"جماعة القربان"..
كآبة عقائدية غذتها إيران ولم تتفش بعد في لبنان

"أرشيفية"
من المبكر الحديث عن تمدد "جماعة القربان" إلى لبنان، وإن كان خبر انتحار الشاب علي فرحات، ومحاولة زوجته اللحاق به، وما رافقه من معلومات حول انتسابه للجماعة التي تختار بالقرعة أحد أفرادها لينتحر قرباناً للإمام علي قد صدم لبنانيين. فحتى الآن لا معلومات حاسمة حول انتساب الزوجين لجماعة القربان وفق ما علمت "جسور"، إنما مجرد فرضيات يستمر التحقيق فيها ولم يجر بعد تأكيدها. لكن الإعلام وجد في الانتحار بدافع عقائدي مادة مثيرة في وقت طبّع فيه المجتمع اللبناني مع حالات الانتحار الناتجة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
خلال البحث عن معلومات حول "جماعة القربان" نجد العديد من الأخبار المتناقلة غير المسندة. أخبار يذكرنا بعضها بما رافق ظاهرة "عبدة الشياطين" من شائعات ومبالغات. فحتى الآن ما تزال الجماعة تعمل بسرية، ولم يظهر أحد من أفرادها ليحكي عن قيمها وأفكارها. وما تزال القضية مبهمة بالنسبة لكثير من الصحفيين والباحثين المتابعين لقضايا الجماعات الشيعية المتشددة.
بدأ تداول اسم الجماعة بشكل واسع بعدما أعلنت وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية العراقية، القبض على 4 شبان ينتمون لجماعة تسمى "جماعة القربان" في محافظة ذي قار، جنوب العراق، في 21 أيار مايو الماضي. وهي منطقة يسيطر عليها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. ومن يعرف واقع المنطقة يدرك حجم الغلو في الشعائر الدينية المنتشر فيها. البعض هناك يقدّس الصدر نفسه ويفديه بروحه، ما يجعل من ظهور جماعة تؤله الإمام علي مسألة غير مستغربة. لكن الصادم كان أنّ هذه الجماعة تقدم أفراداً منها قرباناً للإمام علي بطريقة الانتحار، بدل القتال، بعد اختيارهم عبر قرعة تجريها في المناسبات.
تشير معلومات أخرى، غير مؤكدة، إلى أن زعيم الجماعة مقيم في إيران، وأنها انطلقت من هناك. أما كيف انتقلت إلى العراق، فوفق المعلومات ذاتها، خلال توجه شبان عراقيون لزيارة مرقد الإمام علي الرضا في مدينة مشهد الإيرانية سيراً على الأقدام، قضى هؤلاء أسابيع احتكوا خلالها بأفراد هذه الجماعة وأخذوا منهم تعاليمها.
يتابع الصحفي والمختص في الشأن الشيعي وسام الأمين هذه القضية، ويؤكد في حديثه لـ"جسور" وجود هذه الجماعة في العراق حيث ما يزال عددها محدوداً، خصوصا وأنه جرت مطاردتها بسرعة بعد أن نظمت مسيرة قبل حوالي ثلاثة أشهر. ويضيف "اعتقل بين 20 و30 شخصاً من أفرادها. معظم المنتسبين إليها هم شبان في العقد الثاني من العمر مسيطر عليهم من قبل أشخاص في العقد الثالث أو الرابع. وانشقت الجماعة عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر". وفق الأمين، اتخذ الانشقاق عن الصدر منحيين، الأول منحى المغالاة السياسية المتمثلة بالإيمان بولاية الفقيه، بينما اتخذ الثاني منحى المغالاة شعائرياً، الموجودة أصلاً لدى جماعة الصدر، لكنها بلغت لدى جماعة القربان درجة أعلى وصلت حد الانتحار. "قتل النفس ممارسة جديدة لم تكن موجودة لدى الشيعة وهي التي استنفرت الجميع: جماعة الولي الفقيه والشيرازيين وعامة الناس..."
يتحدث الأمين عن مبالغة إعلامية في التعاطي مع الخبر في لبنان "فهذه الأفكار مرفوضة ولن يكون لها مستقبل في لبنان، ندرسها فقط كظاهرة. وبالتأكيد أفرادها قلّة وسريّون عند التجنيد لإدراكهم بأنهم مطاردين، وبالتالي لا يمكن لأحد معرفة عددهم". هذا بينما يتم تناقل معلومات لم يجر التأكد منها بعد عن تواصل الجماعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع شبان بهدف تعبئتهم.
