تمرد فانو يهدد بانقسام إثيوبيا وامتداد الصراع إلى دول الجوار
لم يعد بإمكان حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تجاهل الأوضاع المضطربة لفترة أطول، خاصة بعد أن وصلت الأوضاع الأمنية في إقليم أمهرة إلى مستويات خطيرة إثر سيطرة ميليشيا فانو الأمهرية على عدة مدن ومناطق في الإقليم، أشهرها مدينة لاليبيلا التاريخية ومطارها، ما أدى إلى اشتعال قتال بالأسلحة الثقيلة مع الجيش الفيدرالي، وإعلان الحكومة حالة الطوارئ.
فالمناوشات المحدودة التي اندلعت منذ أشهر بين الجيش وفانو سرعان ما تحولت خلال الأيام الأخيرة إلى حرب حقيقية، أشبه بتلك التي خاضها رئيس الوزراء الإثيوبي بدعم من فانو ضد جبهة تحرير تيغراي ما بين 2020 و2022.
وأمهرة هو الإقليم الرئيسي الذي يعتمد عليه رئيس الوزراء الإثيوبي في حكم البلاد، بعد طرد جبهة تحرير تيغراي من السلطة التي استحوذوا عليها ما بين 1991 و2018.
ونجحت قوات الدفاع الوطني الثلاثاء في السيطرة على وسط مدينة غوندار، ثاني أكبر مدن أمهرة، ودخلت مدينة لاليبيلا الأربعاء بعدما غادرها رجال الميليشيات.
وتتحدر عائلة هايلي سيلاسي آخر أباطرة إثيوبيا (1892 – 1975) من أمهرة، كما أن والدة وزوجة آبي أحمد من الأمهرة أيضا، رغم أن والده من الأورومو أكبر عرقية في البلاد لكنها مهمشة، وتشهد تمردا محدودا. لذلك يمثل تمرد إقليم أمهرة على سلطة آبي أحمد مأزقا عميقا لا يقل خطورة عن تمرد التيغراي، باعتبارهما العرقيتين الرئيسيتين اللتين تداولتا على حكم البلاد طيلة قرون حتى قبل حكم النجاشي للحبشة (عاصمتها مدينة أكسوم في إقليم تيغراي). لكن لماذا تمردت فانو على آبي أحمد بعدما كانت أكبر حلفائه؟
تعتبر فانو نفسها القوات الخاصة لإقليم أمهرة، وشاركت بشكل فعال في دعم القوات الحكومية في قتال متمردي جبهة تحرير تيغراي، إذ مثلت الحليف الرئيسي لآبي أحمد في تثبيت حكمه في البلاد. لكن تزايد نفوذ فانو والميليشيات الأمهرية أصبح يقلق آبي أحمد الذي يؤمن بالحكم المركزي للبلاد، بدل الحكم الفيدرالي الذي يقسم البلاد إلى 11 ولاية تضم عرقيات وديانات مختلفة.
وفي أبريل الماضي أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي أوامره بدمج الميليشيات المسلحة في جميع الولايات في الجيش أو الشرطة أو الحياة المدنية.
وعارضت فانو هذا القرار، واعتبرت أنه يستهدفها بشكل رئيسي، وشاركت في المظاهرات التي اندلعت في مدن الإقليم ضد القرار. وأخذت الأوضاع في أمهرة أبعادا خطيرة بعد اغتيال رئيس حزب الازدهار (الحاكم) هناك جيرما يشيتيلا في 27 أبريل، رغم أن الحكومة لم تنجر بسرعة نحو هذه الاستفزازات.
وبدأ التمرد الفعلي لفانو، التي لا تملك قيادة محددة، عندما رفض عناصرها تسليم أسلحتهم خاصة الثقيلة منها، وبدأوا ينتشرون في بعض البلدات والمدن، ويشتبكون مع قوات الأمن والجيش بشكل محدود. لكن الأمور تعقدت بعد الكمين الذي استهدف رحلة لكبار قادة الناحية الشمالية الغربية، والتي مركزها غوندار ثاني أكبر مدينة بالإقليم بعد بحر دار، إلى منتجع سياحي في 26 يوليو الماضي.
