ترجمات..

لماذا نستخدم مصطلحات "غريبة" خلال حديثنا مع الأطفال؟

أرشيفية

روسيا

بعد انتهاء رحلة التسعة أشهر داخل رحم الأم، يخرج الطفل بلغة لا يعرف سواها، البكاء. فالطفل يبكي عندما يجوع، وعندما يشعر بالألم، عند البرد أو الحر، أو عند النعاس وحتى عند الاستيقاظ. حاول المختصون تحليل أصوات بكاء الأطفال، وطوروا تطبيقات ذكية تحلل ترددات أصواتهم لمساعدة الأمهات على فهم المولود الجديد.

لكن، لن تبقى لغة البكاء هي لغة تواصلهم الوحيدة، فالطفل يكبر ويتعلم ويبدأ بدراسة محيطه، فيلتقط أولى كلماته التي غالباً ما تكون "دادا، ماما". وعندما يكبر يبدأ بمحاولة شرح ما يريد عن طريق استخدام الكلمات المتقطعة، فإذا أراد الماء يطلب الماء، عندما يجوع يطلب الأكل، وعندما يشعر بالنعاس يطلب النوم.. لكن ما هي المصطلحات التي يلجأ الأطفال إلى استخدامها لإيصال مطلبهم؟

لنتخيل معاً هذا السيناريو.. يبدأ الطفل بالبكاء، تحاول الأم تهدئته عبر طرق مختلفة، إما باللعب معه أو بإطعامه، في تغيير حفاضه أو في هزه، لكن لا جدوى، فتبدأ الأم بالسؤال، هل يريد طفلي الماء؟ فتسأله: "مبو"؟ تقوم بتقديم الماء، إلا أن طفلها يستمر بالبكاء، فيقوم بالإشارة إلى كيس من الحلوى، فتلتفت إليه وتقول: " لا، الحلوى بح".

في فسحة حول المنزل، تقوم بتجهيزه وتقول: "يلا باي؟".

قررت الأم في هذه الحالة، أن طفلها يُخلق مدركاً لمصطلحات مثل "بح، واوا، باي، مبو، نيني،..."، إلا أنها في الحقيقة مصطلحات يستخدمها الأهل مع أطفالهم من دون إدراك، فيكبر الطفل وهو يشير إلى الألم بـ"واوا" وإلى الفسحة بـ"باي"، حتى بات الأهل يظنون أن هذه المصطلحات هي لغة التواصل مع الطفل. وهنا نسأل، هل يجوز أن نستخدم هذه المصطلحات مع أطفالنا؟ وهل يساعد هذا في تأخر النطق لديهم؟

تجارب من أرض الواقع

بحسب المعهد الوطني الأميركي للصم واضطرابات التواصل الأخرى يعاني 1 من كل 12 (7.7%) من الأطفال الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و17 عاماً من اضطراب يتعلق بالصوت أو الكلام أو اللغة خلال عامهم الأول.

ينتظر الأطفال حديثي الولادة أن نقوم نيابة عنهم بجميع الأمور التي يحتاجون، فليس عليهم سوى البكاء، وليس علينا سوى محاولة الفهم.. قابلنا اثنتين من الأمهات عاشت كل منهن تجربة مختلفة.

هديل موسى أم لاثنين من الأولاد تقول: "عندما كان ابني يبلغ من العمر شهرين، حرصت على دراسة الطرق المثلى للتحدث مع الأطفال ولجأت إلى اختصاصية في هذا الشأن لترشدني لتلك الطرق، لاكتشف أن أفضل أسلوب متبع هو استخدام لغتنا. ولكوني امرأة عاملة، اضطُررت إلى وضع ابنتي في حضانة، وبعد مرور شهرين من الزمن، باتت ابنتي تشير إلى الماء بكلمة "مبو" وإلى الأكل بكلمة "نيني"، فاستوقفني الموضوع وقمت بمراجعة معلمة الحضانة، فكان جوابها بأن جميع معلمات الحضانة يستخدمن هذه المصطلحات لأن أغلب الأطفال يعرفونها".

