تحالف " بريكس " بحاجة إلى دولة بحجم السعودية

"أرشيفية"
تستعد المملكة العربية السعودية للانضمام إلى مجموعة "بريكس" بصفة مراقب خلال اجتماع المجموعة المقرر في أغسطس / آب الحالي. و"بريكس" هي مجموعة تضم دولًا عظمى مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وتشكل قوة اقتصادية وسياسية مهمة على المستوى العالمي. الانضمام إلى "بريكس" سيمنح السعودية القدرة على المشاركة في بعض أنشطة المجموعة الاقتصادية، مما يسهم في تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتعتبر السعودية واحدة من أسرع الدول نمواً اقتصادياً في العالم، مما يؤكد أهمية دورها في الاقتصاد العالمي.
كشف اقتصاديون سعوديون لـ "جسور"، إن روسيا والهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا، ستناقش إمكانية توسيع مجموعة "تحالف بريكس"، لتشمل السعودية وإندونيسيا شهر أغسطس /اب الحالي، وإن المجموعة تسعى منذ نشأتها إلى تغيير اتجاه القوة الاقتصادية من اتجاه واحد إلى اتجاهات عدة، وتمتلك أهمية كبيرة في تشكيلها لنحو 41 في المئة من إجمالي سكان العالم، و كذالك وجود أعضائها ضمن مجموعة العشرين والتي تمثل أكبر 20 اقتصادا" نموا" في العالم.
بن سلمان يقترب من تحقيق أهداف رؤية 2030 قبل موعدها
ومن شأن الانضمام إلى " مجموعة بريكس" أن يعزز ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد بلاده، من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030 الطموحة وهو جهد جعل السعودية تنفتح بعلاقاتها مع روسيا والصين في السنوات الأخيرة، وخاصة الصين هي أكبر مستهلك للنفط السعودي، بينما تعتمد على العلاقات مع روسيا في تحالف أوبك بلس.
يهدف الاجتماع إلى عرض أهداف الكتلة في ترسيخ نفسها كقوة اقتصادية، وتتمتع السعودية من قدرة وحكمة في إدارة علاقتها مع جميع الدول في الشرق والغرب وتصيب بالتوازن في مصلحتها ومصلحة الاستقرار والأمن والسلم الدولي.
حرص على تطوير التعاون
وفي حديث خاص مع الاستاذ في القانون الدولي المحامي أمين بشير قال لـ "جسور"، إنه مع إدراك حجم القوة الاقتصادية لدول البريكس التي تمثل 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وإذا انضمت المملكة العربية السعودية إلى هذه المجموعة، فلن يؤدي ذلك إلى زيادة حجم الكتلة وتأثيرها بشكل كبير فحسب، بل سيوفر أيضاً للبلاد إمكانية الوصول إلى شبكة قوية من الشركاء الاقتصاديين. وتتمثل إحدى الفوائد المحتملة لانضمام السعودية إلى بريكس في زيادة الفرص التجارية. وبفضل مواردها القوية من النفط والغاز الطبيعي، يمكن أن تصبح المملكة لاعباً رئيسياً في تجارة الطاقة داخل الكتلة، التي تهيمن بالفعل على الاستهلاك العالمي للنفط والغاز بنسبة 30٪ و22٪ من الحصة العالمية على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، بصفتها عضوًا في مجموعة بريكس، ستتاح للمملكة الفرصة لتنويع علاقاتها التجارية بما يتجاوز شركائها التقليديين في الغرب، مما قد يؤدي إلى أسواق جديدة وزيادة الاستقرار الاقتصادي.
المصالح المشتركة
وأضاف أمين بشير : "وبصفتها السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، فإن تحالف السعودية مع دول البريكس من شأنه أن يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للطاقة ويحتمل أن يتحدى هيمنة أسواق النفط الغربية. ونظرًا لأن دول البريكس تمثل مجتمعة حصة كبيرة من استهلاك النفط العالمي، فإن إضافة المملكة العربية السعودية ستعزز مكانة الكتلة كلاعب رئيسي في سوق الطاقة. يمكن أن تؤدي هذه الشراكة الاستراتيجية إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة، والمشاريع المشتركة في التنقيب عن النفط وإنتاجه، وإنشاء آليات تداول الطاقة البديلة، ما يؤدي في النهاية إلى تعزيز قدر أكبر من أمن الطاقة والقدرة على الصمود لجميع الدول الأعضاء.
