وكالات..
لبنان.. بين "الكارثة الإنسانية"ومخاطر تفكك نظام الرعاية الصحية

"أرشيفية"
فاقمت الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان هشاشة قطاع الرعاية الصحّية المُنهك أساسًا، وأثّرت على قدرة جميع الصناديق العامة على توفير الحماية الاجتماعية الملائمة والرعاية الصحّية الكافية. وأصبحت التغطية الفعليّة التي تؤمّنها هذه الصناديق شبه معدومة بسبب تدهور قيمة الليرة اللبنانية والانهيار الاقتصادي.
يغطّي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نسبة 10% فقط من تكلفة خدمات الرعاية الصحّية، بينما يدفع المضمون نسبة الـ 90% المتبقّية من التكلفة. ونتيجةً لذلك، يلجأ المضمون إلى جهات سياسية لبنانية أو منظمات محلية أو دولية، أو شركات التأمين الخاصّة أو يعمدون الى تسديد النفقات من أموالهم الخاصّة، والتي ارتفعت نسبتها من 33.1% في عام 2018 إلى ما يفوق من85% في عام 2022 .
هذه الحالة المتردية التي وصل إليها قطاع الرعاية الصحّية تُهدّد إمكانيّة الوصول إلى الخدمات الصحّية لآلاف اللبنانيين مع إرتفاع التكاليف الطبّية وزيادة التضخّم، ما شكّلَ تحدّيات للجهات الضامنة وأثّر على عدم الحصول بعض المواطنين على الرعاية الصحية العادلة . وأمست شركات التأمين الخاصّة تتقاضى المدفوعات بالدولار الأميركي فقط، ما جعلها محصورةً بالطبقات الاجتماعية الميسورة .
كارثة القطاع الصحي والطبي
بحسب المركز اللبناني للدراسات (LCPS)إن أكثر من نصف اللبنانيين لا يستفيدون حاليًا من أيِّ شكلٍ من أشكال تغطية الرعاية الصحّية، ما يحدّ من الوصول إلى خدمات الرعاية الصحّية الشاملة وبتكلفة معقولة، ويزيد من الإنفاق الشخصي على الصحّة إلى ما يفوق نسبة الـ85% من إجمالي دخل الأسرة. ووصفَ البنك الدولي الأزمة الاقتصاديّة اللبنانيّة، التي دخلت الآن عامها الرابع، بأنّها واحدة من أسوأ عشر أزمات عالميّة منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث بلغت نسبة التضخم 172% في عام 2023.
كذلك، أثّرت الأزمة الحالية بشدة على توفّر الأدوية الأساسية. وعلى الرغم من الإنفاق الكبير على الأدوية وإنعدام أستراتيجية واضحة ومستدامة من مصرف لبنان ووزارة الصحة، انخفض مخزون الأدوية بنسبة 50% منذ بداية الأزمة الاقتصادية، ما أدّى إلى حرمان أكثر من 70% من اللبنانيين من الحصول على الأدوية الأساسية.
تحدّيات الرعاية الصحّية
مصادر خاصة مطلعة قالت لـ "جسور"، إن وزارة الصحّة العامة في لبنان قد واجهت لعقود العديد من العراقيل في تنظيم قطاع الرعاية الصحّية. فضعفُ الهياكل التنظيميّة، والنقص في الموارد البشريّة المؤهّلة، وسوء البنية التحتيّة،والتدخل والاستغلال السياسي، كلّها عوامل عرقلَت قدرة الوزارة على تأدية وظائفها الأساسية في مجال الصحّة العامة. وأضافت المصادر : وفي ظلّ عدم وجود رؤية مشتركة بين الجهات الرسمية اللبنانية المعنية في قطاع الرعاية الصحّية، مثل وزارة الصحّة العامة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لم تُثمر الجهود المبذولة للتخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية، ولبنان لا يزال يفتقر إلى استراتيجيّة وطنيّة شاملة .
القطاع الصحي و حزب الله
بالإضافة الى الفوضى والإنهيار في قطاع الصحي في لبنان، تتابع المصادر: كانت المستشفيات التابعة لحزب الله، عام 2016، تتلقى 16 مليار ليرة لبنانية سنوياً من وزارة الصحة. وفي فترة تولّي حمد حسن الوزارة،تضاعف المبلغ تقريباً إلى 30 مليارا . مستشفى الرسول الأعظم التابع لحزب الله، وحده حصل على 14.7 مليارات ليرة، في وقت حصلت فيه أكبر ثلاثة مستشفيات في لبنان مجتمعةً المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، ومستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، و مستشفى الروم، وأوتيل ديو دو فرانس، على 16.4 مليارات ليرة لبنانية.
قروض البنك الدولي
وأضافت المصادر الخاصة: واجه العديد من المستشفيات الخاصة التي تقود الاستجابة أثناء تفشي الوباء كورونا في لبنان، مشكلةً في الوصول إلى الأموال التي وفرها البنك الدولي عبر قرض بقيمة 40 مليون دولار أميركي لمساعدة لبنان، وجرى ذلك تحت إشراف حزب الله على وزارة الصحة العامة وإدارته لها، وهو ما عبّر عنه الدكتور جورج غانم، المدير الطبي في "المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية-مستشفى رزق بقوله ، لمنظمة " هيومن رايتس ووتش " ، في كانون الأول / ديسمبر 2020 ، إن وضع المستشفى صعب، ولا " شفافية على الإطلاق في كيفية توزيع المال على المستشفيات ".