أما السيدة مها عناني، وهي أم لثلاثة من الصغار تخبرنا: "لطالما استخدمت هذه المصطلحات مع أبنائي منذ صغرهم ودون إدراك من جانبي، هي مصطلحات كبُرت وأنا أسمعها من إخوتي وجيراني، فابنتي التي تبلغ من العمر 5 سنوات الآن، كانت تشير إلى الألم والجوع والنعاس بهذه المصطلحات. ولكن، استوقفني الموضوع عندما زارتني جارتي التي تسكن في شمال أفريقيا وتتحدث العربية بطلاقة، وسمعت ابنتي تتكلم بهذه المصطلحات التي لم تفهمها هي وأولادها، فقالت لي: لماذا تصرون على استخدام مصطلحات لا وجود لها من الأساس مع أطفالكم؟ لماذا لا تتكلمين معهم بلغتك الطبيعية التي يفهمها الجميع؟

هل من الصواب استخدام هذه المصطلحات مع أطفالنا؟

تقول مستشارة الطفولة والتدخل المبكر الدكتورة سهى طبال لبي بي سي: "قد يميل بعض أولياء الأمور في العديد من الثقافات للحديث مع الأطفال بلغة طفوليّة، اعتقاداً منهم أنّ ذلك يُيسّر تطوير أطفالهم للغة التعبيرية. هُنا لابُد أن نُدرك ضرورة استخدام كلمات بسيطة، صحيحة، وواضحة بحيث تُيسّر تطوُّر اللغة لدى الأطفال. (مثال: بدلا من أن أقول "مبو"، يمكنني أن أشير للطفل إلى الماء وأنا أقول: "مي"/ بدلا من أن أقول "بح" يُمكنني أن أُشير إلى الوعاء الفارغ وأقول: "خلص") كلمتان قصيرتان واحدة منهما تُقال بلغة طفولية والأخرى بلغة الكبار، ولكن الكلمة الثانية تُيسّر تطوُّر اللغة بطريقة صحيحة لدى الطفل واستخدامه لها بطريقة وظيفية لاحقاً.

هل من الممكن أن يساعد هذا الأمر على تأخر النطق عند الأطفال؟

بحسب المعهد الوطني الأميركي للصم واضطرابات التواصل الأخرى يعاني 1 من كل 12 (7.7%) من الأطفال الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و17 عاماً من اضطراب يتعلق بالصوت أو الكلام أو اللغة خلال عامهم الأول.

تقول الدكتورة سهى: "هو لا يُؤخرّ الكلام، وانما يُؤخر اكتساب اللغة الوظيفية الصحيحة التي يستمر استخدامها مع الطفل لاحقا، فتطوير اللغة الاستقبالية لدى الطفل يبدأ من الكبار، اذ يُخزّن الطفل الكلمات التي يسمعها من الكبار ليُعبّر باستخدامها لاحقا".

تقول السيدة مها: "لم أواجه مشكلة تأخر النطق مع ابنتي، لكن ابنتي واجهت مشاكل في تركيب الجمل الصحيحة، خاصة إذا كانت هذه الجمل تحتوي على هذه المصطلحات، فعندما كانت تريد طلب الماء، كانت تتوقف عند الكلمة وترتبك، وكأنها تشاور نفسها: "هل أشير إلى الماء بماء؟ أم بـ"مبو"؟"

هل من الممكن أن تخلق هذه المصطلحات مشاكل اجتماعية لدى الطفل أم لا؟

ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في تعزيز شعور العزلة لدى الأطفال ورغبتهم في البقاء وحدهم.

ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في تعزيز شعور العزلة لدى الأطفال ورغبتهم في البقاء وحدهم. فأغلب هذا الجيل، لا يمكن فصله عن مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم العرب الذين لا يتكلمون العربية، بل الإنجليزية، ما يجعل أمر انخراطهم مع محيطهم أصعب بكثير.

