بين التستر والتدخل: دور الجيش اللبناني في حماية حزب الله... وبالتواريخ!

"أرشيفية"

واشنطن

خلال تعاطيه مع حادثة سقوط شاحنة حزب الله المحمّلة بالأسلحة عند كوع الكحّالة، بدا واضحاً حرص الجيش اللبناني على حماية الشحنة من الكاميرات ولملمة القضية وكذلك الأسلحة قبل نقلها إلى آلياته ورفع الشاحنة. لكن محاولات الجيش التستر على حمولة شاحنة الحزب لم تنفع وفُضح المستور تحت شادرها.

الأمر ليس مفاجئًا لمن يتابع آداء الجيش ويدخل في تفاصيله، إن في الأحداث الكبيرة أو حتى في جرائم قتل بدوافع فردية، ما يطرح السؤال عن دور الجيش وسبب تركه دوماً الساحة مفتوحة أمام الحزب قبل أن يستدعيه الأخير ويوكل إليه مهمة، أو يسمح له بالتواجد في مناطق تشهد أحداثاً أمنية.

بالأمس أوكل الحزب إلى الجيش اللبناني مهمة سحب الشاحنة التي انقلبت ونقل حمولتها من الأسلحة بعد أن بات ذلك صعباً على الحزب بسبب غضب أهالي المنطقة وإقفالهم الطريق. وتدخل الجيش بعد أن شهدت الكحالة توتراً نجم عنه سقوط قتيلن أحدهما فادي بجاني من سكان المنطقة، والثاني عنصر في حزب الله موكل بالدفاع عن الشاحنة.

استدعى تصرف الجيش سخرية عبّر عنها مواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فانتشرت النكات التي سخرت من قيام الجيش بنقل الحمولة واعتبرت بعضها أنه صار عامل "ديليفري" لدى الحزب. ولم يكتف الجيش بمحاولة لفلفة القضية، بل ونشر صباح اليوم بياناً تجنب فيه ذكر حزب الله كمالك للشاحنة على الرغم من اعتراف الحزب في بيان رسمي بأنه صاحب الشاحنة.

هي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتدخل فيها الجيش بما يخدم حزب الله لإنقاذه من موقف حرج، وإن كانت حجته الحفاظ على الأمن. هكذا يظهر دور جيش الدولة في خدمة جيش الدويلة المستخفة به والمتذرعة بضعفه لتبرير بقاء سلاحها. فتصرف الجيش بدا وكأن أولويته حماية مصلحة الحزب بدل سلامة المواطنين. ومضى الجيش في حرصه على التستر حدّ قيام عناصر منه بالاعتداء على صحفيين مباشرة على الهواء خلال تغطيتهم للحدث، وكأن تواجد الكاميرات أخطر من تواجد كمية كبيرة من الأسلحة بين مدنيين.

آداء بخدمة الحزب

منذ عقود تخلّت السلطة التي تعيّن قائد الجيش عن صلاحياتها الأمنية لصالح حزب الله. بالتالي أصبح الجيش كما كل مؤسسات الدولة خاضعاً لنفوذ الحزب، وإن ظهرت نقاط تباين بين الحزب وقيادة الجيش، أو حاول الحزب ابتزازها في العديد من المحطات ونظم إعلاميوه حملة لمهاجمة قائد الجيش جوزيف عون. فلعون أيضاً طموحاته السياسية التي تجعله يحاول إرضاء جهات عدة.

في 7 أيار 2008 وقف الجيش متفرّجاً على حزب الله وحلفائه وهم يجتاحون بيروت ومناطق أخرى بهدف إسقاط الحكومة اللبنانية. وذلك بعد أن كلف مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة، في 5 أيار، الإدارات المختصة والقوى الأمنية بمعالجة موضوع شبكة اتصالات حزب الله غير الشرعية وكذلك إعادة قائد جهاز أمن المطار في حينها العميد وفيق شقير إلى ملاك الجيش لتنحيته عن مهامه في المطار. وكنتيجة للعملية المسلحة تمكّن حزب الله من تعزيز نفوذه في المؤسسات الدستورية والهيمنة عليها. يومها كوفئ قائد الجيش في حينها ميشال سليمان على آدائه هذا وعيّن رئيساً للجمهورية بانتخابات شكلية كنتيجة لاتفاق الدوحة.

بعد مدة قصيرة، وبتاريخ 28 آب 2008 قتل حزب الله النقيب الطيار في الجيش اللبناني سامر حنا. حينها وبعد ضغوطات كبيرة، توصلت المحكمة العسكرية إلى طريقة للفلفة القضية، فسلّم الحزب أحد عناصره، ويدعى مصطفى مقدم، للمحاكمة. اكتفت المحكمة العسكرية بسجنه ستة أشهر بتهمة "التسبب عن غير قصد بقتل النقيب حنا" ومن ثم أطلقت سراحه، في حزيران 2009، لقاء كفالة مالية قيمتها عشرة ملايين ليرة لبنانية، قبل أن يقتل في سوريا في آب 2014.

 ولا يخفى على أحد كيف يتصرف الجيش عند وقوع أي حدث أمني في المناطق الخاضعة لسلطة حزب الله. حيث لا يتدخّل إلا شكلياً وبعد السماح له بذلك. وهو ما حصل بتواريخ عدة في السنوات الماضية عند وقوع انفجارات أو أحداث أمنية ظلّت غامضة. أو مثلاً عند انفجار مسيّرة، قيل إنها إسرائيلية، وسقوط أخرى في حيّ معوّض في الضاحية الجنوبية لبيروت بتاريخ 25 آب 2019، حيث عمم حزب الله رواية تبنتها الأجهزة الأمنية من دون أن توضح أية تفاصيل.

