الأزمة السودانية

ظهور البرهان بملابس عسكرية وسلاح رسالة تؤشّر على أن الجيش في موقف ضعف

المعارك لا تحسمها صور أو فيديوهات استعراضية تتستر على الحقائق الميدانية

الخرطوم

حاول قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان الإيحاء بتماسك موقفه الميداني من خلال ظهور لافت عبر فيديو بملابس عسكرية وهو مدجج بالسلاح وقابض على قنبلة يدوية بدائية، لكنه فوجئ بأن ردود فعل سودانيين على العديد من مواقع التواصل الاجتماعي جاءت سلبية وسخرت من اللقطات التي جرى بثها، حيث بدا المشهد هزيلا، ودليلا على ضعف موقفه الميداني وليس قوته العسكرية.

وبدأت معنويات الجيش تتراجع عقب تداول تقارير حول أسر قائده، وهروب الكثير من عناصره والتحاق بعضها بقوات الدعم السريع، وذلك بعد سقوط عدد من الطائرات المقاتلة بمضادات أرضية، وإخفاق الجيش في تحقيق انتصارات تنهي الحرب في بضعة أيام كما وعد البرهان بعد ساعات من اندلاعها.

وقال متابعون إن الصور “الكوميدية – المسرحية” التي ظهر فيها الجنرال البرهان مدججا بالسلاح أثناء اجتماعه مع قيادات عسكرية في الخرطوم تعكس قوة مفتعلة وتماسكا هشا، لأن المحاربين يظهرون وسط جيوشهم وليس في غرف مغلقة، وبدا كأنه خرج من التحصينات لتسجيل اللقطة الاستعراضية المرتبكة ثم العودة إلى الاختباء مرة أخرى.

وأشار هؤلاء المتابعون إلى حساسية الموقف في الجبهات التي يقاتل ضمنها الجيش السوداني، وتشتت جهود وحداته بين العاصمة بمدنها الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) وإقليم دارفور وأخيرا جنوب كردفان، ولذلك أراد البرهان شدّ عضد المقاتلين وتوصيل رسالة إلى المواطنين يفيد مضمونها بأن الجيش لا يزال قادرا على القتال.

ونشر الجيش السوداني فيديو للجنرال البرهان مساء الاثنين وهو يحمل سلاحا رشاشا ومسدسا وقنبلة يدوية أثناء انضمامه إلى اجتماع عسكري داخل مركز القيادة والسيطرة وسط الخرطوم، بحضور عدد من كبار قادة الجيش.

وكان آخر ظهور للبرهان في الثامن والعشرين من يونيو الماضي خلال خطاب متلفز بمناسبة عيد الأضحى، وسبقه ظهور آخر قبل نهاية مايو الماضي متفقدا القوات المرابطة في بعض المواقع بالخرطوم.

ويريد البرهان في كل مرة يظهر فيها بالزي العسكري التأكيد على أنه يقود المعارك بنفسه وأنه لن يهرب من الميدان، وأن تجاوبه مع المبادرات أو الوساطات الإقليمية والدولية لا يعني ضعف موقفه أو استسلامه لمطالب خصمه قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بعد أحاديث شاعت قبل أيام وأفادت بتقدم قواته في أماكن متفرقة داخل الخرطوم.

وقال المحلل السياسي السوداني سليمان سري إن “البرهان، وهو يرمي إلى الظهور أمام الرأي العام والإيحاء بجرأته في مواجهة خصمه في المعركة، أرسل إشارات ضعف وليس قوة دون أن يدري، لأنه كان مدججاً بأسلحة بين مؤيديه في حين أن ذلك مسؤولية العناصر التي تتولى حراسته، ما يعزز معلومات قالت إنه ليس في مأمن على حياته ويواجه خطرا كبيرا، ولا يثق تماما في من حوله من قيادات عسكرية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “قائد الجيش أراد التأكيد على أنه يمارس عمله بشكل طبيعي، لكن الصور الميدانية بدأت تظهر أن الخطر يحْدق به مع كل تقدم تحرزه قوات الدعم السريع واقتسام السيطرة على مقر القيادة العامة بينهما”.

وأشار سليمان سري إلى أن خروج البرهان من التحصينات الآن غير مبرر، وعقد اجتماع للقيادة العامة ليس في محله، فالنزوع إلى تحدي خصمه طغى على مواقف الجيش ولم تتم دراسة الأبعاد السلبية للظهور الذي قد يساعد على الوصول إليه والتعرف على الغرفة التي تواجد فيها والأشخاص المحيطين به.

وأيدت الكاتبة السودانية شمائل النور في تصريح لـ”العرب” رأي سليمان سري قائلة “إن ظهور قائد الجيش جاء محاولة لدحض ما تم تداوله بشأن إلقاء القبض عليه بواسطة قوات الدعم السريع، والسعي لرفع معنويات جنوده”.

وربطت شمائل النور بين تصاعد الحديث عن حصار البرهان وبين حرص إعلام الجيش على بث فيديو يؤكد أن قائده في قلب العملية العسكرية وقواته متماسكة.

وفسرت أسباب ظهور البرهان في موقف ضعف بأن تصرفات من هذا النوع تأتي غالبا كرد فعل وليست فعلا مستقلا. وتعتبر أن ظهوره في مساحة محدودة داخل الجزء الذي يسيطر عليه الجيش بمقر القيادة العامة يعزز الرأي القائل بأنه محاصر.

وتزامن نشر فيديو البرهان مع تسجيل صوتي لتصريح قائد قوات الدعم السريع، قال فيه “لن تغرينا أي انتصارات مهما عظمت بألا نتقدم وبشجاعة لقبول خيار الحل السياسي الشامل”.

ودرج الجنرال حميدتي على بث كلمات مسجلة من حين إلى آخر عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لإرسال إشارات معينة أو توضيح موقفه من قضايا محددة، وفي هذا الجانب بدا أكثر نشاطا من البرهان، وهو ما يوحي بامتلاك الأول هامشا من حرية الحركة أوسع مقارنة بالثاني، الأمر الذي يعكس ثقة سياسية وتفوقا عسكريا أكبر.

ويقول محللون إن المعارك لا تحسمها صور أو فيديوهات استعراضية تتستر على الحقائق الميدانية، ما يجعل رسالتها تنحرف عما هدفت إليه وتصل إلى من يهمهم الأمر كرسالة لها تداعيات سلبية على معنويات قوات الجيش.