من تلطّخت أيديهم بدماء العراقيين"

"أرشيفية"
تصاعد الجدل في العراق حول قانون "العفو العام" بعد الحديث عن طرحه في جلسة مجلس الوزراء برئاسة محمد شياع السوداني، وفق لجنة برلمانية، فبين قوى تصرّ على إجراء تعديلات عليه وأخرى ترفض ذلك، ينذر الجدل بحدوث أزمة سياسية جديدة في البلد، وعدم إقرار القانون سينهي آخر مؤشرات الثقة بين الكتل والاحزاب.
ويعتبر قانون "العفو العام"، من أبرز شروط "الكتل السنيّة" في اتفاق تشكيل الحكومة والانضمام إلى ائتلاف "إدارة الدولة"، حيث أكد النائب المستقل رائد المالكي، في وقت سابق، أن هذا القانون "وضع من ضمن بنود الاتفاق السياسي بين قوى الإطار التنسيقي والقوى السنيّة".
وكان علّق الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، في وقت سابق وقال إنّ "محاولات إجراء تعديل على قانون العفو حتى يشمل عتاة الإرهابيين، هي استهتار بالأرواح البريئة التي أزهقت، وتعريض الأمن الداخلي للخطر، ودوافعها انتخابية ليس إلا".
لعبة شراء الوقت!
وفي هذا السياق، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، غانم العابد، أنّ قانون "العفو العام" هو "أحد النقاط التي تمّ الاتفاق عليها بين الإطار التنسيقي والذي يُشكّل قيس الخزعلي أحد أجزائه بالموافقة على شروط البيت السني من ضمنها: إقرار قانون العفو، حلّ هيئة المسألة والعدالة وسحب المليشيات والمكاتب الإقتصادية من المحافظات التي كان يسيطر عليها داعش، وعلى هذا الأساس وافق البيت السني على الدخول في حكومة يترأسها السوداني، ومن هنا تعدّ التصريحات التي خرجت من بعض أطراف الإطار التنسيقي مستغربة ومستهجنة."
وأوضح العابد لـ "جسور"، أنّ "الشارع السني لم يطالب البتة بإطلاق سراح الإرهابيين أو القتلة أو كل من تلطّخت أيديه بدماء العراقيين، إنما هنالك الآلاف من أبناء الشارع السني الذين انتُزعت منهم الإعترافات تحت التعذيب أو بوشاية المخبر السري، وهؤلاء تمّت محاكمتهم على هذا الأساس."
فهذا القانون، وفق العابد هو "أحد شروط مشاركة البيت السني في حكومة السوداني، وتحالف "إدارة الدولة" وافق على هذا الشرط، وعندما يظهر طرف في الإطار التنسيقي يَستغرب هذا القرار أعتقد أن الإطار في الأساس كان يسعى لشراء الوقت لهذا وافق على إقرار قانون العفو وعندما شكّل الحكومة وتمكّن، بدأ يتهرّب."
وتابع العابد: "أعتقد أنه إذا لم يقرّ قانون "العفو العام" فعلى أي سياسي سني ألا يعطي أية وعود للشارع السني مستقبلا، مع التملّص الحاصل لجهة عدم تنفيذ الإتفاقيات التي تمّ التوقيع عليها.
حالة انتقامية؟
من جهته، رأى الكاتب والباحث السياسي العراقي، علي البيدر، لـ "جسور" أنّ "القوانين التي كُتبت في فترات طارئة هي شبيهة بالدستور العراقي الذي كُتب أيضا في مرحلة طارئة ويحتاج بدوره إلى تعديل، والجميع يدرك ذلك تماماً، وربما تُمثّل هذه القوانين حالة انتقامية كما تراها بعض الأطراف أو بعض المكونات حُسِبت ضد جهة معينة، "فمثلا عندما نتحدث عن قانون محاربة الإرهاب، فالمكوّن السني وفق البيدر، يراه أنه شُرّع للانتقام منه أو سُخّر لاستهداف هذا المكوّن، ويجب أن تراعي أولا الأسس الديمقراطية التي تأسّس عليها النظام السياسي في البلاد، وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا.. ويجب أن تُشرّع قوانين تتلاءم والتجربة الديمقراطية وألا تُمثّل في جوهرها روحية انتقامية كما تراها بعض الفئات."
وبالعودة إلى قانون "العفو العام"، يقول البيدر إنه "لا بدّ من الحديث هنا عن مرحلة "الأخذ بالثأر" التي مرتّ بها البلاد خلال السنوات السابقة، والتي جعلت بعض الأطراف ترتكب حماقات تخرج عن مفهوم الدولة وهذا الأمر جعل كثيرين من الحمقى والمغفّلين والمأجورين يرتكبون أخطاء معينة، من هنا، يفترض وفق البيدر "دعم الاستقرار السياسي ومنحهم فرصة وجعلهم يشعرون بالجميلة التي تقدّمها الحكومة لهم كفرصة أخيرة وينتهي الأمر"، ويشدّد البيدر على أن قانون "العفو العام" يجب ألا يشمل من تلطّخت أيديهم بدماء العراقيين."
