أزمة الكهرباء في العراق.. فسادٌ و فشلٌ فني وسياسي!

"أرشيفية"

بغداد

عادت أزمة الكهرباء الى الظهور من جديد بمجرد أن كشّر شهر تموز عن سِنان لهيبه القائض على الأجواء العراقية، غير أن هذا العام هو الأشد.
لا يختلف اثنان في العراق، على أن الفساد هو الجاني الأول في موضوع الفشل في إدارة الملف الكهربائي، منذ انبثاق أول وزارة عراقية بعد عام 2003 ولغاية اليوم فوزارة الكهرباء، كانت كباقي الوزارات، ضحية المحاصصة الحزبية والطائفية وما يخلف ذلك من فساد وتمويل للأحزاب من هذه الوزارات عبر وزرائها الذين هم بدورهم مجرد وكلاء لهذه الأحزاب والكيانات لجمع المغانم المالية لصالحهم وإن كان ذلك على حساب الوزارة وأدائها وبالتالي فشلها بسبب فساد وفشل من يقودها على الرغم من إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على هذا المرفق الحيوي الذي يعاني منه العراقيون!
 
أزمة الكهرباء مع إيران وأميركا
 
مثلما لا يختلف اثنان على أن أزمة الكهرباء هي نتاج الفساد المستشري غير المسيطر عليه، لا يختلف اثنان كذلك على أن للسياسة دوراً في عدم تحسن الطاقة الكهربائية رغم إهدار أكثر من 80 مليار دولار خلال عشرين عاما الماضية على هذا القطاع من دون أي تقدم ملموس على أرض الواقع، وبرغم بناء الكثير من المحطات الكهربائية، لكن المفارقة أن غالبيتها تعمل على الغاز، ومن الطبيعي أن العراق من المفترض أنه منتج للغاز ويملك احتياطيات كبيرة جدا منه، غير أن العراق طيلة السنوات الماضية، كان يحرق ما يسمى بالغاز المصاحب من دون فائدة له في تشغيل هذه المحطات التي تعمل بالغاز، وبالتالي خسارة بملايين الدولارات يومياً، تعادل الكميات المستوردة من الغاز الإيراني و رُبما أكثر، كما يقول وزير النفط الاسبق عصام الچلبي .
 
كانت النتيجة طبعاً بعد هذه الخسارة المادية و البيئية بحرق الغاز المصاحب، توجه العراق لاستيراد الغاز من دول الجوار لتشغيل محطاته وكانت ايران المصدر الرئيسي أو الوحيد للغاز لتشغيل هذه المحطات الغازية طيلة السنوات الأخيرة، وبرغم فارق السعر بين الغاز الإيراني والخليجي كان لصالح إيران، لكن صاحب القرار العراقي أصّر على استيراد الغاز من إيران رغم هذا الفارق السعري.
فارق السعر ليس حديث شارع قط، بل بشهادة وزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي في تصريحٍ صحافي قال فيه، إن المملكة العربية السعودية عرضت عليه بيع الغاز السعودي للعراق بـ 2 سنت بدلاً عن 8 سنت وهو السعر الذي تبيعه الجمهورية الاسلامية الايرانية من الغاز للعراق!


كذلك، يُثار سابقاً حديث داخلي عراقي قبل توقيع مذكرات تفاهم مع شركة سيمنز الالمانية عن أن الولايات المتحدة الاميركية كانت تضع ڤيتو على تعاقد العراق مع شركات كهرباء رصينة مثل سيمنز الألمانية و تُرغم الجانب العراقي على التعاقد مع جنرال الكتريك الاميركية، وهذا الحديث مُدعم بتصريح صحافي في مقابلة خاصة أجرتها قناة DW الالمانية مع الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز، جو كيزر، حيث قال: "إن الرئيس الأميركي السابق ترامب، لعب دوراً في عرقلة اتفاق الشركة الألمانية مع الحكومة العراقية والدفع في اتجاه منح الصفقة بالكامل لشركة جنرال إلكتريك الأميركية".
 