وبدا لافتاً أن مخفر المريجة في الضاحية الجنوبية لبيروت هو الذي يتابع القضية ويحقق فيها. فالمخفر الخاضع لسلطة حزب الله معروف بتعاطيه بخفة مع قضايا تمس سلامة المواطنين وحتى مع جرائم القتل، وسعيه دوماً للفلفة العديد من القضايا. ما يطرح السؤال حول الاهتمام هذه المرة بمحاولة سيدة الانتحار في منطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد اقدام زوجها على الانتحار في حارة حريك، وعدم الاكتفاء بأجوبتها وإغلاق التحقيق. فمن أين هبت فجأة جدية المخفرّ؟ّ! يعتبر الأمين أنّ المصلحة دعت حزب الله لمتابعة القضية، ويرى في مواجهتها هدف مشترك بين الحزب والمعتدلين الشيعة: "يريد المعتدلون انهاءها لأسباب إنسانية، أما الحزب فلأنها تطاله وتعبّئ الشباب باتجاه آخر، بالتالي من الطبيعي أن يفعّل الأجهزة لإنجاح التحقيقات".
جماعة القربان كردة فعل على النفاق الديني
عن العوامل التي ساهمت في ظهور هذه الجماعة يقول الأمين إنها نتيجة الفشل على الساحة الاسلامية الشيعية. فهناك طبقة مستفيدة في العراق ولبنان تستغل المذهب سياسياً ومالياً واجتماعياً لتتوسع على حساب الوطن والطائفة ما يدفع بظهور عقائد كهذه رفضاً لهذا الواقع. "الاصطدام بالنفاق السياسي الموجود لدى الجماعات الإسلامية يسبب إحباطاً يدفع بشبان لاعتناق عقائد المتطرفة. فهم ينظرون إلى الدين يمارس في سبيل أغراض سياسية أو في سبيل اعلاء شأن مرجعيات دينية ويرون الفروقات الطبقية ما يؤدي لبروز هذه الظواهر النافرة، وهي لدى البعض شكل من أشكال الكآبة العقائدية. هذا الإحباط ينتج غلواً أكثر وتعلق أكبر. وفي العقائد الصلبة العبادات صارمة والموت يضمن الولاء، فالجماعة التي تضحي ببعض أفرادها يزداد فيها ولاء بقية الأفراد"، يقول الأمين.
بدوره يرى الصحافي علي الأمين في اتصال مع "جسور" أن هذه الظواهر نتيجة التجييش والنزاعات المذهبية الانفصالية الانعزالية وتحويل الدول إلى جماعات مغلقة، مع ترابط بالدوائر الشيعية فيما بينها". ويتابع: "تظهر هذه الجماعات في ظل بروز العصبية والأنظمة القمعية وكنتيجة لتضخيم الحالة المذهبية وصعود الصراع المذهبي وتعززها حالة من الانغلاق. وكذلك النزعات المتطرفة التي تظهر خلال محاكاة عاشوراء". ويرى أن أطرافاً سياسية تعزز هذا المنحى في سياق سياسي لكنها تفقد القدرة على التحكم فيه. فالقوة السياسية تشجع أحياناً ظواهر طائفية مذهبية لكن لا تلبث هذه الظواهر أن تخرج عن السياق الذي رسم لها. "فمثلا عندما تقاتل هذه الجماعات داعش أو السنة لا يقف حزب الله ضدها لكنه ينهيها عندما تشكل عبئاً عليه وهو ما حصل مع حزب الأمير أو الشيرازيين الذين تم طردهم من الضاحية. فهذه ظواهر تقلق إيران خشية تأثيرها على دورها وسلطتها"، وفق علي الأمين.
من جهته يعتبر عالم الدين الشيخ محمد علي الحاج العاملي أن ما يجري الحديث عنه في لبنان هو حالة فردية. ويرى أن هذه المجموعات تنشأ في ظل الانحطاط الفكري والديني ونتيجة طغيان الإسلام السياسي الشيعي الموجود حالياً في لبنان أو العراق وإيران حيث يستثمر الدين بشكل قبيح، ونتيجة غياب الخطاب الديني العقلاني. ويشير إلى أن المؤسسين لهذه الجماعات قد يكون لديهم خلفيات مختلفة، فإما يسعون للاستفادة أو الابتزاز أو قد يكون تصرفهم نتيجة الشعور بالتهميش ومحاولة للبحث عن دور خارج المعادلات القائمة. لكنه يلفت إلى أن الشيعة في لبنان أكثر انفتاحاً منهم في بقية البلدان ما يمنع نشوء فرق دينية كالتي تنتشر في العراق وإيران حيث يدعي أشخاص بأنهم المهدي المنتظر.
على أي حال، مهما كان حجم "جماعة القربان"، والمدى الذي سيأخذه لاحقاً، يبقى الأكيد أنها نتاج للواقع الشيعي المسيطر عليه من قبل إيران وحلفائها. والتي تسعى لحث الشباب الشيعي على الانتحار لكن بمسميات أخرى لتقديم أنفسهم قرابين للولي الفقيه وتستثمر موتهم في مشروعها السياسي. واقع يضع رجال الدين الشيعة أمام مسؤولياتهم ويدعوهم للتفكر ومراجعة خطباتهم المغالية.