خبراء: السجن وعقوبات مالية في انتظار مخالفي تشريعات الذكاء الاصطناعي

"أرشيفية"

موسكو

تعمل عدة دول حول العالم على تحقيق التطور التكنولوجي السريع، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة. 

وفي ظل الازدياد المتسارع لاستخدام هذه التقنية، فإن الأمم المتحدة أصدرت نداءً عاجلا لتشريع القوانين والضوابط التي تحمي الأفراد والدول والشركات من المخاطر المحتملة التي قد تنشأ عن استخدام الذكاء الاصطناعي.

واعترفت الأمم المتحدة بأن الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي من قبل الأفراد بما يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان، وكذلك الشركات والحكومات، يمكن أن يسبب آثارًا سلبية جسيمة على المجتمعات والاقتصاد لذا، فإن وضع تشريعات تقنن استخدام الذكاء الاصطناعي أصبح أمرًا ضروريًا للحفاظ على الأمان وحماية المصالح العامة.

ويقوم العديد من الدول حاليًا بدراسة وتطبيق تشريعات تقنن استخدام الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، قام الاتحاد الأوروبي بوضع تشريع الحماية العامة للبيانات (GDPR) لضمان حماية البيانات الشخصية والخصوصية. 

وهناك أيضًا دول أخرى مثل الصين والولايات المتحدة تعمل على وضع قواعد واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، يواجه وضع تشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي العديد من التحديات، تشمل هذه التحديات استيفاء القانون لتطورات التكنولوجيا السريعة وتحديد الخطوط الحمراء الأخلاقية والتشريعية وضمان تطبيقها بشكل فعال على جميع المستخدمين.

"جسور بوست"، تناقش مطالب الأمم المتحدة بضرورة تقنين أوضاع الذكاء الاصطناعي لتفادي آثاره السلبية، وهل ستكون هناك عقوبة بالسجن أم مجرد عقوبات مالية، وإذا ما كانت الدول ستتبنى إقرار تلك العقوبات من عدمه.

ما هذه الضوابط؟

يلعب تشريع الذكاء الاصطناعي دورًا حيويًا في حماية الأفراد والدول والشركات من مخاطر هذه التكنولوجيا المتقدمة. 

ومع ذلك، فإن وضع الضوابط وتنفيذها يتطلب جهودًا متواصلة وتعاونًا دوليًا لتحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على السلامة والأمان العام.

الضوابط كما يراها محللون وخبراء، تشمل العديد من الجوانب التي يجب مراعاتها عند استخدام الذكاء الاصطناعي بما في ذلك الخصوصية وحماية البيانات، ويتطلب استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي جمعًا وتحليلًا كبيرًا للبيانات الشخصية.

فيجب وضع قوانين تكفل حماية خصوصية الأفراد والتعامل الآمن مع البيانات الشخصية لضمان عدم انتهاك الخصوصية ومنع الاستغلال غير المشروع لتلك البيانات.

أيضًا الشفافية والمساءلة، حيث يجب أن تكون الجهات المستخدمة للذكاء الاصطناعي مسؤولة عن أفعالها وتصرفاتها، وينبغي أن يتم التعامل مع الذكاء الاصطناعي بشكل شفاف ويتم توفير الشروط القانونية للمساءلة عن أي أضرار تنشأ عن استخدامه.

كذلك الإشراف والرقابة، فينبغي أن توضع ضوابط قوية للإشراف والرقابة على استخدام الذكاء الاصطناعي، لضمان أن تلك التقنية لا تستخدم بطرق يمكن أن تؤدي إلى التضارب مع الأعراف القانونية أو تسبب ضررًا للأفراد والمجتمعات.

قضية عالمية مشتركة

وعلق الخبير الدولي بالذكاء الاصطناعي، خضر غليون بقوله: “أدركت أهمية الجهود التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتقنين الذكاء الاصطناعي، فهي تمثل الأساس لتحقيق توازن بين الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي وحماية حقوق الأفراد والمجتمعات، من خلال وضع تشريعات وقوانين صارمة وفعالة، يمكن للدول والشركات التأكيد على الالتزام بمبادئ الشفافية والأخلاق والمساءلة في استخدام التكنولوجيا”، مشيرًا إلى ضرورة الاعتراف بالآثار المتنوعة للذكاء الاصطناعي، سواء الإيجابية أو السلبية، ويمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الابتكار والإنتاجية وتحسين جودة الحياة. 

وأضاف خضر في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، يُمكن استخدامه في مجالات مثل الطب والزراعة والنقل وتحليل البيانات لتحقيق مزيد من التقدم والتحسين، ومع ذلك، فإنه يجب علينا أيضًا النظر في الجوانب السلبية المحتملة، مثل خطر انتهاك الخصوصية وتعزيز التفاوت الاجتماعي والتوظيف التحيزي والتهديدات الأمنية. 

وعن العقوبات استطرد، بالتأكيد، ستتطلب العقوبات المنتظرة تفاصيل دقيقة وتحديدًا واضحًا للسلوكيات المخالفة والجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ينبغي أن تتضمن العقوبات غرامات مالية رادعة للشركات والأفراد الذين يخالفون القوانين ويسيئون استخدام الذكاء الاصطناعي، وعلاوة على ذلك، يجب أن تتضمن العقوبات أيضًا إجراءات قانونية صارمة لمعاقبة الانتهاكات الخطيرة للخصوصية واستغلال البيانات الشخصية. 

