الكويت أمام رهان القطع مع سياستها الاستثمارية البالية

تُجمع الأوساط الاقتصادية الكويتية على أن الحكومة تواجه تحديات كبيرة في سعيها لتسريع وتيرة جذب الاستثمار الأجنبي من بوابة القطع مع السياسات القائمة التي ظلت عائقا أمام تطوير بيئة الأعمال، خاصة وأن الوضع يقتضي التعامل مع القطاع تعاملا مرنا.

تطويع الأعمال ليس هينا

الكويت

تحاول الكويت الدخول في مرحلة أكثر انفتاحا على الاستثمارات الخارجية أسوة بما يفعله جيرانها في المنطقة أملا في تحسين مناخ الأعمال وترقيته بعدما ظل طيلة سنوات عالقا في مأزق الإصلاحات الاقتصادية التي تأخرت كثيرا بفعل التجاذبات السياسية.

وتخطط الحكومة لزيادة فعالية استقطاب البلاد للاستثمارات الأجنبية، وقد اتخذت خطوة أخرى لدعمها حتى نهاية هذا العقد بينما يعاني البلد من ضعف في حجم تدفق رؤوس الأموال مقارنة ببلدان الخليج الأخرى.

وفي منطقة تمضي قدما في كل شيء بدءا من استضافة الأحداث الرياضية العالمية وبناء مدن جديدة بالكامل في الصحراء إلى إرسال مهمة إلى القمر والتركيز على التكنولوجيا بشكل مكثف، تبرز الكويت كمثال على التقاعس في اللحاق بركب جيرانها الخليجيين.

ولكن علامات التحول عن السياسات البالية ارتسمت هذا الأسبوع عندما أعلنت السلطات أنها تسعى لإجراء تعديل تشريعي يسمح للشركات الأجنبية بفتح فروع لها بالبلاد وممارسة أنشطتها مباشرة دون وكيل محلي، بما فيها المنافسة على المناقصات الحكومية.

ويبدو أن البلد الخليجي العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) يتطلع إلى كسر حالة التقاعس في اتباع نهج الإمارات والسعودية وقطر وسلطنة عمان والبحرين والتي شرعت منذ سنوات في وضع خطط إصلاحية لتقليص الاعتماد على إيرادات الطاقة.

وأقرت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة (البرلمان) الأحد الماضي مشروع قانون يُلغي شرط الوكيل المحلي لعمل الشركات الأجنبية في البلاد. ويحتاج المشروع إلى موافقة مجلس الأمة.

وقال عبدالوهاب العيسى مقرر اللجنة تعليقا على هذه الخطوة إنها “انتصار لمبادئ الاقتصاد الحر والحرية التجارية”. وأوضح في تصريح صحفي أن التعديل التشريعي يهدف إلى فتح باب المنافسة بين الشركات سعيا لجودة الخدمات المقدمة وخفض الأسعار.

وطبقا لقانون التجارة المعمول به حاليا، فإنه لا يجوز لشركة أجنبية إنشاء فرع لها في السوق الكويتية، ولا أن تباشر أعمالا تجارية إلا عن طريق وكيل محلي.

وتعمل الكويت جاهدة منذ عقد من الزمن لجذب الاستثمار الأجنبي وتحديدا منذ إنشاء هيئة تشجيع الاستثمار المباشر التي تأسست في 2013 لتقوم بمهام تشجيع وجذب رؤوس الأموال ذات القيمة المضافة، والترويج للبلد كموطن للاستثمار الواعد.

ومن مهام الهيئة التي أُنشئت كجزء من رؤية 2035 العمل على تحسين بيئة الأعمال وتعزيز تنافسية البلد في الاقتصاد العالمي بما من شأنه أن يدعم هدف تنويع مصادر الدخل ودعم ريادة القطاع الخاص في نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وتتيح الهيئة على منصتها الإلكترونية العديد من الفرص الاستثمارية في البنية التحتية والرعاية الصحية والمشاريع السكنية وقطاع الطاقة والخدمات المصرفية والتأمين وخدمات التخزين واللوجستيات والتكنولوجيا والسياحة وغيرها.

ولا توجد إحصائيات رسمية حول التدفقات التي دخلت السوق الكويتية خلال النصف الأول من العام الحالي، لكن خبراء يرجحون أنها قد تسير ببطء كما هو الحال في السنوات الماضية.

وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) مطلع يوليو الجاري فقد جذبت الكويت 758 مليون دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2022 بنمو بلغ 34 في المئة، مقارنة مع 567 مليون دولار قبل عام.

ولطالما كانت الكويت تحت رحمة السياسات المختلة، ففي العام الماضي، وعد ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بتغيير الأمور على غرار نظيره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ومع ذلك، يقول كويتيون إنهم ما زالوا ينتظرون، وهم يلقون باللوم على السياسيين الذين يخدمون مصالحهم الخاصة والقيادة المتصلبة في الشعور بالضيق في الداخل وفقدان النفوذ في الخارج.

ولا تتعلق المشكلة بنقص المال، فالبلد يملك واحدا من أكبر صناديق الثروة في العالم بأصول تبلغ 700 مليار دولار، وهي واحدة من أقل البلدان مديونية، ونظامها المصرفي قوي تاريخيا ولديه الكثير من السيولة.

ويعطي القانون الكويتي لشروط الاستثمار الأجنبي في السوق المحلية للمستثمر الأجنبي إمكانية اختيار نوع الشركة التي يريد العمل عليها، وهي تتمحور حول ثلاثة أشكال.

ويتعلق الشكل الأول بإنشاء شركة كويتية مؤسسة وفقا لشروط الاستثمار الأجنبي التي تم ذكرها في القانون بهدف الاستثمار المباشر.

وفي هذه الحالة يعطي القانون حق المستثمر في أن تكون مساهمته كلية من رأس مال الشركة المساهمة أو الشركة ذات المسؤولية المحددة أو شركة الشخص الواحد.

أما الشكل الثاني فيتعلق بتأسيس فرع لشركة أجنبية تكون لها أحقية العمل داخل السوق المحلية بهدف الاستثمار وفقًا لشروط الاستثمار الأجنبي في الكويت.

ويتمثل الشكل الثالث في إنشاء مكتب تمثيل للشركات بحيث يكون هدفه تحليل السوق وإمكانية الإنتاج دون ممارسة نشاط تجاري أو نشاط الوكلاء التجاريين.

وتخضع أفرع الشركات الأجنبية المرخصة لرقابة هيئة تشجيع الاستثمار المباشر التي تتمتع وفق التشريعات الحالية بحق الاطلاع في أي وقت على الدفاتر والسجلات الخاصة بتلك الأفرع.

وخلال السنوات القليلة الماضية، تصاعدت الانتقادات لمبدأ “الوكيل المحلي” لاسيما بين نواب المعارضة الذين يعتبرون أن هذا الشرط أدى إلى تردي الخدمات وتحقيق بعض الوكلاء المحليين أرباحا غير مستحقة.

وقال العيسى إن “التعديل الجديد لا يعني إلغاء الوكالات القائمة، ولكنه سيمنح الشركات الأجنبية الحق في العمل بشكل مباشر في الكويت أو مواصلة العمل مع وكلائها المحليين”.

واعتبر اقتصاديون وخبراء في المجال المصرفي والصناعي والاستثماري أن القرار خطوة لدعم التنمية الاقتصادية في البلاد، كما أنه يمهد الطريق لدخول الخبرات إلى السوق المحلية، وبالتالي توفر فرص عمل أوسع للكويتيين في القطاع الخاص.

لكنهم شددوا في الوقت ذاته على أهمية تعديل قانون الضرائب الحالي، الذي اعتبروه من العقبات الرئيسية أمام المستثمرين الأجانب لضخ رؤوس أموالهم في السوق الكويتية.

كما طالبوا بإزالة المعوقات الإدارية وتعقيداتها بسرعة، داعين إلى ضرورة اكتمال البنية التشريعية لكي يصبح القانون متكاملا ويبعث الطمأنينة لدى المستثمرين الأجانب. وكشفت وثيقة الثلاثاء أن الكويت تستهدف إصدار إطار عمل عام لضريبة الشركات في السنة الثانية من برنامج العمل الحكومي.

وكانت السلطات قد قررت الشهر الماضي إنشاء هيئة ستعمل على معالجة الاختلالات المزمنة في بناء الاقتصاد عبر تعديل بوصلة خطط التنمية والاستثمار وإعطاء المزيد من المرونة لنشاط القطاع الخاص. وستعمل الوحدة الاقتصادية الاستشارية على مراجعة وتطوير التشريعات والسياسات الاقتصادية والمالية والتنموية وتصويبها نحو تحقيق “رؤية 2035”.