وأعتبر بشير، في الوقت ذاته، أن وصول السعودية إلى الصين والهند، وهما من أكبر الأسواق في العالم، من شأنه أن يسهل زيادة الصادرات والشراكات الاقتصادية. كما أن الاستفادة من الابتكار التكنولوجي وقدرات التصنيع لأعضاء البريكس، ولا سيما الصين، من شأنها تسريع نمو المملكة العربية السعودية في هذه القطاعات. أما صناعة السياحة، التي يغذيها التراث الثقافي الثري للمملكة العربية السعودية ومواردها الطبيعية، ستستفيد أيضًا من عضوية البريكس، وجذب المزيد من الزوار وتوليد فرص العمل.
وتعزز العلاقات التجارية التاريخية للمملكة العربية السعودية مع الصين والهند علاقاتها مع مجموعة "البريكس"، وهذا يسهم في تعزيز التفاعلات بين الأفراد والتبادلات الثقافية بين الدول المشاركة. إن انضمام السعودية المحتمل لمجموعة "البريكس" يمثل فرصة مربحة للمملكة، حيث ستسرع من التنويع الاقتصادي وتعزز التنمية الوطنية. من خلال الانضمام إلى "البريكس"، يمكن للمملكة تقليل اعتمادها على الكتل الغربية والتعاون مع دول أخرى ذات نفوذ اقتصادي وسياسي قوي. يُعَتَبَرُ قرار المملكة الأخير لتعزيز العلاقة مع إيران، بوساطة الصين، علامة على التحولات الإستراتيجية في الشرق الأوسط، ويمكن أن يجلب تغيرات كبيرة للمنطقة وعلاقاتها مع القوى الكبرى.
دول "بريكس" تعمل إلى "إعادة توازن" النظام العالمي
وأعتبر المحامي أمين بشير أن المملكة العربية السعودية اليوم تتمتع بفاعلية أكبر وأكثر من أي وقت مضى فقد أصبحت ذات نفوذ كبير على المستوى الجيوسياسي، وهي على مسافة واحدة من القوتين العظيمتين في العالم: الولايات المتحدة والصين. بعكس باقي الدول ولا سيما الدول الأوروبية لأنها تظل متحالفة على نطاق واسع مع الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي فهي حرة في خلق ديناميكيات قوة جديدة.
كما أن المملكة تنشط بقوة في المجالات الجيوسياسية والجيو-اقتصادية، وهي تعمل كمقياس جيد للاتجاهات الجيوسياسية الأوسع في الشرق الاوسط.
وهناك العديد من الأسباب للأهمية المتزايدة للمملكة ولا سيما في حقبة القطبية الأحادية للولايات المتحدة، أصبح بعض الدول ملزمة بالولاء لواشنطن، لكن القطبية الثنائية بين الصين والولايات المتحدة اليوم أضعف، لذا تتمتع جميع "القوى الوسطى" ولا سيما المملكة العربية السعودية بحرية أكبر في الحركة بين المعسكرين وستصبح المملكة أكثر مركز انشغالًا للتجارة الإقليمية.
كما أصبحت أسواق الطاقة أكثر إقليمية، مما يفيد السعودية ويعطيها قوة أكبر. وبالفعل فإن العاصمة الرياض، ستبرز كمركز مالي إقليمي. ويؤكد صندوق النقد الدولي (IMF) على أن العالم يتفكك، ومن المنطقي أن تلعب القوى الوسطى الإقليمية في العالم المتشرذم دوراً مهماً بشكل متزايد.
السعودية والنظام العالمي الجديد
وختم المحامي أمين بشير معتبرًا أن المملكة العربية السعودية هي قوة فاعلة مستقلة تماماً. لكنها ليست مجرد تجسيد جديد لحركة عدم الانحياز، أو التجمعات الأخرى التي تهيمن عليها دول عظمى مثل مجموعة الـ77 للدول النامية، ومجموعة بريكس: (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا). فكل هذه المجموعات تشارك أو تنضوي على بعض التقارب الأيديولوجي، وهو ما لا تخضع له المملكة اليوم. ويساعد غياب التقارب الأيديولوجي على تحرير المملكة من اتباع نهج معاملات متشدد في السياسة الخارجية، مما يؤدي بدوره إلى زيادة تأثيرها الكلي على الشؤون الدولية.
وتتعزز قوة المملكة من خلال النفوذ الذي تكتسبه من المنافسة والمواجهة التي تميز العلاقات الأمريكية الصينية بشكل متزايد. وتريد كل قوة عظمى أن تتماشى المملكة معها، مما يخلق فرصاً جديدة للمملكة.