صحيفة: تتغير الأعياد مع الأزمات؟

"أرشيفية"

موسكو

ألقت الأزمة الإقتصادية الخانقة التي عصفت ولا تزال بالمجتمع اللبناني بثقلها على تقاليد العيد خلال السنوات الأربع الماضية، فأضحت معالم العيد مختلفة عن تقاليد السنوات السابقة في لبنان.
ورغم التأثيرات السلبية للأزمة الإقتصادية على معظم العائلات في لبنان وارتفاع الأسعار إلاّ أن الفرحة بالعيد ظلت حاضرة من خلال إحدى أبرز العادات والتقاليد في البلاد ولا سيما "عيدية الأطفال" وإن كانت بتقشف وكأنها بدأت بالإندثار
 
تبدل واضح بالعادات
 
لا شك أن مرور سنوات أربع على أكبر أزمة يعيشها لبنان كانت كفيلة بتغير المشهد الاقتصادي والإجتماعي اللبناني، وتحديداً مشهد الأعياد فمن وضع مستقر إلى وضع من المستحيل تحمله أو التعايش معه، وهو ما تجمع عليه الأغلبية العظمى من المواطنين، وما تظهره الحركة الاقتصادية.
ففي السنوات الماضية، كانت الحركة التي تسبق عيد الأضحى نشطة إلى حد كبير ، العائلات منشغلة بالتحضيرات لاستقبال العيد، بدءاً من التبضع ووصولاً إلى شراء الحلويات ومعمول العيد والهدايا.
أما اليوم، فالمشهد بات مختلفاً إذ أطل عيد الأضحى مع تبدل واضح في تقاليد الناس، وتحول الإهتمام الى شراء الضروريات في ظل هزال القدرة الشرائيةوبخاصة للموظفين.
يرصد هذا التحقيق تبدلات إحتفالات العيد في لبنان في ظل أصعب الأزمات الاقتصادية فكيف كان المشهد؟
 
ثياب العيد
 
بات شراء ثياب العيد لدى العديد من العائلات في لبنان معضلة حتى أولئك الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي كما وباتت الخيارات المتوافرة للأهل ضيقة نسبياً ، وهو ما جعل بعض التجار وتحديداً الذين يستوردون الثياب من تركيا على سبيل المثال يتحكمون بالأسعار.

تقول نسرين (أم لطفلين ) كانت تتجول في أحد الأسواق البيروتية "في السنوات الماضية، اعتدت شراء ثلاث قطع لكل ولد بمناسبة العيد، واليوم من الصعب جداً شراء قطعة واحدة، أشعر بغصة ".
يوضح صاحب المتجر التي كانت فيه نسرين لـ"جسور" الأحوال تغيرت وبات التقشف سيد الموقف تبدأ أسعار القطعة من بنطلون وقميص لطفل يبلغ ست سنوات، من مليوني ليرة وتصل لأكثر من 10 ملايين ".

يختصر تاجر مجاور في سوق بربور في العاصمة بيروت المشهد لـ"جسور" فيقول" على الرغم من محاولات اللبنانيين التأقلم مع أصعب أزمة مرت في التاريخ الحديث، الا أن ثقافة الفرح تحاول إيجاد مكان لها على الرغم من أن الإحتفالات بدأت تختفي تدريجياً حتى باتت المناسبات العامة تشكل مصدر قلق للعائلات."
يوضح التاجر نفسه:" لم تكن الحركة كما كانت، كثير من العائلات أبقت أولادها على ملابسها المستعملة ".
 
الحلويات صعبة المنال
 
في جولة لـ"جسور" في أسواق الحلويات في لبنان تبين ان " متوسط سعر حبة معمول التمر بلغ دولاراً تقريباً، في حين أن سعر حبة معمول الفستق أو الجوز تخطت دولاراً و20 سنتاً. أي أن سعر دزينة المعمول يبدأ من 12 دولاراً ويرتفع إلى 17 دولاراً، في حين أن سعر الكيلوغرام من المعمول ذات الحبة الصغيرة، يتراوح ما بين 10 دولارات (أي مليون ليرة) ويرتفع إلى 20 و25 دولاراً."
ويقول صاحب مصنع للحلويات في مدينة صيدا لـ"جسور" العديد من العائلات إستغنت عن شراء الحلويات، في حين حاولت عائلات أخرى استبدال فكرة شراء الحلويات بتحضيرها منزلياً."
وأضاف:"المشهد تبدل فقد عمدت العديد من ربات البيوت للمشاركة في تكاليف تحضير كعك العيد والمعمول وتقاسمن تكاليفه فيما بينهن.!!"
 
