انكماش الاقتصاد.. شبح الماضي القريب الذي يطارد ألمانيا

قليلون جدا الذين توقعوا أن يطال الضعف الاقتصاد الألماني. فالبلد الذي اقترن به شعار “صنع في ألمانيا”، ولطالما عرف بأنه محرك منطقة اليورو والقوة الصناعية الأولى عالميًا في التصدير، يواجه الآن خطر الدخول في ركود.

الاقتصاد الأوروبي الأكبر يواجه مخاطر الركود

وكالات

قبل 25 عاما تقريبا تنبأت مجلة “ذا إيكونيميست” البريطانية بأن ألمانيا في طريقها إلى أن تصبح “رجل أوروبا المريض”، وكان المبرر وراء هذا الوصف افتقارها إلى القدرة التنافسية وارتفاع معدلات البطالة بين السكان.

ما حصل بعد ذلك كان مفاجأة. لم تصدق نبوءة “ذا إيكونيميست”، بل تحولت إلى إنذار أيقظ صناع القرار في ألمانيا حول مستقبل اقتصاد البلاد مع تباطؤ عجلة الإصلاحات بعد سنوات رائعة اقتصاديا. وبناء على تحذيرات المجلة أطلقت حكومة المستشار السابق جيرهارد شرودر آنذاك عملية إصلاح جوهرية في سوق العمل أثمرت نتائج جيدة. وهو ما دفع مجموعة من الاقتصاديين البريطانيين والألمان عام 2014 إلى القول بأن ألمانيا قد تحولت “من رجل مريض في أوروبا إلى بطل ونجم اقتصادي”.

اليوم في تقرير لها تعيد صحيفة الغارديان البريطانية إطلاق تحذير، يذكر بالتحذير الذي أطلقته “ذا إيكونيميست” منذ ربع قرن، من تراجع أداء الاقتصاد الألماني وسط مخاوف من دخول ألمانيا إلى مرحلة الركود البطيء.

وذهبت صحيفة الغارديان في تقريرها إلى أن ألمانيا، التي لطالما عرفت بأنها محرك منطقة اليورو والقوة الصناعية الأولى عالميًا في التصدير، تواجه الآن خطر الدخول في ركود، في الوقت الذي تعاني فيه دول أوروبا عامة من انهيار اقتصادي.

وتابعت الصحيفة أن “الاقتصاديين في ألمانيا ينتظرون القراءة النهائية لرقم التضخم الألماني لشهر يوليو عند إصدارها صباح الثلاثاء (اليوم)، وأنه من المتوقع أن يأتي معدل مؤشر أسعار المستهلك (CPI) على أساس سنوي عند 6.2 في المئة، أي أقل بقليل من 6.4 في المئة المسجلة في يونيو الماضي”.

إذا جاء التضخم في يوليو كما كان متوقعًا، فهذا يعني أن نمو الأسعار في ألمانيا لا يزال بعيدًا عن المستوى الرئيسي لمنطقة اليورو، والذي كان 5.3 في المئة خلال يوليو الماضي، والصورة أسوأ مقارنة بإسبانيا، حيث كان التضخم 2.3 في المئة فقط الشهر الماضي.

ويثبت التضخم الثابت أنه جزء من المشاكل الاقتصادية الحالية في ألمانيا، خاصة عندما يقترن بركود النمو، ووفقًا لأحد الاقتصاديين فإن الانكماش البطيء هو النتيجة.

وتابعت الغارديان “كما تشعر الشركات الألمانية بالكآبة، فقد انخفض مؤشر مناخ الأعمال وفقًا لتقرير معهد Ifo للبحوث الاقتصادية ومقره ميونيخ للشهر الثالث على التوالي”.

يعود هذا الانخفاض وفق تحليل الغارديان إلى التشديد النقدي المستمر من قبل البنك المركزي الأوروبي، والمخاوف بشأن الاقتصاد الأميركي، وانهيار سوق العديد من الصادرات الألمانية، من السيارات السريعة إلى الآلات.