تقول الدكتور سهى طبال: "تعزيز الأسر أطفالها سواء بالتندر على طريقتهم، أو تكرارها من ورائهم (مثال: حين يُكرر الطفل كلمات طفولية سمعها في الحضانة)، قد يكون بمثابة مُعزز للطفل لاستخدامها لاحقا، أو الاستمرار بالتعبير من خلالها، وهذا قد يُعرضه للاحراج مع أقرانه إن استمر استخدامه لها عند التحاقه بالمدرسة.

أفضل طريقة للتحدث مع أطفالنا

تقول مستشارة الطفولة والتدخل المبكر الدكتورة سهى طبال لبي بي سي: "في البداية، علينا أن نُسمع الطفل كلمات صحيحة وبسيطة، وحين يبدأ الطفل بالكلام مستخدما كلمة واحدة صحيحة، علينا أن نُعيدها ونضيف لها كلمة ثانية، مثال: "حين يقول الطفل راح، يُمكن أن تقول له الأم: راح بابا/ حين يقول مي، يُمكنها أن تقول له "بدّك مي"، وحين يبدأ بالحديث بجمل من كلمتين يمكن أن تُكررها الأم وتضيف عليها كلمة أخرى لتُيسر عليه تطوير الجمل من ثلاث كلمات."

ونظراً لما قيل سابقاً، قد نلاحظ أن العديد من أغاني الأطفال تساعد على تعزيز هذه اللغة لدى الأطفال، كأغنية "أسناني واوا، ديدي واوا، بدي باي..." فربما، يجب أن نبدأ في استخدام لغتنا مع أطفالنا، لتجنب وقوعهم في مشاكل اجتماعية.

ما هو أصل هذه الكلمات؟

اللغة السريانية من اللغات السامية نسبة إلى سام ابن سيدنا نوح كما أنه تم أخذها من اللغة الآرامية، وقد نشأت تلك اللغة في 1000 ق. م

الكلمات السريانية في اللغة العربية متعددة، فاللغة العربية شأنها شأن باقي اللغات التي تأثرت بغيرها من اللغات وخاصة عند الاختلاط وكثرة الفتوحات، فاللغة السريانية واللغة العربية تنتميان للغة الكنعانية، وقد يكون هذا هو سبب التقارب بينهما، فمثلاً:

كلمة "مبو": تأتي من كلمة "امبوا" وتعني اشرب بالقبطية المصرية عني الماء باللغة السريانية

كلمة "واوا" تعني الألم بالفرعونية

كلمة "بح": تعني انتهى بالفرعونية والسريانية

كامة "نانا" أي النوم: تعني النوم بالسريانية والآرامية

كلمة "بعبع": تعني العفريت بالرسيانية والفرعونية

كلمة "هم هم": تعني الأكل بالسريانية والآرامية

وهنا تجدر الإشارة لماهية اللغة السريانية وعلاقتها باللغة العربية، فاللغة السريانية من اللغات السامية نسبة إلى سام ابن سيدنا نوح كما أنها انبثقت من اللغة الآرامية، وقد نشأت تلك اللغة في 1000 ق. م

وهي اللغة الرسمية والوحيدة للتواصل في منطقة الهلال الخصيب في الفترة التي تتراوح بين القرن السادس قبل الميلاد، إذ استمرت بعد ميلاد المسيح وقد خضعت للعديد من التطورات حتى أصبح اسمها اللغة السريانية.

وبلغ الترابط بين اللغتين العربية والسريانية ذروته تزامنًا مع بدء الدولة الأموية، إذ كانت اللغة السريانية هي اللغة الرسمية للدواوين والهيئات في هذه الدولة، واستمرت سيادة اللغة السريانية حتى بداية العصر المملوكي - الذي أعاد للغة العربية نفوذها وسيطرتها من جديد.