الترفيه لأصحاب الدولار
 
على الرغم من وجود أزمة سير خانقة في معظم الشوارع اللبنانية والتي بدأت تزامناً مع وصول السياح والمغتربين الى لبنان (اي قبل العيد بيومين )، تشهد دور السينما، ومدن الملاهي (القليلة في لبنان) زيارات قليلة للزوار خلال الأعياد

يقول أحد العاملين في سينما وسط بيروت لـ"جسور" كان من النادر إيجاد مقعد فارغ أو مكان من دون حجز مسبق، لكن ضعف القدرة الشرائية وفرض التسعيرة بالدولار الأميركي، حرمت العائلات من متعة الخروج خلال العيد بإستثناء القادمين من خارج البلاد إذ بات من الصعب جداً على العائلة أن تخرج لحضور فيلم سينمائي لأن ثمن التذكرة يتراوح مابين 300 و350 ألفاً، أي أن عائلة من أربعة أفراد، تحتاج ما لا يقل عن مليون و400 ألف ليرة".
 
تمسك بالعادات رغم ارتفاع الأسعار
 
ثمة عادات لم تبارح اللبنانيين بقيت من لوازم أعيادهم، ويحتفي اللبنانيون بأجواء العيد بعادات وتقاليد مشتركة في مختلف المناطق.. تصدح أصوات المآذن من الجوامع تهليلا وتكبيراً بحلول عيد الأضحى ولمدة 3 أيام متتالية

وبعد صلاة العيد يتبادلون الزيارات التي تقدم خلالها القهوة والمعمول للزائرين، وتبدأ احتفالات الأطفال بالعيد بارتداء الملابس الجديدة وانتظار "العيدية" لشراء الألعاب والحلوى، وفي أول أيام العيد تجتمع الأسرة معًا على الغداء وفي اليوم الثاني والثالث للعيد تصطحب الأسر أولادها للتنزه في أماكن الملاهي أو الذهاب للسينما والتجول بالأسواق.

وفي ظل الأزمة المعيشية، يضطر عدد كبير من اللبنانيين إلى تغيير عادات محددة في طريقة عيشهم، كما يختار بعضهم اللجوء إلى تقليص هذه العادات من أجل مجاراة الواقع الراهن خصوصا وأن الأسعار تواصل ارتفاعها تماشيا مع صعود الدولار مع فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 95 بالمئة من قيمتها.

ويقول أبو ماجد الخطيب، وهو في العقد السادس من العمر لـ"جسور" رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلا أن عاداتنا لن تتغير، مشيرا إلى حرص اللبنانيين على إحياء طقوس العيد مهما قست الظروف"
ومن جانبها قالت نسرين العلي من صيدا لـ"جسور"وهي في العقد الخامس من العمر" تنشغل النساء عشية العيد بتحضير حلوى العيد كالمعمول والكعك، لافتة إلى ارتفاع كلفة أسعار المواد الغذائية في هذا العام وهو ما دفع الأسر إلى تقليل كمية الحلوى تماشياً مع الظروف الصعبة."

وبدوره، قال الشيخ أبو تامر وهو إمام أحد المساجد في العاصمة اللبنانية بيروت لـ"جسور" الفقراء ينتظرون أيادي الخير والعطاء لتمتد لهم في هذه الأيام المباركة والمتمثلة في الأضاحي والزكاة والتي هي واجبة على كل مسلم خلال العيد".

وخلال جولة لـ"جسور" في الأسواق الشعبية ببيروت تبين أنه من الصعوبة تحديد تكلفة مستلزمات العيد خصوصاً أن ما من رقم مستقر في سعر صرف الدولار أمام انهيار الليرة اللبنانية الذي يشهد تقلبات مستمرة لمرات عدة في الأسبوع بالرغم من أن المسألة ترتبط عادة بالمستهلكين ونمط الاستهلاك خصوصا وأن هناك تفاوتاً بين أوضاع اللبنانيين المعيشية."
 
