الناتو يتمدد في الشرق الآسيوي..

هل التقارب مع اليابان يشكل خطرًا على روسيا؟

"أرشيفية"

واشنطن

لا شك أن توسع حلف شمال الأطلسي إلى الشرق الأقصى يساعد طوكيو على إحياء مجمعها الصناعي العسكري كجزء من قمة الناتو في فيلنيوس في 12 تموز/يوليو 2023 حيث أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ تبني خطة مشتركة جديدة مدتها أربع سنوات للتعاون الأمني تسمى برنامج الشراكة الفردية بين الناتو واليابان 2023-2026.
 
بناءً على محتوى الوثيقة يمكننا القول إنها لن تساعد في تقليل التوتر الجيوسياسي في العالم بل سيكون لها التأثير المعاكس تمامًا كما وأن زيادة حجم التفاعل المخطط له في الخطة يمكن أن يزيد التوتر بشكل كبير في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ويسبب ذلك التقارب استياء الصين.


فالوثيقة التي يطلق عليها باللغة الإنكليزية برنامج الشراكة المصمم بشكل فردي بين الناتو واليابان للفترة 2023-2026، تحتوي على ستة عشر مجالًا ذا أولوية وتغطي مجالات من الأمن على الطرق البحرية وفي الفضاء والإجراءات المشتركة ضد الهجمات الإلكترونية وانتشار المعلومات المضللة للتدريبات العسكرية المشتركة والسيطرة على الأسلحة وعدم الانتشار.
 
التقارب بين الأطلسي واليابان
 
لابد من القول إن الناتو لم يعد ينظر للتوسع في أوروبا فحسب بل يتجه فعليا للتوسع نحو مناطق آسيا وتحديدًا الدول الصديقة القريبة من الصين في إشارة واضحة الى أن التصعيد القادم سيكون بالشرق الأقصى. وبحسب الإستراتيجية الأميركية فالضغط القادم باتجاه الصين من أجل محاصرتها ومنعها من لعب اي دور قطبي في المنطقة لذلك تحاول واشنطن أحكام الطوق حول الصين.


تتركز جهود الأطراف الموقعة على المعاهدة بشكل خاص على تعزيز الإجراءات المضادة للهجمات السيبرانية ونشر المعلومات الكاذبة التي ليس لها حدود جغرافية. وتتم مناقشة هذه البنود من زاوية ما يعتقدون أنها نشر روسيا لأخبار كاذبة حول عملية عسكرية خاصة وكذلك الإجراءات التي تتخذها الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.


وتتركز الجهود لمكافحة المعلومات المضللة، حيث تخطط اليابان وحلف الناتو لتبادل المعلومات والمعرفة حول الصين وروسيا. لقد أكد المشاركون في الاجتماع: "اليابان قريبة جغرافيا من الصين، والدول الأوروبية قريبة من روسيا في حال تمكن المجتمعون من دمج المعرفة المتراكمة حتى الآن بمرونة بين الاتجاهين، فإن القدرات على تحليل وتطوير الاستجابات وايضا ستزداد ".


وبالفعل لقد بدأت اليابان وحلف شمال الأطلسي تعزيز علاقتهما في مجال تبادل المعلومات منذ توقيع اتفاقية حماية المعلومات في عام 2010. وتركز الخطة الجديدة أيضًا على تعزيز قابلية التشغيل البيني بين القوات اليابانية وقوات الناتو وأكدوا في المحادثات أنه من أجل ضمان فعالية التفاعل من المهم أن يكون للمعدات والتكنولوجيات الدفاعية معايير موحدة.


وقد تبنت قوة الدفاع الذاتي البرية اليابانية معايير الناتو لبعض الذخائر. قدمت قوة الدفاع الذاتي الجوية اليابانية المقاتلة F35 ، التي تستخدمها الولايات المتحدة وأوروبا كطائرة رئيسية.
ويتم إيلاء اهتمام كبير في الخطة للتفاعل في المجالات التي ليس لها حدود مادية على سبيل المثال، الفضاء والأمن السيبراني، والتقنيات المتقدمة. لذا يمكننا التحدث عن الطبيعة خارج الحدود الإقليمية للتعاون المتجدد، وكذلك التحول العالمي لحلف شمال الأطلسي إلى مكانة أيديولوجية.
 
الأمن السيبراني 
 
وفي مجال الأمن السيبراني، من المخطط زيادة مشاركة قوات الدفاع الذاتي اليابانية وغيرها في التدريبات التي يقودها الناتو حيث بدأت اليابان عملية التطوير القانوني لتدابير محددة لتنفيذ "الدفاع الإلكتروني النشط" والذي سيصل إلى نظام المهاجم على الويب لمنع المزيد من الهجمات وسيتم إيلاء اهتمام كبير لدراسة تجربة الناتو في مجال الأمن السيبراني.


فعند تحليل الخطة المقدمة، لا بد من القول إنها لا تسهم في الحد من التوتر الجيوسياسي في العالم بل لها تأثير معاكس تماما ولغاية الآن ليست هناك بعثة دائمة لحلف شمال الأطلسي في اليابان لكن الزيادة في حجم التفاعل المنصوص عليها في الخطة الجديدة يمكن أن تزيد التوتر بشكل كبير في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتسبب استياء الصين. فالإجراءات المتخذة في ما يتعلق بروسيا تبدو غامضة أيضًا. يمكن تفسير الوجود المتزايد المحتمل لحلف شمال الأطلسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ سيما في اليابان على أنه محاولة لإنشاء جبهة معادية لروسيا في الشرق الأقصى. وفي ظل الانتشار المزعوم لمعلومات مضللة من قبل روسيا على متن طائرة عن تهديد عسكري كامن للاتحاد الروسي.
 
تجدر الإشارة إلى أنه في ضوء التركيز الكبير في الخطة الجديدة لليابان وحلف الناتو على الاستخدام العسكري لتقنيات اختراق مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية التي تقود الولايات المتحدة تطويرها ينبغي على روسيا ان تزيد من تركيزها على الأبحاث والتطويرات في هذه المجالات.


إذا كان لا ينبغي اعتبار تصرفات اليابان على أنها عدوان على روسيا في تعزيز التعاون مع الناتو فإن اليابان تسعى بالتأكيد لتحقيق أهدافها الخاصة في شكل إحياء قطاع الدفاع الوطني، المنزوع السلاح بعد الحرب العالمية الثانية.


أما سبب التطوير الكامل للمجمع الصناعي العسكري, فيشرح الجانب الياباني تصرفاته من خلال التهديد العسكري المتزايد باستمرار من الصين وكوريا الشمالية وبالتالي توضح اليابان بأن دعم الناتو منطقي في سياق ردع المعتدين المحتملين.