ومع انضمام عدة ميليشيات أمهرية إلى فانو، غيرت الأخيرة تكتيكها القتالي، وانتقلت من نصب الكمائن وحرب العصابات إلى الاستيلاء على المدن.
وأطلق الجيش عملية عسكرية لاستعادة المدن التي سيطرت عليها فانو والميليشيات الأمهرية على غرار مدينة بورن في الشمال الشرقي لأمهرة بالقرب من الحدود مع إقليم تيغراي، لكن فانو زحفت على مدينة لاليبيلا التاريخية والمقدسة لدى المسيحيين الشرقيين، واستولت عليها وعلى مطارها.
ولطالما كانت لاليبيلا مركزا للصراع والحروب بين الأمهرة والتيغراي الذين يدينون بالمسيحية نظرا إلى موقعها الإستراتيجي المرتفع، وأهميتها الدينية وكنائسها المنحوتة على الحجر والمصنفة ضمن التراث العالمي.
وإلى جانب غوندار وبورن ولاليبيلا، شهدت مدينة دبري تابور الإستراتيجية الواقعة شرق بحيرة تانا منبع نهر النيل الأزرق، اشتباكات بين الجيش والميليشيات الأمهرية.
ويتوسط إقليم أمهرة إقليمي تيغراي في الشمال وأورومو في الجنوب، وبينهما خصومات ونزاعات طويلة على السلطة والحدود داخل الدولة الواحدة.
لكن إقليم أمهرة لديه حدود أيضا مع إقليمي العفر في الشرق (تعود أصولهم إلى شبه الجزيرة العربية) وبني شنقول في الغرب (من أصول سودانية).
وللإقليم حدود مع السودان، حيث تقوم الميليشيات الأمهرية بالتوغل في منطقة الفشقة السودانية لاستغلال أرضها الخصبة في الزراعة، ما تسبب في وقوع عدة اشتباكات مع الجيش السوداني.
ومن شأن تمرد فانو أن يدفع العفر الذين أثبتوا شراستهم في القتال خلال حرب التيغراي، إلى رفض نزع أسلحتها والاندماج في الجيش والشرطة، والأمر ينطبق على بقية الميليشيات في الولايات الأخرى.
كما أن الجيش الفيدرالي منهك من حربه ضد التيغراي الذين أسقطوا عدة مدن في أمهرة واقتربوا من الوصول إلى العاصمة أديس أبابا، وخوضه حربا جديدة ضد فانو قد يغري جبهة تيغراي لنقض اتفاق السلام مع آبي أحمد والعودة إلى القتال، سواء منفردة أو بتنسيق مع أعدائها التاريخيين (الأمهرة).
وعلى الجبهة السودانية، من شأن انشغال فانو بالحرب مع الجيش الإثيوبي إشغالها عن الدخول في معارك مع الجيش السوداني في إقليم الفشقة.
لكن احتدام القتال في أمهرة من شأنه أن يؤدي إلى فرار الآلاف من اللاجئين إلى شرق السودان، والذي يعد أكثر جهات البلاد أمانا، لكنه سيزيد ذلك من الأعباء على بلاد يحتاج أكثر من نصف سكانها إلى المساعدات الإنسانية.
ويدرك المسؤولون الإثيوبيون خطورة تمرد فانو على وحدة البلاد، وإمكانية تفككها وقيام دول جديدة على أرضها، أو انضمامها إلى دول أخرى تربطها بها روابط عرقية وقبلية، مثل إقليم الصومال، وإقليم بني شنقول (السودان)، وإقليم العفر (جيبوتي)، وإقليم غامبيلا (جنوب السودان). لذلك دعا نائب رئيس الوزراء الإثيوبي إلى الحوار لتفادي حرب جديدة في ثاني أكبر بلد أفريقي من حيث عدد السكان بعد نيجيريا.