حزب الله والادوية الإيرانية
وأشارت المصادر الخاصة الى أنه وفي فترة ولايتيْ الوزراء المحسوبين على حزب الله جميل جبق وحمد حسن، برز عنوان آخر هو الأدوية الإيرانية والسماح بدخولها إلى لبنان. وظهر اسم "شركة ليبيران "وهي شركة استيراد أدوية من بين مؤسسيها هشام الموسوي، وتشارك حالياً في ملكيتها فاطمة الموسوي، وهما ابن حسين الموسوي، العضو السابق في البرلمان عن حزب الله والمستشار السياسي لأمين العام لحزب الله، وابنته . ووفق المصادر دائماً : في موضوع الأدوية الإيرانية، قيل إن جبق وحسن ضغطا على لجنة وزارة الصحة العامة للموافقة على إدخال 25 دواءً إيرانياً عبر" شركة ليبيران " .
مستوى تقديم الخدمات
ولطالما يواجه لبنان منذ بداية الازمة الاقتصادية والسياسية وجائحة كورونا و بعد انفجار مرفأ بيروت مشكلةً في نقص عدد المتخصّصين في مجال الرعاية الصحّية، بما في ذلك الممرّضين والممرّضات وذلك بسبب نقص الحوافز الماليّة وانعدام الاستقرار بإضافة الى الوضع الامني الهش. وقد أدّى ذلك إلى هجرة المتخصّصين بحثًا عن فرص عمل أفضل. إذ مع تفاقم الأزمات في لبنان ، هاجرت الغالبيّة العظمى من المتخصّصين في الرعاية الصحيّة بحثًا عن وظائف تُوفّر لهم مزايا ماليّة وظروف عمل أفضل واستقرار وشبكة أمان اجتماعية .
بناء نظام رعاية صحّية أقوى
أجمعت المنظمات الصحية الدولية، أنه من الضروري إعادة توجيه نظام الرعاية الصحّية نحو الرعاية الصحّية الوقائيّة والأوليّة في لبنان، وتوسيع نطاق الخدمات لتلبية الاحتياجات الصحّية المتغيّرة. تتطلّب مثل هذه الخطوة إصلاحات وارادة وشفافية وحشد الدعم السياسي لإعطاء الأولوية للاستثمار في الرعاية الصحّية الأوّليّة ودعمها، ما يؤدّي إلى تزويد قطاع الرعاية الصحّية الأوليّة بنظامٍ فعّال للرقابة والتوجيه من شأنه تخفيف الأعباء على نظام الرعاية الصحيّة وتخفيض التكاليف. كذلك، فإنّ رفع مستوى الوعي وتغيير العادات الصحّية للمواطينين هما عنصران أساسيّان لتعزيز قطاع الرعاية الصحّية، وذلك من خلال حملات إعلانيّة هادفة تؤكّد أهميّة الرعاية الوقائيّة مقابل الرعاية العلاجيّة.
تدابير وخطط لنظام صحي مستدام
يقول رئيس قسم الجراحة العامة في مستشفى حمود الطبي والمشرف الطبي في مستوصف الحريري في مدينة صيدا اللبنانية،الدكتور ناصر حمود لـ "جسور"، الحقيقة أن الجهات الضامنة والصناديق الرسمية الصحية غير موجودة منذ الأزمة الاقتصادية اللبنانية بالاضافة الى تأثير جائحة كورونا على القطاع، ومن الملفت بعد تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية أصبحت الرعاية الصحية الخاصة والاسشتفاء أقل بعض الشيء من ما قبل الأزمة الاقتصادية وهذا يدل على الارباح الزائدة التي كانت تحصلها الشركات وحاليا نسبة كبيرة من المواطنيين اللبنانيين والمقيمين يتم مساعدتهم ماليا للحصول على الرعاية الصحية من خلال مؤسسات دولية وجمعيات محلية ومن الملاحظ ان الميسورين يعتمدون على التأمين الخاص بالدولار الاميركي .
ويضيف الدكتور حمود: القطاع الصحي تأثر بمغادرة عدد من الاطباء و المتخصّصين، أما قطاع التمريض فالخسارة فيه أكبر بعد هجرة أعداد هائلة من الممرضين والممرضات والتحاقهم بمستشفيات خارج لبنان وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية الصعبة.
أما عن الواقع القطاع الطبي في لبنان، يقول الدكتور حمود يوجد تحديات كثيرة وقطاع الرعاية الصحّية بحاجة لمراجعة وتنظيم ووضع خطط مستدامة، فضعفُ الهياكل التنظيميّة بموضوع البطاقة الصحية والاستشفاء، والجهات الضامنة، والدواء، والنقص في الموارد البشريّة المؤهّلة، بالتالي يجب العمل لتعزيز آليّات المساءلة والشفافيّة وهذا أمر بالغ الأهميّة لتحقيق الإصلاحات الصحّية، ويمكن تحقيق ذلك بنجاح من خلال النقابة ووزارة الصحة وتساوي الادوار والراعية بين المستشفيات في المدن والأرياف .