ويأتي انهيار الاقتصاد الألماني في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصادان البريطاني والأميركي تحديات، منها زيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم.

والآن يعاني الاقتصاد الألماني من الأزمة ذاتها، إذ على مدى الأشهر الستة الماضية انخفضت التوقعات الاقتصادية، ما يعني أن اقتصاد ألمانيا على حافة “الانكماش التقني”.  وعن ذلك قال رئيس معهد “Ifo”  كليمنس فوست إن “الوضع الاقتصادي الألماني يزداد قتامة”.

ويقوم المعهد باستطلاع شهري للرأي يشمل استطلاع آراء نحو 9 آلاف مدير تنفيذي حول الوضع الحالي لنشاط أعمالهم التجارية وأيضا توقعاتهم للأشهر الستة المقبلة. وقد انخفض مؤشر مناخ الأعمال الخاص بالمعهد في يوليو الماضي للشهر الثالث على التوالي.

وحذر يورغ كريمر، كبير الاقتصاديين في مصرف “كومرتس بنك” الألماني، من أنه “للأسف لا يوجد تحسن في الأفق”، مضيفا “تلقى الزيادات في أسعار الفائدة على مستوى العالم بظلالها أيضا، خاصة وأن الشركات الألمانية تعاني من وضع غير مستقر بسبب تآكل جودة مواقعها”.

وقد ذكر صندوق النقد الدولي أن أداء ألمانيا ضعيف بشكل استثنائي في حالة المقارنة مع الدول الصناعية الأخرى، ما يعني أن ألمانيا ستكون الدولة الكبيرة الوحيدة ذات الاقتصاد المنكمش وسط تزايد القلق حيال القطاع الصناعي الألماني الذي يعد قاطرة اقتصاد البلاد، وهو ما تجلى في شعار “صنع في ألمانيا”.

ولا تزال الشركات في قطاع الصناعات التحويلية تحاول إنقاذ نفسها بفضل تراكم الطلبات إبان جائحة كورونا جراء أزمة سلاسل التوريد، بيد أنه في حالة إنجاز هذه الطلبات، فإن ذلك سيتراجع. إذ تفيد التقارير بأنه خلال الفترة ما بين مارس ومايو الماضيين انخفضت الطلبات بنسبة تزيد على 6 في المئة عن الأشهر الثلاثة السابقة.

ويمثل هذا القطاع جزءا كبيرا نسبيا (24 في المئة) من إجمالي القيمة المضافة لألمانيا. لكنه مازال يعانى من الركود الاقتصادي العالمي، فيما يشعر قطاعا صناعة الآلات والسيارات اللذان يعتمدان بشكل كبير على الصادرات، بآثار تراجع الزبائن الأجانب.

وشاركت دراسة حديثة أجراها مصرف “دي زد بنك” الرأي نفسه وذكرت أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعد بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الألماني، باتت في خطر. وأشارت الدراسة إلى مشاكل أخرى تعاني منها الشركات الألمانية تتجاوز إشكالية ارتفاع أسعار الطاقة، على رأسها نقص العمالة الماهرة والبيروقراطية المفرطة والضرائب المرتفعة والبنية التحتية المتعثرة وتباطؤ الرقمنة وارتفاع معدلات الشيخوخة في البلاد.

بدوره قال بيتر أدريان، رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية، إن “قطاعات كبيرة من الاقتصاد الألماني تعاني من نقص في الثقة بأن ضخ استثمارات كبيرة في ألمانيا سيكون مجديا في ضوء زيادة التكاليف”.

وقدم الخبير الاقتصادي موريتس شولاريك، رئيس معهد كيل للاقتصاد العالمي، حلولا للأزمة في مقال نشره على موقع المعهد، جاء فيه “إذا كانت ألمانيا ترغب في أن تبعد عنها شبح ‘رجل أوروبا المريض’ مرة أخرى، فعليها الآن أن تحول اهتمامها إلى قطاعات النمو المستقبلية بدلا من إنفاق المليارات للحفاظ على صناعات الأمس التي تستهلك الطاقة بكثافة”.