برلسكوني وبوتين فقدا "لذة الظفر"

"أرشيفية"
سيلفيو برلسكوني، فتى إيطالي يافع، بدأ عمله في مقتبل عمره على متن باخرة سياحية كمغنّ مغمور بالرغم من تخرجه من جامعة الحقوق في ميلانو. وعلى شواطئ بحر البلطيق في سان بطرسبرغ حيث ولد، انضم بوتين إلى مخابرات الكا جي بي .
بعد عقود، وبعد أن أُعجب بوتين بسيرة حياة الإيطالي، وأبدى رغبته بعيش حياة مماثلة مليئة بالترف واللهو وتملك الفيلات واليخوت وإقامة الحفلات الصاخبة، قال برلسكوني إن بوتين من ضمن 5 أصدقاء عالميين له. فجمعت الرجلين صداقة قوية تبادلا خلالها الفودكا والنبيذ الفاخر والرسائل الودية والهدايا على أنواعها.
عرف برلسكوني بهوسه بزراعة الشعر وبالجراحات التجميلية ليبدو أصغر سنا، وهو الذي تعرف على زوجته الثانية خلال عرض مسرحي قدمته "نصف عارية". أما بوتين (ومع اختلاف العادات بين البلدين) إلا أنه بدوره ظهر مرات عديدة وهو عاري الصدر يمتطي جوادا أو يمارس رياضة الجيدو أو يصطاد السمك، ليطلّق زوجته ويرتبط بشابة بعد أن حذا حذو برلسكوني المتزوج من فيرونيكا لاريو التي تصغره بخمسين عاما.
تدرج بوتين في رتب المخابرات السوفياتية،لتسنح له صفات الرئيس يلتسين السيئة الوصول إلى الكرملين وقيادة الاتحاد الروسي. ورغم علاقته برياضية الجمباز العشرينية وميله للحياة المتفلتة الشبيهة بحياة صديقه برلسكوني، إلا أن العادات الروسية فرضت عليه "قناعا" مختلفا، بوجه متجهم و"بطش القيصر" لتخافه الدول المجاورة، ويهابه الداخل كما الخارج.
اشتهر برلسكوني بشعبويته وبزلات لسانه البارزة لدرجة اعتباره أن "موسوليني كان قائدا لطيفا"، فيما اعتبر بوتين أن "ستالين كان قائدا فذا رفع شأن الاتحاد السوفياتي" ليضيف أن "من لا يتحسر على غياب الاتحاد السوفياتي يكون بلا قلب".
غزى فلاديمير بوتين أوكرانيا بينما ألقى صديقه الإيطالي "باللوم على كييف في الغزو الروسي"، في حين كانت الحكومة الائتلافية في روما تدعم وتقف وراء أوكرانيا بقوة.
أكثر ما أغضب أبناء إيطاليا كان مشاركة برلسكوني في كل جانب من جوانب الحياة هناك سيما إمبراطوريته الإعلامية التي أغضبت منتقديه ومعارضيه والتي منحته ميزة غير عادلة خلال الانتحابات. وما يزعج المعارضة الروسية، سيطرة نظام بوتين على وسائل الإعلام الروسي الخاص والرسمي، وزج الصحفيين والإعلاميين بالسجون لمدد تتجاوز 25 سنة تطبيقا لقانون "عدم انتقاد الجيش".
كان برلسكوني أول إيطالي يتولى رئاسة مجلس الوزراء من دون أن يكون قد شغل أي مناصب حكومية او إدارية سابقة. وعلى غراره هبط بوتين بالمظلة من عالم المخابرات فتولى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة دون أي خبرة سابقة، لتجمع الشعبوية والشخصية المتهورة المثيرة للجدل، الرجلين معا.
نمت شركات برلسكوني التي تحولت إلى إمبراطورية عقارية وإعلامية فاحشة الثراء بسبب توليه منصب رئيس الوزراء 4 مرات وبسبب السياسات التي روجت لها حكوماته بالرغم من وجود تضارب واسع في المصالح. بالموازاة، ازدهرت الأوليغارشية الروسية ـ شريكة وحليفة بوتين ـ بعد توليه لعقود رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من دون انقطاع، وتخلي حكوماته عن سياسة التأميم وإعادة المنشاءآت العامة إلى القطاع الخاص. فجنى رجال المافيا مليارات الروبلات من مناجم الفحم والفوسفات والأمونيوم والحديد، ومن النفط والغاز، ومصانع الأسلحة، واحتكار المواد الغذائية والسيطرة على مزارع السوفخوز والكلخوز (مزارع مملوكة للدولة أيام الاتحاد السوفياتي).
أدين برلسكوني عام ٢٠١٣ بالتزوير والاحتيال والتهرب الضريبي، إلا أن "نجاحه" في القطاع الخاص جعلت مؤيديه يروجون لمهاراته القيادية وقوته "الكاريزمية" وسياسته المالية القائمة على خفض الضرائب، وقدرته على الحفاظ على علاقات خارجية قوية. وبعد حرب روسيا على أوكرانيا، تلاحق المحكمة الجنائية الدولية بوتين على "جرائمه ضد الإنسانية ولخرقه القانون الدولي" على الأراضي الأوكرانية. (فمتى انتهت الحرب سيخضع بوتين للمحاكمة على غرار محاكمات نورنبرغ وطوكيو وسيراليون وصربيا). تجتمع أيقونتا إيطاليا وروسيا على "سوء سمعتيهما".
ما زالت صورة برلسكوني وهو يقبّل يد القذافي (صاحب المليارات والاستثمارات في إيطاليا) ماثلة في الأذهان. أما بعد تعثره في أوكرانيا، فيكاد بوتين أن يقبل يد الرئيس الصيني لدعمه بالسلاح والذخيرة والاصطفاف إلى جانبه سياسيا في مجلس الأمن والأمم المتحدة .
وكما سلاح بوتين "النووي" المحدود القدرة على استخدامه، ويحد من تحقيقه النصر في اوكرانيا، كذلك كانت ثروة برلسكوني الهائلة وماله الوفير التي لم تمنحه قبل رحيله كل ما تمناه.
فعندما سئل برلسكوني عن دفعه الأموال لشابة أجاب: دفع الأموال "يفقدني لذة الظفر"، وكذلك تنجح "مقاومة" أوكرانيا بإفقاد "صديقه" بوتين "لذة الظفر" في هذه الحرب .