صحف..

ما بين الجيوبوليتيك والجيواستراتيجيا: ما هو المنتظَر في العراق؟

"أرشيفية"

القاهرة

تتعدّد المكوّنات الحضاريّة في  العراق. لكن تعرّض هذه المكوّنات للإضطهاد المستمرّ قد يجعل هذا البلد بعد  سنين ليست بعيدة بلدًا واضح المكوّنات الحضاريّة التي إن أخذنا المعطى القومي فهي توزّعت بين قوميّتين: العربيّة والكرديّة.

أمّا إذا أخذنا المعطى الحضاري الهويّاتي للمكوّنات فيمكن الحديث عن هويّات حضاريّة على أسس دينيّة وإثنيّة مختلفة تبدأ مع المسيحيين ولا تنتهي  مع المسلمين. وممّا لا شكّ فيه أنّ الدّستور الذي تمّ وضعه مع الحاكم الأميركي بريمر في  العام 2003 إنّما وضع ليضبط إيقاع العيش بسلام  بين مختلف هذه المكوّنات الحضاريّة. لكن هل توصّل هذا الدّستور إلى غايته؟ أم بات العراق اليوم عكس ما تمّ التخطيط له ليكون؟ وما هو تأثير التداعيات الجيوبوليتيكيّة في دولة العراق الفدراليّة، والجيواستراتيجيّة في الجوار الخليجي والتركي والرّوسي؟

تخوّف المكوّنات الحضاريّة معطوف على تخوّف كرديّ

في محاولة للإجابة عن هذه الإشكاليّات الحضاريّة يحاور موقع جسور  عربيّة الباحث والمؤلّف والصحفي الأشوري أوشانا نيسان ، الذي يعتبر أنّ " الحكومة العراقية لم تمنح حقوق المكونات المختلفة في البلاد. " فبالنسبة إليه "بقيت الحقوق الدستورية حبراً على ورق بسبب عدم دخولها حيز التطبيق."

ولعلّ تخوّف أوشانا هذا يعود إلى عدم التفات الحكومات العراقيّة طوال العقود المنصرمة إلى هذه المكونات الحضاريّة باختلاف مسمياتها، ولا سيّما الشعب الكلدوآشوري، ناهيك عن التركمان والأرمن. فضلاً عن عدم تطبيق مواد الدستور العراقي لعام 2005. إضافة إلى إشكاليّة المادّة 140 التي تنصّ على حلّ لمشكلة كركوك وما يسمى المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والمحافظات المجاورة له نينوى وديالى وصلاح الدين.

أما ما يتعلق بالاقليم في شمال العراق، فيعتقد أوشانا أنّ " المسالة تختلف كثيرًا وتتعلق بالوضع السياسي المعقّد في البيت الكردي ومطالبه التي تتراوح بين الفيدرالية حينًا أو الدولة الكردستانيّة حينًا آخر". لذلك، برأيه الشخصي، "تحاول القيادات الكردية التشبّث بالوجود الأميركي، إن لم نقل بالقوات الامريكية في إقليم كردستان، وتحديدًا في منطقة حرير التابعة لإربيل." ويعلّل أوشانا ذلك باعتبار أنّ بقاء هذه القوّات هو ضمانة للاستقرار في إقليم كوردستان- العراق. ويرى أوشانا "أنّ الخلل الأساسي يكمن في البيت الكردي الذي يرفض الوحدة والتوحيد بين أكثر من ٣٠ مليون كردي. " ويستغرب أوشانا كيف أنّ ذاكرة الشعب الكردي هي ذاكرة مثقوبة لا يبقى فيها شيء!

سياسة الحزب  الديمقراطي الأميركي في  الشرق الأوسط والعراق

يرى أوشانا في  حديثه لجسور أنّ " السياسة في الشرق الأوسط تسير وفق قاعدتين اثنتين:

السياسة الوطنيّة التي تتمّ إدارتها بوساطة المؤسّسات الحكوميّة التيتعتبر غير موجودة أساسًا فهي مجرّد شكل، ويعاني منها المواطن الشرقي .
السياسة غير المرئيّة التي يخطّط لها من وراء الكواليس حيث يتمّ وضع خارطة طريق لكل سلطة من سلطات النظم السياسية في بلدان الشرق الاوسط."
ويؤكّد أوشانا أنّ " سلطة السوداني في العراق لا تشذّ عن القاعدة الثانية، حيث خُطِّطَ لها في البيت الابيض الأمريكي، وتحديدًا في مختبرات الحزب الديمقراطي الأمريكي بالاتفاق مع إيران."  وتأكيدًا على نظريّته هذه يلحظ أوشانا في  حديثه لجسور  عربيّة " تغيّر نبرة أميركا السياسيّة تجاه النظام في إيران، إضافةً إلى توجّهها نحو القارّة السوداء من البوّابة المصريّة. هذا كلّه إضافةً إلى ضماناتٍ أميركيّة حصلت عليها الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران من قبل السلطة في  الولايات المتحدة الأميركيّة."

في خلاصة موضوعيّة لآراء أوشانا يتبدّى لنا أنّ مقاربة المكوّنات الحضاريّة لسياسة الحزب الديمقراطي الأميركي في  العراق هي مقاربة سلبيّة كون هذه الإدارة لم تستطع أن تؤمّن لهذه المكوّنات، على تنوّعها، أيّ ضمانات دوليّة. ولعلّ هذا الهاجس هو معطوف على الخوف من صراع مضمرٍ بين القوميّتين العربيّة والكرديّة. فيجب عدم إغفال أنّ الاتّحاد الفدرالي العراقي لا زال  حتّى الساعة غير مستقرٍّ، وآخر تداعيات اهتزازاته برزت في الأزمة النفطيّة الأخيرة بين حكومة الإقليم والمركز. ولعلّ هذا ما يبرّر مخاوف هذه المكوّنات الدائمة من أن تذوب وسط هذا الصراع، وتصبح بالتّالي كرة نار تشتعل من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وسرعان ما تنطفئ في التجاذبات الدّوليّة والمصالح الجيواستراتيجيّة للدول الكبرى.