إدارة الملف سياسياً
 
مع قُرب انتهاء بناء أغلب المحطات الغازية لإنتاج الكهرباء في العراق في السنوات الاخيرة، والتي تعتمد على الغاز الإيراني، كانت العقوبات الاميركية المفروضة على إيران قد دخلت حيز التنفيذ بعد انسحاب الولايات المتحدة الاميركية من الاتفاق النووي في عهد الرئيس الأميركي السابق ترمب.


تعاملت الحكومة العراقية السابقة برئاسة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، مع هذا الملف بطريقة التفاهم والموازنة بين الطرفين، فمن المؤكد أن الكاظمي كان ولا زال على علاقةٍ طيبة مع طرفي النزاع ( الاميركي- الايراني ) بل كان الكاظمي وسيطاً بين الطرفين في قضايا أخرى، كما كان وسيطاً ناجحًا في تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية والتي تكللت بالمصالحة رسمياً بين الدولتين في الصين قبل أشهر قليلة. كان الكاظمي قد أخلى مسؤولية حكومته من ديون الغاز الإيراني والبالغة نحو 1.6 مليار دولار، وقال في تصريح سابق إبان وجوده في السلطة : "لا توجد أي ديون في شأن الغاز الإيراني على الحكومة الحالية". جاء ذلك عبر سياسة الحكومة العراقية السابقة التي كانت من الواضح أنها ناجحة جداً في ملف التفاوض مع إيران واميركا على السواء من أجل حلحلة مشكلة توريد الغاز الايراني، و تسديد الديون الايرانية على العراق .
 
بينما يتساءل مراقبون اليوم، لماذا لا تعتمد الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني ذات النهج التفاوضي للحكومة السابقة لحل هذه المعضلة ؟ و يتساءل ويشكك مراقبون أيضاً، لماذا كلما حدث فشل في ملف الطاقة أو أي ملفٍ آخر، يُعلقّ قميص المؤامرة على شماعة الاتهامات ؟
 
كما الحال اليوم باتهام الإطار التنسيقي للولايات المتحدة الأميركية بعرقلة وصول أموال الغاز لإيران بسبب العقوبات، ويردد البعض بأنها محاولة اميركية لتأليب الشارع العراقي على حكومة السوداني وبالتالي إسقاطها!


لماذا لا تملك حكومة السوداني، ذات الأدوات الناجحة بإدارة هكذا ملف كما كان يملكها سلفه الكاظمي ؟
لماذا لا تستطيع الحكومة الحالية، مفاوضة ايران وأميركا على السواء من أجل عودة إطلاقات الغاز كما كان يحدث في الثلاث سنوات الاخيرة عندما كانت إيران توقف إطلاقات الغاز بسبب عدم تسديد الديون المستحقة لها على العراق، وكانت الحكومة السابقة تنجح بإعادة إطلاق الغاز الايراني بعد التفاوض مع إيران واميركا على السواء ؟!
 
أسئلةٌ عدة تحتاج لإجابة، غير أن في تغريدة "عزيز الربيعي رئيس مؤسسة بغداد للدفاع عن ضحايا الرأي" ربما إجابة عن هذه التساؤلات والتي قال فيها : "لو صحت رواية وقوف أميركا وراء مشكلة الكهرباء في العراق، فهذا يعني أن السوداني لم يكن موفقاً في إدارة ملفه الخارجي" ويضيف الربيعي في ذات تغريدته بخصوص تدخلات السفيرة الاميركية في هذا الملف وباقي الملفات الاخرى، قائلاً:" السكوت عن الدور المبالغ به الذي تمارسه السفيرة الاميركية لدى بغداد أضعف العراق أمام نفسه، قبل أن يضعفه أمام الآخرين".
 
بالتزامن مع هذا يزداد الحنق الشعبي على تردي ملف الطاقة الكهربائية، حيث خرجت مظاهرات في بعض المدن منددة بهذا الفشل الذي ازداد مع التخلف في تسديد ديون إيران بسبب العقوبات الاميركية، ومع هذا كان هناك كوميديا سوداء في النقد الشعبي، كما جاء في صورة لشاب كربلائي يُدعى مصطفى زيني، كتب معها ساخراً على حفلات اكساء الشوارع و اعتبارها منجزاً حكومياً قائلاً :"اكساء الشوارع لا تُشغّل المروحة الكهربائية" !!