العراق أمام تسونامي مالي خطير وتداعياته تهدد الأجيال المقبلة

"أرشيفية"
بعد مرور بضعة أيام على تمرير ميزانية العراق الجديدة، ما زالت موجة واسعة من الانتقادات والتحذيرات من التداعيات والآثار السلبية للميزانية على اقتصاد البلاد تتوالى من قبل السياسيين وخبراء الاقتصاد والمنظمات الاجتماعية.
وأقر البرلمان ميزانية السنوات 2023 و2024 و2025 التي توصف بأنها موازنة ثلاثية تاريخية على مستويات الانفاق والايرادات والعجز المالي، بعد معركة ماراتونية لفترة زادت عن الستة أشهر من النقاش والصراع والمساومات من قبل أحزاب السلطة في الحكومة والبرلمان حول توزيع موارد الدولة بما يخدم مصالح الأحزاب أكثر مما يخدم مصالح المجتمع واحتياجاته.
لكن ورغم إقرارها وبيع البنك المركزي لما يزيد على 200 مليون دولار يوميًا، فإن أسئلة عدة تُطرح عن سبب استمرار ارتفاع سعر الصرف.
برنامج اقتصادي أم صراع على الثروات؟
وبخلاف كل ميزانيات العالم خرجت نقاشات مواد الميزانية في العراق عن كونها مشروعا اقتصاديا لصرف الأموال والواردات على مصاريف الحكومة والوزارات والمحافظات، لتصبح معركة يحاول فيها كل حزب متنفذ الاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من الأموال المخصصة للمشاريع أو الإنفاق الحكومي ضمن الوزارات التي تم تقاسمها بين أحزاب السلطة وفق مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية والقومية.
وفي هذا الإطار، رأى الخبير الاقتصادي العراقي، مازن الاشيقر، أنّ قانون الموازنة مرّ عبر البرلمان العراقي بسلاسة وسرعان ما حظي بمصادقة رئاسة الجمهورية بالرغم من جميع السلبيات الخطيرة التي يحتويها القانون، مؤكدا أنّ السبب الرئيسي هو إنعدام المعارضة البرلمانية للأداء الحكومي بعد انسحاب التيار الصدري منه قبل حوالي سنة.
وفي اتصال مع "جسور"، أوضح الاشيقر أنّ الموازنة لم تأتِ بمشروع تنموي مدروس جديد، بل هي رسّخت ما كان سبباً في تلكؤ جميع الوزارات السابقة من تضخم غير مبرّر لعدد الموظفين الحكوميين والذي سيصل الى حوالي 5.5 مليون موظف، أي حوالي 14% من نفوس العراق في حين المعدل العالمي يتراوح بين 1% و3%، لافتا إلى أنّ الموازنة لم تحل جائحة الفساد الإداري في عدد الموظفين الفضائيين أو فساد العقود الكبرى، بل رسّختها بزيادة المصاريف حتى وصل العجز إلى رقم قياسي في تاريخ العراق 192 ترليون دينار (140$ مليار دولار) للثلاثة سنوات المقبلة والتي ستتحوّل إلى عبئ الديون وفوائدها المتراكمة على الأجيال المقبلة.
وبينّ الخبير الاقتصادي أنّ الموازنة لم تحل كارثة غسيل الأموال وتهريبها عبر مزاد العملة والذي وصل الى أرقام قياسية تصل الى 250$ مليون دولار يومياً، مع العلم أنّ السوداني صرّح عندما كان نائباً بأن العراق لا يحتاج لتحويل أكثر من 30$ مليون دولار يومياً، فأين هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية وديوان الرقابة المالية من هذا الفرق الشاسع؟ يتساءل الاشيقر، مضيفاً أنّ الموازنة لم تعطِ حلولاً عملية لغرض استقطاب الإستثمار الأجنبي، بل تحارب المستثمرين وذلك ببقاء المصانع الحكومية بإدارة وزارة الصناعة من دون تشغيلها وتمويل الحكومة للمشاريع الاستثمارية من دون إجراء دراسة الجدوى الاقتصادية لكل مشروع من أجل التأكّد من نجاح المشروع اقتصادياً قبل الشروع به، وهذا ينطبق على مشروع ميناء الفاو ومشروع خطوط سكك الحديد ومترو بغداد وبناء المطارات وحتى مشروع سيارات الأجرة الحكومية.