وعن التبني العالمي للتشريعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي أضاف، من المهم أن ندرك أن الدول والشركات قد تواجه تحديات مختلفة في تبنيها من الجانب الإيجابي، يمكن أن تصبح تشريعات الذكاء الاصطناعي قضية عالمية مشتركة تتطلب التعاون والتنسيق بين الدول ومع ذلك، يجب أن نراعي التباين في الثقافات والتشريعات والمصالح الاقتصادية للدول المختلفة، ما قد يؤدي إلى تبني نهج متنوع ومتعدد السرعات في التشريع. 

وأتم، على الرغم من أن القوانين المتعلقة بالذكاء الاصطناعي تلعب دورًا هامًا في حماية الأفراد والدول، فإنها وحدها قد لا تكون كافية.. قد تظهر ثغرات في القوانين يستغلها البعض لأغراض ضارة أو غير قانونية لذلك، يجب أن نتبنى نهجًا شاملاً يتضمن التوعية والتثقيف حول الذكاء الاصطناعي، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في استخدامه، وتشجيع الابتكار المسؤول وضمان شفافية البيانات والأنظمة.

ضرورة لحماية حقوق الإنسان

من جهته، قال خبير الذكاء الاصطناعي، بلال البخاري، إن ما تعكسه مثل هذه القرارات هو الاعتراف بالتحديات والمخاطر المحتملة المرتبطة بهذه التكنولوجيا.. بالإضافة إلى ذلك، فإن القرار الذي تم اعتماده تكمن أهميته في الاعتراف رسميًا بأهمية ضمان حماية حقوق الإنسان واحترامها فيما يتعلق بتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، وكذلك هو اعتراف ضمني بالتحديات الأخلاقية والقانونية التي سنواجهها مستقبلاً في مجتمعاتنا، فلا مجال اليوم للحديث عن أن "الذكاء الاصطناعي" هو مجرد نظريات بلا عمل، بل الآن قد بدء العد التنازلي ليكون الذكاء الاصطناعي جزءًا حقيقيًا ومتناميًا من حياتنا اليومية ومجالاتنا المختلفة.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، من الصعب تحديد بدقة إلى أي مدى يمكن لهذه القوانين والقرارات أن تقيد الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فالتطورات التكنولوجية السريعة الحاصلة اليوم تحتاج إلى مواكبة قانونية تقنية بشكل دوري، والسعي في بناء إطار تنظيمي شامل يجمع بين الردع القانوني والفهم التقني والذي من خلاله سنفهم مدى تأثير المنظومة القانونية الرقمية على الواقع.

تفصيلًا رغم ذلك، لا شك أن القوانين والقرارات ستلعب دورًا هامًا في تحديد الإطار الأخلاقي والقانوني لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، والتي بالضرورة ستُسهم في إرساء مبادئ وقواعد واضحة لحماية البيانات الشخصية والخصوصية، والحد مِن استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق تنتهك حقوق الإنسان.

وعن العقوبات تساءل، هل من الممكن أن تصل عقوبات استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل خاطئ إلى السجن؟   

أرى أن العقوبات الجنائية تُحدد بناءً على التشريعات الوطنية والأنظمة القانونية في كل بلد، ويتم تطبيقها بناءً على مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، كذلك تتوقف العقوبات الجنائية بناءً على جدية الجريمة، ومدى تأثير استخدام الذكاء الاصطناعي المضر في مختلف جوانبها. 

لذلك، لا أستبعد عقوبة السجن، فإن عقوبة "السجن" لا ترتبط بالجرائم شديدة الخطورة المتعارف عليها كالسرقة وتعاطي المخدرات فقط، بل أيضًا إذا قمنا بمراجعة قوانين الدول العربية فيما يخص "التشهير الإلكتروني" نجد أنها تعاقب بالحبس بمدد مختلفة، وتعمل عقوبة "الحبس" كآلية تأديبية وإصلاحية لتعزيز الوعي بأهمية احترام خصوصية الأفراد وسمعتهم وتشجيع السلوك الرقمي الأخلاقي. 

بالنسبة للإعدام، حتى الآن فإنه من المستبعد عمومًا أن يكون للذكاء الاصطناعي استخدام ضار يستوجب حكم الإعدام على المستوى الفردي، إلا في حالات استخدامه لأغراض إجرامية شديدة تؤدي مثلاً إلى خسائر حياة بشرية جسيمة مثل استخدام الطائرات المقاتلة بدون طيار، والتي قد نراها في المستقبل القريب.

واختتم، أتوقع أن تكون الحكومات الأوروبية والغربية في المقدمة في تبني قوانين صارمة تحد من استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مضر وعلى المدى الطويل، لا شك أن الدول العربية ستقوم أيضًا باتباع هذا الاتجاه في حماية حقوق المواطنين والتأكد من أن الذكاء الاصطناعي يعمل بشكل مسؤول وفقًا للقوانين والأعراف الأخلاقية.

إلا أن واجب الوقت بالنسبة للقانونيين، هو أنهم مطالبون بفهم التقنيات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على النظم القانونية الحالية ومدى ضررها على المجتمعات، كذلك يجب أن يكونوا على دراية كاملة بالتحديات والفرص التي يمكن أن يتسبب فيها الذكاء الاصطناعي، وضمان وجود إطار قانوني يواكب هذا التقدم التكنولوجي ويحمي حقوق الأفراد والمجتمع.