وخلال الانتفاضة التي اندلعت في 17 تشرين الأول 2019 كان الجيش متسامحاً جداً تجاه المعتدين على المتظاهرين ووقف متفرّجاً على اعتداءات عناصر ومناصري حزب الله وأمل، واكتفى في بعض الأحيان بالوقوف بينهم وبين المتظاهرين. رغم ذلك اتهم الجيش بالتساهل مع المتظاهرين خصوصاً في منطقة جل الديب، لكنّ آداؤه تبدّل وصار أكثر قسوة تجاه المتظاهرين بعد تأليف حكومة حسان دياب وتسلم زينة عكر وزارة الدفاع.

يطرح آداء الجيش هذا السؤال عن دوره في ما يتعلق بالتطنيش عن تخزين أكثر من ألفي طن من نيترات الأمونيوم المتفجرة في مرفأ بيروت. حيث أكد قائد الجيش السابق جان قهوجي بعد مساءلته إعلامياً أن الجيش أعد تقريرا عن خطورة تلك المواد التي انفجرت لاحقاً بالعاصمة وأرسله إلى القضاء. بينما لم يتحرك لمحاولة إزالة المواد من المرفأ، في حين من المفترض أن يملك الجيش الخبرة الكافية لإدراك خطورة تلك المواد وكذلك الصلاحية للتصرف بها بما يحمي المدنيين وفق قانون الأسلحة والذخائر.

في آب 2020 اندلعت اشتباكات بين عناصر من حزب الله وعرب خلدة، واتهم يومها عرب خلدة المسؤول في الحزب علي شبلي بقتل الفتى حسن غصن البالغ 14 عاماً ورجل مسنّ كان على شرفته. يومها انتقد عرب خلدة أداء الجيش اللبناني واتهموه بالانحياز لصالح حزب الله وبالتدخل لتهريب قاتل الفتى. وقد نشر هؤلاء فيديوهات تظهر تدخل الجيش لتسهيل هروب عناصر الحزب. وقال عم الضحية في تصريح "حزب الله يعمد في كل مرة إلى افتعال إشكال ومن ثم وضع الجيش في الواجهة" . وبالفعل تم إهمال قضية قتل الفتى وبقي شبلي حراً حتى قتله شقيق الفتى ثأراً، في آب 2021، بينما كان مدعواً إلى عرس.

وفي آب 2021 اختار حزب الله بلدة شويا كموقع لإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل رداً على غارات إسرائيلية. وسرعان ما حاصر عدد من أهالي المنطقة الشاحنة التي تحمل الراجمة التي أطلقت منها الصواريخ، رافضين أن تتحمل بلدتهم تبعات الأمر وتعريضهم للخطر. قبضوا على سائق الشاحنة، الذي بدت على وجهه ملامح الرعب، وسرعان ما تدخل الجيش اللبناني وتسلّم الراجمة وسائقها. لكنّ الجيش لم ير في الأمر مسّاً بهيبته وصلاحياته ولم يحقق مع مطلق الصواريخ لمعرفة ملابسات الحادثة وإيضاحها للرأي العام، ولم يكترث بحق أهالي البلدة بتقرير مصيرهم وقدرتهم على احتمال تبعات هكذا تصرف. بل سرعان ما أطلق سراح العنصر وأعاد إليه الراجمة ليكمل طريقه.

كما في الأحداث الأمنية الكبيرة والمتوسطة كذلك في الجرائم الفردية، يتدخّل الجيش وفق ما تقتضيه مصلحة حزب الله ومونته، بينما لا تطرح التساؤلات حول آدائه. من بين التصرفات التي تطرح التساؤلات حولها كانت قتل الشاب حسن زعيتر مع ثلاثة آخرين خلال مداهمة للجيش في حي الشراونة في بعلبك. كان يمكن ألا يتستدع الخبر توقفاً عنده لو لم يكن زعيتر هو نفسه الذي قتل عنصراً في حزب الله على خلفية ثأر، وسجل شريطاً مصوراً برر فيه فعلته قبل حوالي شهر من قتله. في الفيديو يقول زعيتر إنه ثأر لمقتل أخيه لأن أحزاب المنطقة حمت القاتل وتركته حراً بينما سجن والد الضحية وطلب منه التعهد بعدم التعرض لإبراهيم وهدده ضابط في الجيش بحرمانه من مستحقاته كمتقاعد. بسرعة قتل زعيتر وقتلت قصته معه بينما تجنب إعلاميون طرح القضية حرصاً على سمعة الجيش.

هي جردة سريعة لآداء الجيش وفق بعض المعلن من أحداث، بينما يخفى الكثير عن العلاقة بين الجيش اللبناني وحزب الله. وبالتأكيد ليس المطلوب ان يدخل الجيش بصدام دموي مع الحزب، فلا يمكن لعاقل أن يقبل بذلك. لكنّ المطلوب ألا يتحوّل الجيش لمؤسسة تخدم مصلحة الحزب على حساب بقية المواطنين وتقوّيه عليهم، وألا يكون واجهة يستخدمها الحزب متى اقتضت مصلحته ذلك ويحجّمها متى أيشاء.