"أزمة جديدة"
وفيما يخصّ التسريبات التي أشارت خلال الأيام القليلة الماضية، إلى أن السوداني قد لا يشارك في الانتخابات بسبب اشتراطات من "الإطار"، متحدثة عن أن المجموعة الشيعية وافقت على تمرير الموازنة لـ3 سنوات شرط خروج السوداني من سباق التنافس حتى تضمن عدم استخدام الأموال في الدعاية الانتخابية، أوضح البيدر لـ"جسور"، أنه في حال مشاركة السوداني في الانتخابات فسوف ينشغل عن تنفيذ المنهاج الوزاري الذي يسير بخطوات ثابتة وإن كانت لا تزال محدودة التأثير، وفي حال مشاركته فسيُسَخّر جميع التخصيصات المالية والجهد الحكومي لصالح دعم مشروعه الإنتخابي."
وقال البيدر: "أتحفّظ على مشاركة السوداني في الانتخابات في هذه المرحلة كونها ستُربك المشهد السياسي، وقوى الإطار تريد تحجيم نشاط السوداني السياسي، وهما يقتربان من صناعة أزمة جديدة، فالسوداني يحاول أن يقدّم نفسه بأنه شخصية تستطيع أن تقود البلاد بعيدا من المزاج الذي تفكّر به قوى الإطار التنسيقي، التي تحاول فرض سياستها وأيديولوجيتها على السوداني أو تبعث برسائل إلى الجميع بأنها هي من تدير الأخير، فهذه النقطة ستؤدي إلى التباعد بين السوداني والإطار، عندها سيذهب الأخير إلى خيارات أكثر انفتاحا ووطنية."
"ورقة اتفاق سياسي"
في المقابل، ورغم تلك الانتقادات، طفت إلى السطح بعض الآراء المغايرة، فقد أكدت بعض القوى السنيّة المدافعة عن تعديل القانون، بأن هناك أحكاما بين 10 و15 سنة صدرت ضد عدد كبير من المراهقين أعمارهم كانت في وقت الحكم بين "13 و15 سنة" بتهمة الانتماء إلى داعش.
ورأت هذه القوى أن الوقت حان لإطلاق سراح هؤلاء المتهمين المراهقين عبر قانون العفو العام الجديد، خصوصا أن تقديرات الحكومة تتحدث عن وجود نحو 80 ألف معتقل في العراق.
فيما أوضح رئيس "مركز التفكير السياسي" الدكتور إحسان الشمري، أن هذا القانون كان ولا يزال جزءاً من ورقة الاتفاق السياسي باعتبارها تمثل مطلباً أساسياً للقوى السنية بغرض إرضاء جمهورهم وتصحيح بعض المسارات الخاطئة، أو التدقيق في الأحكام التي كانت قد صدرت سابقاً.
وأكد في اتصال مع "جسور" أن هذا المشروع الخاص بمشروع العفو تأخّر، سواء من قِبل الحكومة أو البرلمان، ومن ثم فإن الإرادة السياسية لبعض الزعامات لا تمضي مع التعديل أو تشريع قانون جديد، لأن من شأن ذلك أن يحقّق مكاسب لبعض الزعامات السياسية السنيّة، الأمر الذي يصبح أكثر قوة، يضاف إلى ذلك أن الإطار التنسيقي هو الآن في حرج كبير أمام جمهوره، كونه تعرَّض لانتقادات كبيرة من قِبل جمهوره حول عدد من القضايا.
وأشار إلى أن هناك محاولات لرفض هذا القانون بشكل قاطع، فضلاً عن أن تأجيله من قِبل مجلس الوزراء، عبر تشكيل اللجان، وهو ما يؤكد عمق الأزمة، حيث يلمس مجلس الوزراء ذلك، وهو ما يعني دخول البلاد في أزمة كبيرة.
ماذا يشمل التعديل؟
في حين أوضح الخبير القانوني، جمال الأسدي، أن تعديل قانون العفو يشمل تعديلاً لنص البند ثانياً من قانون العفو العام رقم 80 لسنة 2017. وأضاف لـ "جسور" أن التعديلات تتضمن إلغاء الاستثناء من قانون العفو الذي كان يشمل المحكومين الإرهابيين قبل 10/ 6/ 2014 بشكل كامل، وكذلك شمول الإرهابيين ما بعد 10/ 6/ 2014 الذين لم ينشأ عن جرائمهم قتل أو عاهة مستديمة، وبذلك سيطلق، وفقاً للتعديل المقترح على مجلس الوزراء، أكثر من 10 آلاف مجرم إرهابي محكوم.
ومن الأمثلة على الذين يطلَق سراحهم، إرهابي فشل بتفجير السيارة المفخخة أو العبوة، وإرهابي فجر أعمدة الكهرباء أو بنايات الدولة، وإرهابي جرى القبض عليه في ساحة المعركة أو في وكر إرهابي ولم يثبت أنه قتل أو تسبَّب بإعاقة، وهو ما يرفضه عدد من القوى السياسية، وفق الأسدي.