تحت وطأة الإخفاقات: هل تعود العقوبات للعراق تحت البند السابع؟

"أرشيفية"
على الرغم من استهلال رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني عمله الحكومي بإطلاقه الكثير من الوعود، متعهداً بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، يبدو اليوم أنّ حكومته بدأت تقترب من نهايتها وبسرعة أكثر من المتوقع، إذ يؤكد الواقع الذي تعشيه محافظات العراق أن حكومة السوداني فشلت منذ تشكيلها في تقديم الخدمات والإصلاحات للشعب سواء الملفات الخدمية أو الاقتصادية أو الأمنية.
ويشهد سعر الصرف صعودا ملحوظا للدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي، بالإضافة إلى ارتفاع في المواد الغذائية واللحوم، كما لا زالت تعيش المدن تراجعا كبيرا في الواقع الخدمي، وفي مقدّمه ملفّ الكهرباء الذي بقي غير قابل للحلّ، في ظل اعتماد العراق المستمرّ على الغاز الإيراني لتشغيل محطّاته الكهربائية، وما تقوم به إيران من مساومات في هذا الملفّ بغية الحصول على أموالها من العراق، والالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليها. فهل سترحل فعلاً حكومة السوداني قريباً؟
حكومة محاصصة
وهنا يشير مصدر متابع لـ "جسور" إلى أنّ بذور التفكّك والفشل في هذه الحكومة كامنة فيها، فهي حكومة محاصصة، وليست حكومة كفاءات، وخاضعة لتدخّل القوى والأحزاب، وتسيّرها الدولة العميقة التي بدأت تسرّع من نهاية حكومة السوداني، لأنها رأت فيها حكومةً لا تلبّي تطلعاتها.
ويوضح المصدر أن الحكومة لم تستثمر بشكل جيّد علاقتها مع إيران لدفعها إلى إطلاق مزيد من التدفّقات المائية من الأنهار القادمة من الأراضي الإيرانية، والتي تمنع طهران وصولها إلى العراق، متحدّية كل القوانين الدولية فيما يخص الدول المتشاطئة، وكذلك الحال مع تركيا التي قلّصت تدفّقات نهري دجلة والفرات، الأمر الذي جعل بلاد الرافدين على شفير هاوية الجفاف والعطش.
إخفاقات متراكمة
عبر حسابه على تويتر، غرّد الخبير الاقتصادي مازن الاشيقر، قائلا: "إخفاقات السوداني المتراكمة قد تعيد العراق للفصل السابع، حيث حذّر خبير الاقتصاد، عبد الحسن الشمري، من فرض عقوبات على العراق بسبب انتهاكاته المصرفية لنظام سويفت، مؤكداً أهمية التزام العراق بالقرارات الدولية وإلا سيواجه عقوبات تعيده الى الفصل السابع."
تغريدة، فتحت الباب واسعاً أمام مصير حكومة السوداني خصوصا وأنّ هناك الكثير من الكلام السياسي المعتاد والممل حكومياً بخصوص ضرورة مكافحة الفساد وتنشيط الاقتصاد وتحسين الخدمات وتطبيق القانون على الجميع، وسواها كثير، لكن من دون أفعال حقيقية على الأرض تقنع جمهوراً متشككاً واسعاً أنّ البلد على أعتاب إصلاح حقيقي.
وفي اتصال مع "جسور"، يقول الأشيقر إنّ "نجاح حكومة السوداني مرهون بنجاح تنفيذ مهامها أمام الشارع العراقي، معتقدا أنّ هناك صعوبة في تطبيق البرنامج الحكومي بكل حذافيره وبجميع تفاصيله، بعدما أخفقت الحكومة في العديد من الملفات"، مشيراً إلى أنّ "خبر إختيار محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء بثّ بعض الأمل لدى الكثير من العراقيين، حيث أصبح أول من تقلّد المنصب من الذين سكنوا في العراق خلال حروب الثمانينيات وحصار التسعينيات، كما ولن تصل معلومات عن فساده في محافظته ميسان، واعتبره البعض بأنه أنزه من تَقلّد المنصب."
"وبعد مباشرته بمهامه في رئاسة الوزراء ومواجهته للتحديات والمشاكل والأزمات والمآسي التي يعانيها الشعب العراقي"، تبيّن وفق الأشيقر أنّ "السوداني اتخذ قرارات إرتجالية ترقيعية مستعجلة وغير مدروسة، مما يعقّد اأزمات ويصعّب من حلّها"، مؤكدا أنّ الشخص الذي يدير السلطة التنفيذية عليه الإستناد إلى مستشاريه لإجراء دراسة معمّقة عن كل أزمة وطرح عدة حلول وإجراء دراسة جدوى لكل الحلول قبل تنفيذها."
