الاتفاق بين تونس وليبيا بشأن إيواء المهاجرين خطوة وليس حلا شاملا

من شأن الاتفاق الجديد مع ليبيا أن يحرر تونس من ورقة ضغط أخلاقية

تونس

أنهت تونس الخميس حل مشكلة عشرات المهاجرين على الحدود بالتوصل إلى اتفاق مع ليبيا لتقاسم مهمة إيواء المئات من هؤلاء، وتغلق بذلك أحد أبرز مداخل استهدافها من خلال الحملات الإعلامية والحقوقية التي تتهمها بالعنصرية.

يأتي هذا فيما يرى مراقبون أن الاتفاق بشأن تقاسم مهمة الإيواء ما هو إلّا خطوة محدودة وليس حلا شاملا لتطويق الأزمة الأكثر عمقا وتعقيدا، مشيرين إلى ضرورة فصل البعد الإنساني تماما وتبنّيه لصالح وضع المهاجرين أيا كانت ظروفهم بإجراءات إيواء وحماية قبل أيّ مقاربة لحل الأزمة.

ولتطويق الاتهامات بالعنصرية وتعريض حياة المهاجرين للخطر بوضعهم في الصحراء، تحتاج تونس وليبيا وبقية دول جنوب المتوسط إلى الاقتراب من معايير الأوروبيين في استقبال المهاجرين وحمايتهم وتمكينهم من مختلف الخدمات قبل دراسة وضعهم القانوني لاحقا حسب ظروف هذه الدول وحاجياتها.

وبهذه الخطوة يمكن منع الانتقادات التي صاحبت تعامل دول المنطقة مع هذا الملف الشائك، وخاصة تونس التي باتت محور تركيز إعلامي وحقوقي في الفترة الأخيرة.

ولا شك أن إشراك ليبيا -كمرحلة أولى- في الاتفاق على إيواء المهاجرين ستتبعه ترتيبات تونسية مماثلة وتنسيق مع الجزائر في ظل المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون على الحدود بين البلدين. ومن شأن ذلك أن يوفر أرضية لمقاربة إنسانية ملزمة لدول المنطقة في التعامل مع تزايد أعداد المهاجرين.

وكانت السلطات التونسية بادرت في البداية بنفي تهمة طردها المهاجرين وتهميشهم، وفي مرحلة ثانية سعت للبحث عن حل للمشكلة بالتنسيق مع ليبيا التي كانت أول من اتهم تونس بنقل مهاجرين إلى الحدود في ظروف مناخية صعبة اتسمت بارتفاع درجات الحرارة.

ومن شأن الاتفاق الجديد مع ليبيا أن يحرر تونس من ورقة ضغط أخلاقية وسياسية كانت مسلطة عليها، في الوقت الذي تسعى فيه للاستفادة من اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي بشكل يساعدها على الحد من تدفقات المهاجرين، وفي الوقت نفسه يمنح اقتصادها دفعة إيجابية ضمن مسار “شراكة إستراتيجية” مع أوروبا.

وأعلنت تونس وليبيا الخميس أنهما اتفقتا على إيواء المهاجرين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء والعالقين عند الحدود بين البلدين منذ قرابة شهر، بعدما اقتادتهم إليها الشرطة التونسية بحسب عدة شهادات ومنظمات غير حكومية ووكالات أممية.

وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية فاكر بوزغاية “تم الاتفاق إثر اجتماع بين وزير الداخلية التونسي ونظيره الليبي الأربعاء على أن تتكفل تونس وليبيا بإيواء مجموعة المهاجرين المتواجدين على مستوى الحدود”.

وبموجب الاتفاق تكفلت تونس بمجموعة تضم “76 رجلا و42 امرأة و8 أطفال”. أمّا الجانب الليبي فنقل مجموعة تتألف من نحو 150 مهاجرا، وفقا للمصدر ذاته.

وصارت تونس مثار اهتمام ومتابعة إعلامية ودبلوماسية بسبب اتهامها بالعنصرية، وذلك بعد خطاب ملتبس للرئيس قيس سعيد في فبراير الماضي بشأن محاذير وجود المهاجرين في تونس بالرغم من التوضيحات اللاحقة التي حرص خلالها على نفي التأويلات السلبية لهذا الخطاب.

وزاد تركيز المنظمات الحقوقية على تونس بعد حملة شعبوية على المهاجرين شهدتها مدينة صفاقس (جنوب شرق) على وجه الخصوص وما تلاها من انتقادات تتهم البلاد بنقل أعداد من المهاجرين إلى الصحراء على الحدود مع ليبيا.

وقد تطور الوضع إلى ردود فعل سلبية من قِبَل الأمم المتحدة ومنظمات دولية، وإعلان مغنين برمجوا حفلات صيفية في تونس عن مقاطعة القدوم إلى تونس كرد فعل على استهداف المهاجرين. وفرض هذا الوضع على تونس أن تخطو خطوة لتبديد هذه المخاوف من خلال الاتفاق مع ليبيا على تقاسم إيواء العشرات من المهاجرين.

والتقى وزير الداخلية التونسي كمال الفقي الأربعاء في مقر الوزارة بالعاصمة التونسية نظيره الليبي اللواء عماد الطرابلسي للتباحث في ملف المهاجرين.

وتم إيواء المهاجرين من الجانب التونسي في مراكز بمحافظتَيْ تطاوين ومدنين (جنوب شرق) و”قدمت لهم الرعاية الصحية والنفسية بالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر التونسي” وفقا لبوزغاية.

ووفقًا لمنظمات غير حكومية، كانت لا تزال في الأيام الأخيرة ثلاث مجموعات من إجمالي نحو 300 مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء تقطعت بهم السبل في منطقة رأس جدير العازلة بين تونس وليبيا.

وأكدت وزارة الداخلية الليبية في بيان الخميس أنه “لم يعد يوجد أي مهاجر غير شرعي في المنطقة الحدودية بين البلدين”.

وفي وقت سابق أكدت منظمات غير حكومية أن عدد المهاجرين العالقين في رأس جدير كان يبلغ 350 شخصًا على الأقل حتى الأسبوع الماضي، من بينهم 12 امرأة حاملًا و65 قاصرًا.

ونددت منظمة الأمم المتحدة في الأول من أغسطس من مقرها في نيويورك بـ”طرد المهاجرين من تونس إلى ليبيا”، داعية إلى “وقف عمليات الطرد على الفور”.

ونفت السلطات التونسية ما أوردته الأمم المتحدة ووسائل إعلام بشأن “عمليات طرد” مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى مناطق حدودية مع ليبيا شرقا والجزائر غربا.

وقال وزير الداخلية التونسي “ما تم نشره من قبل بعض المنظمات الدولية، وخاصة ما جاء في تصريح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة بتاريخ 1 أوت (أغسطس) 2023… يتسم بعدم الدقة ويرتقي إلى درجة المغالطة”.