المستجدات الأمنية في إثيوبيا تعيد ملف سد النهضة مع مصر إلى الجمود

أديس أبابا غير ملزمة بأي اتفاق

القاهرة

لا تزال حالة غياب المفاوضات بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة مستمرة، وحتى الاتفاق الأخير بينهما لم يؤد إلى العودة إلى هذه المفاوضات، ما يشي بعدم مبارحة مربع الجمود، وهو ما استفادت منه أديس أبابا؛ حيث دخلت في مرحلة الملء الرابع من دون التزام باتفاق يعرقلها.

وقالت أرقام نشرها جيولوجيون في مصر إن أثيوبيا وصلت إلى إجمالي تخزين من المياه بلغ 23 مليار متر مكعب، منها 6 مليارات متر مكعب في الأسابيع الثلاثة الماضية التي تلت إعلان البلدين التوصل إلى تفاهم للبدء في مفاوضات جديدة تنهي مهمتها في غضون فترة محددة لا تتجاوز أربعة أشهر، ولم يبدأ ذلك عمليا حتى الآن.

وخدمت مستجدات سياسية وأمنية داخلية رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد للتملص من العودة إلى طاولة التفاوض، عقب إعلان حالة الطوارئ في البلاد بعد اشتباكات اندلعت بين قوات الدفاع الوطني وميليشيات “فانو” في إقليم أمهرة، وهي حجة يمكن توظيفها في إدامة حالة اللاتفاوض، في الوقت الذي يتواصل فيه الملء الرابع بوتيرة جيدة.

ولم تُلزم أديس أبابا نفسها بإجراء محدد تجاه القاهرة باستثناء تصريحات فضفاضة أدلى بها رئيس الحكومة ونفت الإضرار بدولتي المصب (مصر والسودان)، وبيان مشترك خلال زيارته إلى القاهرة في يوليو الماضي لحضور قمة دول جوار السودان.

وتجاهلت الحكومة المصرية التعليق حتى الآن بشأن تأخر انطلاق المحادثات، غير أن آراء البعض من المهتمين بملف المياه في القاهرة رجحت استمرار الوضع الراهن بلا تفاوض، وأن أديس أبابا لن تتردد في استخدام جملة من الحجج للتهرب من العودة إلى طاولة المفاوضات والاستفادة من الوقت للانتهاء من الجزء الأكبر من الملء.

وما يدعم ذلك أن حكومة أديس أبابا اتخذت ما حدث في السودان ذريعة لعدم التوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأن عملية التنسيق في إدارة سد النهضة وحماية دولتي المصب في سنوات الجفاف وآليات تعظيم إنتاج الكهرباء في إطار يخدم الدول الثلاث، حيث ينشغل السودان بالحرب وقيادته تتفرغ لها.

وقال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة إن الضبابية تهيمن على الموقف الإثيوبي الراهن منذ الحديث عن العودة إلى التفاوض مع القاهرة، وتجاهل الاتفاق حول بدء المباحثات تزامنًا مع بدء الملء الرابع، لافتا إلى أن مصر لا تزال تعول على التزام رئيس الحكومة الإثيوبية بتعهداته خلال زيارته إلى القاهرة بشأن التفاهم على بدء الحوار.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “القاهرة تضع في اعتبارها التهرب مثلما كان الوضع في مرات سابقة، عقب مضي نحو شهر على البيان المشترك بين الدولتين (في 13 يوليو الماضي)، كما أن الأوضاع الداخلية في إثيوبيا وحدوث صدامات مسلحة يضعفان آمال انطلاق المفاوضات والالتزام بجدول زمني للانتهاء منها”.

ومن المتوقع أن تخسر مصر هذا العام 25 مليار متر مكعب من المياه تمثل تقريبًا 45 في المئة من حصتها السنوية (55.5 مليار متر مكعب) بسبب الملء الرابع لسد النهضة، وإجمالي ما قد يصل من المياه في اليوم الواحد إلى مصر لن يتجاوز 60 مليون متر مكعب، بينما المفترض أن يصل إليها 600 مليون متر مكعب.

وراهنت مصر على الانخراط سريعًا في مفاوضات جديدة تخفف هذه الخسائر عبر زيادة مدد الملء، على أن يتم تركيب توربينات بشكل سريع تساعد على تمرير مياه الفيضان إلى دولتي المصب بدلاً من حجزها بشكل كامل في بحيرة السد.

وذكر السفير صلاح حليمة لـ”العرب” أن “القاهرة أمامها مساران، أحدهما يرتبط بالأسلوب التفاوضي والحل السلمي من خلال العلاقات الثنائية أو الضغط على أديس أبابا عبر أطراف خارجية، والثاني يتعلق بالاتجاه نحو وسائل الدفاع عن النفس بطرق مختلفة، وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”.

وأكد حليمة أن المسارين لم تبلغهما مصر في الوقت الحالي، انتظارا لتلاشي المهلة المتفق عليها (أربعة أشهر) للوصول إلى اتفاق بين البلدين، ومتابعة عملية الملء التي تتم ببطء، ومراعاة المخاوف من حدوث زلازل في منطقة السد.

وحذر جيولوجيون مصريون أخيرا من إقدام إثيوبيا على الانتهاء من الملء الرابع الذي يصل بالمياه المخزنة إلى 45 مليار متر مكعب وتزايد فرص حدوث زلازل، خاصة أن منطقة السد فيها فوالق وتشققات، وتصاعدت حدة المخاوف إثر حدوث زلزالين في إريتريا بالقرب من الحدود مع إثيوبيا الأسبوع الماضي.

وتطرق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مكالمة هاتفية مع نظيره المصري سامح شكري، في الرابع من أغسطس الجاري، إلى قضية سد النهضة، قائلا “إن القاهرة تتحرك في مسارات متوازية لتحريك الجمود، والأمر لن يقتصر فقط على الولايات المتحدة، وإن أصدقاءها في المنطقة حاضرون في مساعي الضغط على إثيوبيا لإطلاق المباحثات”.

وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن بلينكن شدد على “دعم واشنطن لحل دبلوماسي يحمي احتياجات مصر من المياه ويعزز مصالح جميع الأطراف”.

وأشارت أستاذة العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة هبة البشبيشي إلى أن التدخل الأميركي للضغط على إثيوبيا من أجل بدء المفاوضات يبقى ممكنًا مع تفاقم الصراعات في دول حوض النيل والقريبة منها، خشية أن يؤثر ذلك على المصالح الأميركية التي تعرضت لأضرار بالغة في أفريقيا مؤخرا.

وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “مصر لم تتأكد من أن إثيوبيا ليست لديها رغبة في العودة إلى طاولة المفاوضات بعد وعد قطعه آبي أحمد على نفسه، وفي حال التأكد سيتمثل القرار السليم في الانسحاب من أي مفاوضات مع الجانب الإثيوبي والتقدم بشكوى قانونية للاتحاد الأفريقي الذي يبدو غائبا عن أذهان القاهرة، لأنه لم يفعل شيئا عمليا، في حين أنه يمتلك أدوات تجعله قادراً على المساهمة في حل الأزمة”.

ويرجع عدم نجاح الاتحاد الأفريقي في تحريك المياه الراكدة بين القاهرة وأديس أبابا إلى خلافات مع مصر ربما جعلته لا يقوم بأدوار إيجابية ملموسة. كما أن عدم توجه مصر إليه مباشرة أو عدم ثقتها به، وتفضيل الولايات المتحدة وغيرها، جعله يقتنع بفكرة أن القاهرة تشكك في قدراته ولا تعترف بدوره في حل الأزمات الأفريقية.