قرارات ارتجالية مستعجلة
ويتابع الأشيقر: "بالفعل، كان قراره الإرتجالي لإختيار سعر الدولار 1,310 دينارا ليصبح السعر الحكومي الوهمي للدولار في حين السعر الحقيقي في السوق وصل الى 1,600 دينارا. كما كان قراره الإرتجالي لعقد صفقة مقايضة النفط الخام مقابل الغاز مع إيران غير مدروس واعتبرته أميركا إلتفاف على عقوباتها لإيران."
وأوضح الخبير الاقتصادي لـ "جسور"، أنّ قرارات السوداني الإرتجالية استمرت في محاربة الفساد ومعاقبة تجار المخدرات والسلاح المنفلت وتهريب العملة وانقطاع التيار الكهربائي وآخرها عدم المطالبة بحق العراق في استخراج الغاز من حقل الدرة الغازي مقابل سواحل الفاو في محافظة البصرة".
وأصبح متعارف بحسب ما أكد الأشيقر أنّ "السوداني لا يتعمّق في دراسة المشاكل ويتّخذ قرارات إرتجالية مستعجلة ومضرّة للأزمات من دون إيجاد حلول جذريّة لها، وهذا ما أغضب الولايات المتحدة التي حذّرت أكثر من مرة عن رفضها لإيصال العملة الصعبة - الدولار الى دول الجوار وبالتحديد الى إيران، وهذا لم يغيّر عمل الكثير من المصارف الأهلية العراقية التي استمرت في دخولها مزاد شراء الدولار وتهريبه خارج العراق، حتى قررت أميركا منع 14 مصرفا من التداول بالدولار الاميركي من دون إنذار مسبق".
وأوضح الخبير الاقتصادي أنّ "الصبر الاميركي قد ينفذ في حال استمرار حكومة السوداني بإيجاد طرق ملتوية لإيصال العملة الصعبة لحلفائها خارج العراق، مما سيدفع واشنطن لإتخاذ قرارات مهمة وصعبة تجاه العراق قد تشمل منع تداول الدولار داخل الحدود العراقية أو منع إيصال واردات النفط المالية بالدولار الى العراق أو العودة الى أيام الحصار ببرنامج النفط مقابل الغذاء.
كل هذه القرارات يقول الاشيقر إنه "يجب إتخاذها ضمن أروقة منظمة الأمم المتحدة فيما يعرف بالبند السابع أو الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وهكذا قرار يستوجب طرحه على مجلس الأمن الذي يشمل الاعضاء الخمسة دائمة العضوية لإتخاذ قرار عودة العراق للبند السابع."
ويضيف أنّ السؤال الذي يراود كثيرين، "هل ستستعمل روسيا أو الصين حقهما في النقض - فيتو المبادرة الاميركية البريطانية الفرنسية لمنع العراق من تحويل دولاراته خارج العراق، أم سيقرران الإمتناع عن التصويت والسماح لإتخاذ هذا القرار أممياً"؟.
مجرّد وعود
من جهته، يرى رئيس مركز التفكير السياسي، الدكتور إحسان الشمّري، أنّ "البرنامج الوزاري وضع توقيتات زمنية حول بعض القوانين وبعض الإشكاليات حتى بقيّة الأمور الحياتية على مستوى الخدمات، لكنها لم تَتَحقّق نتيجة عدة أسباب، أوّلها أنّ حكومة السوداني هي حكومة محاصصة، كما أنّ إختيار بعض الوزراء داخل الكابينة الحكومية لم يكن بمستوى الطموح، لذلك كان هناك عجز كبير عن تنفيذ هذا البرنامج."
ومن بين الأسباب، يقول الشمري لـ "جسور" إنّه "بسبب طبيعة الصراعات وإنهيار تحالف إدارة الدولة لم يعد ذلك التحالف الذي يمكن أن يضغط تُجاه تنفيذ الوعود"، مضيفا أنّ "طبيعة اختيار طاقم السوداني لم يكن على قدر الآمال"، مبيّنا أنّ "إهتمام السوداني بتفاصيل ترتبط بعمل الدوائر بمستوى رئاسة قسم أو غيره أشغله بشكل كبير عن قضية تنفيذ الوعود التي وعد بها المواطن، كما أنه لم يمضِ تُجاه رسم سياسة عامة في البلاد."
وبعد 9 أشهر، يقول الشمري: " لا نجد شيئا من الوعود، فالسوداني مثقل بالقيد السياسي وبعدم وجود منجز لذلك،" لافتا إلى أنّ العراق أمام سيناريو عجز كامل للسلطة التنفيذية، ومن الأفضل الذهاب نحو إجراء انتخابات مبكّرة."
"ومن الصعب في هذا الوقت العودة إلى البند السابع، لكن إذا ما تحوّل العراق إلى جغرافية توتر أو تهديد لجواره مع عدم التزام الحكومة بالسياسات المالية، سنكون أمام سيناريو مختلف كثيرا وقد يكون هناك عقوبات أو نوع من القرارات تجاه العراق"، يختم الشمري.