موازنة عرجاء
وللأسف، قانون الموازنة الإتحادية خيّب آمال الكثيرين من الاقتصاديين، لأنه تحوّل وفق الاشقير إلى برنامج سياسي يهدف الى زيادة اتكال الشعب على واردات النفط بالتعيينات غير المجدية وتضخيم عدد منتسبي القوات الأمنية غير المبرّر أيضا وزيادة رواتب ومخصصات المسؤولين غير المبررة من دون معالجة التحديات الرئيسية التي يواجهها العراق كالبطالة والأميّة وارتفاع نسبة الفقر وانتشار المخدرات وتجارة الأعضاء البشرية وتجارة بالبشر وزيادة غير متكافئة في العمالة الأجنبية غير الماهرة التي تغزو مجالات العمل العراقي.
ويشرح الأشقير لـ "جسور" أنّ كل هذه السلبيات في الموازنة العامة إنعكست على سعر صرف الدينار العراقي في السوق وهو يمثّل السعر الحقيقي للعملة العراقية فوصل إلى حوالي 1,470 دينار للدولار الأميركي الواحد، ولكن من دون أي مبرّر اقتصادي مفهوم، قرّرت الحكومة تحديد السعر الرسمي الوهمي بحوالي 1,310 دينار للدولار، والذي يمثل 12% ربح صافي الى كل مصرف أهلي بإمكانه شراء الدولار من البنك المركزي. لذا مجموع ما تخسره الحكومة في اليوم الذي يتم تحويل 250$ مليون دينار هو 30$ مليون دولار خسارة يومية من أموال الشعب العراقي، ومن دون مبرر اقتصادي يذكر أيضاً.
أشد الانتقادات
ولعل خير وصف للميزانية الجديدة، جاء من القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، الذي وصف على حسابه في تويتر، الموازنة العامة للأعوام 2023و2024 و2025 بأنها "كارثية على اقتصاد البلد" محذراً من تداعياتها في التضخم واهتزاز سوق العملة وفشل إدارة الأموال، مضيفا أنها "غير واقعية للكتل السياسية المستفيدة من الفساد".
فيما أكد النائب كاظم الفياض، في بيان، أن "الموازنة مبهمة وفيها الكثير من القوانين والصلاحيات غير المدروسة وبعض فقراتها تشمل ديونا خارجية وإرضاء مكونات على حساب غيرها من الشعب واستثمارات وتعاقدات تصب في جيوب الفاسدين الكبار". ودعا الفياض الشعب إلى "المساندة بكل قوة للمطالبة بحقوقكم التي ستبتلعها حيتان الفساد وأحزاب الفشل والدمار والتي لو مضت الموازنة بشكلها الحالي فإن أكبر الخاسرين هو الشعب ومؤسساته المدنية والعسكرية".
أما أشد الانتقادات لمواد الميزانية فقد ركّز المراقبون والسياسيون على الفضيحة الكبرى في المادة 16 المتعلقة بإطفاء الديون والقروض، عندما أخذت شخصيات وأحزاب متنفذة، قروضا ضخمة من الدولة ثم قامت الآن بإطفائها بقرار برلماني تسبب بخسارة هائلة للمال العام، قدرها بعض الخبراء بحوالي 200 مليار دولار، مؤكدين أن منح تلك القروض للقوى السياسية والشخصيات المتنفذة لم يكن يستند إلى القوانين، وأغلبها بحجة إقامة مشاريع وهمية في الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها، وبالتالي فقد اعتبروها فضيحة القرن في الفساد ودليلا على تواطؤ القوى السياسية لاقتسام ثروات البلد.