ماذا عن العيدية؟
 
تعرف العيدية على أنها أموال تقدم للأطفال وصغار السن نسبيًا من قبل ذويهم وأقاربهم، خلال تبادل زيارات العيد.
ورغم تأثر مثل هذه العادات المتأصلة المتوارثة بالأزمة الأخيرة، يبدو أن هذه الطقوس بقيت عصية على الإندثار في معظم المناطق اللبنانية، ولو أنها تراوحت بين الأكثر عددا والأقل قيمة من حيث أوراق النقد، كما اختلفت أعمار الأطفال الحاصلين عليها، إذ اقتصرت على ما دون عمر 12 سنة فقط.

وتقول أم جمال من البقاع لـ" جسور" إن "ميزة العيدية تكمن في شيوعها وسط مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية، الثرية والمتوسطة منها وحتى محدودة الدخل فمبلغ العيدية يختلف تبعا لذلك ولا عيد بلا عيدية هكذا تعودنا وإن تغيرت أحوالنا".

وتضيف قريبتها أم سامي "في العام 2019 بقيت العيدية ضمن مبلغ 5 آلاف ليرة لبنانية، تغيرت الأحوال فصارت العيدية قرابة 50 ألف ليرة لبنانية لدى الأطفال، كما وصلت إلى مبلغ 100 ألف ليرة أحيانا، بينما الراتب الشهري للأسرة اللبنانية لا يتعدى مليوني ليرة والأحفاد كثر والحمد لله".

يقول الإعلامي والباحث في التراث الشعبي زياد سامي عيتاني لـ"جسور" العيدية من العادات التي رسختها التقاليد والمظاهر الاحتفالية بالعيد منذ زمن الدولة الفاطمية". معنى العيدية ويشرح عيتاني معنى العيدية لـ"جسور" فيقول "هي كلمة عربية منسوبة إلى العيد وتعني العطاء أو العطف، ومشتقة من العود على قول الإمام ابن الأنباري إنه يسمى عيدا نسبة للعود في الفرح والمرح، وجمع على أعياد بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشب، وقيل إن أصله عود بكسر العين وسكون الواو، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها مثل ميعاد ليصبح عيدا مباركا يزورنا سنويا محملا بعيديات في صورة هدايا متطورة من عصر إلى آخر".

يتابع: "العيدية لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة أو الأوقاف من نقود في عيدي الفطروالأضحى، كتوسعة على أرباب الوظائف"· ويتساءل عيتاني" أين غابت تحضيرات العيد؟ حتى الماضي القريب كانت للعيد بهجة وتحضيرات واستقبال ومراسم، في لبنان اليوم فرحتنا كاذبة، وضحكتنا صفراء حزينة وباهتة وكأن بهجة العيد لم تعد موجودة. أصبح جل اهتمامنا اللهاث خلف لقمة العيش. قتلوا البهجة والسرور فينا". ويرى انه "لم يبق من العيد سوى العيدية الرمزية، فالأزمة سرقت من اللبنانيين فرحة الأعياد ومعظم الأهل باتوا غير قادرين على رسم البسمة على محيا أولادهم ومنهم من لن ينالوا ملابس جديدة".
 
بين الماضي والحاضر
 
ويعلق الباحث عيتاني، فيروي لـ"جسور"كنا نشعر بقدوم العيد قبل بضعة أيام من حلوله، بكل ما سيحمله لنا من فرح وسرور، وجمع شمل القريب والبعيد، ولمة العائلة وفرحة الثياب جديدة، ونقود من جمع العيديات لصرفها على لهونا الذي لا يخلو من بعض الشقاوة البريئة."

يتابع: "كان من علامات اقتراب العيد، الزحمة الاستثنائية التي تملأ كل مكان، وأفران الحلويات التي تفوح منها رائحة كعك العيد المصنوع في المنازل".
ثم يستطرد "كانت المنازل تشهد حالة استنفار حتى تتحول إلى ما يشبه خلية نحل تعج بالحيوية والنشاط وكان العمل يتوزع على نسوة المنزل بكل مودة وطيب خاطر وبعد الانتهاء من التنظيف تأتي مرحلة صناعة المعمول المنزلي أو الكعك فلا طعم للعيد من دون معمول أو كعك العيد، الذي يعد من أهم المظاهر الاحتفالية، كان يتم تحضيره قديما في البيوت على أنغام أغنية أم كلثوم : يا ليلة العيد آنستينا .

ويختم عيتاني "رغم أهمية تلك الطقوس التي استمرت على مدار سنوات طوال في لبنان وغيرها فإنها أصبحت من الأشياء الصعبة التي لا ينالها الجميع في لبنان، بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني، والأزمة الاقتصادية التي فتكت بالمواطنين."