صحف..
استراتيجيّة توازن للردع لا للحرب

"أرشيفية"
دخلت منطقة الشرق الأوسط المومنتم الجديد مع دخول قوّات أميركيّة لإقفال طريق الامداد الايراني للميليشيات العاملة تحت جناح الحرس الثّوري. ولكن حتّى الساعة لا يوجد أيّ قرار حاسم بتوجيه ضربة حاسمة لكن الاحتمالات كلّها مفتوحة.
ولا يُستبعَد أيّ خيار. فالأمن القومي العالمي بات يتأثّر من بوّابة الشرق الأوسط بشكل أكبر؛ هذه البوّابة التي لم تعرف استقرارًا منذ أكثر من ثمانية عقود. ويبدو أنّ السياسات الدّوليّة تتّجه أكثر فأكثر نحو تصفير المشاكل في هذه المنطقة من العالم.
ضرب إيران من قبل أميركا
وفي هذا السياق كان لـ"جسور" حديث مع الدّكتور "سامي المرشد" الباحث السعودي في العلاقات الدّوليّة، ومدير مكتب تنمية الاتّصالات بالاتّحاد الأوروبي في جنيف سابقًا، وعضو جمعيّة العلوم السياسيّة في المملكة الذي لا يتوقّع أن يتمّ ضرب إيران عسكريًّا من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة. ويعلّل المرشد ذلك لأنّ " الحشود الأميركيّة هي مسألة طبيعيّة فهذه الأساطيل تأتي وتذهب حسب تطوّرات المنطقة الأمنيّة ومصالح أميركا وشركائها."
ويذكّر المرشد في هذا السياق أيضًا بأنّ "المملكة ودول الخليج شركاء لأميركا منذ فترة طويلة؛ بغضّ النّظر عن الاختلاف في بعض السياسات، ولكن الشراكة الأمنيّة وأمن الخليج هي في صلب الاستراتيجيّة الأمنيّة الأميركيّة. والتنسيق السعودي هو دائمًا في هذا الشأن ثابت وقوي."
فبالنسبة إلى المرشد يرى بأنّ وجود القوات الأميركيّة هو للرّدع. ويتابع " موافقة المملكة على الاتفاق الثلاثي برعاية صينيّة بإعادة العلاقات مع إيران هي فوتّت الفرصة على مّن يحاول زعزعة امن الخليج وإثارة حرب غير ضروريثة مع إيران. ربّما قد يصبح مستنقع طويل الأمد. " ويعيد ذلك إلى ذكاء الديبلوماسيّة السعوديّة حيث بفضلها تمّ استبعاد هذا الاحتمال.
مشاريع الجمهوريّة الاسلاميّة التوسّعيّة والمملكة العربيّة السعوديّة
وعن العلاقة السعوديّة – الايرانيّة يلحظ المرشد أنّ "كلّ ما حصل لم يعجب إسرائيل. لكن المهمّ أمن واستقرار الدول العربيّة. فالعلاقة مع إيران لم تتراجع لا بل تتقدّم عبر زيارة وزير الخارجيّة الايراني الذي أجرى محادثات ذات مستوى عالٍ من المصداقيّة والجدّيّة وقابل وزير الخارجية سمو ولي العهد لمدّة طويلة وهنالك تطور في العلاقات الثنائيّة وأكّدا على تنفيذ الاتّفاقيّات الأمنيّة بين الطّرفين."
ويكشف المرشد لـ"جسور" أنّ الشرط السعودي لنسج علاقات ندّيّة مع الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران هو "أن تتوقّف (إيران) تدريجيًّا عن دعم الميليشيات المسلّحة من خارج سلطات الدول مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن؛ وأن تتوقّف هذه السياسة الايرانيّة التي ثبت فشلها حيث لم تستطع إيران تنفيذ أيّ شيء إيجابي لا للدول التي أوجدت ميليشياتها فيها ولا حتّى للشعب الايراني. إضافةً إلى احترام السلام وحدود الدّول وأن تتعامل مع الدّول العربيّة بنديّة وتحقيق المصالح المشتركة بينها وبين الدّول العربيّة."
فالأمور تسير في المسار الصحيح والمشاريع الباقية كلّها من المشروع الإيراني إلى المشروع الأخواني التركي وحتّى المشروع الاسرائيلي هي إمّا واجهت عقوبات أو اندثرت أو تراجعت ووصلت إلى طريق مسدود. هذا ما اكّده الدّكتور سامي المرشد في حديثه لـ"جسور" في الموضوع الايراني – السعودي، واليهودي وحتّى في إشارته إلى الموضوع الإخواني الذي تقوده تركيا.
اللاعب الصيني الجديد ودور المملكة
لقد عوّل الغرب كلّه على أنّ المملكة العربيّة هي الدّولة الوحيدة القادرة على إقناع الصين بالمشاركة في هذه مبادرة السلام. ولقد استطاعت المملكة أن تحقّق ذلك في ظلّ رفض المبادرات الفرنسيّة والتركيّة والصينيّة لأنّ هذه الأطراف كلّها كانت منحازة. لكنّ المملكة اتّخذت موقفًا واضحًا من القضيّة الاوكرانيّة الروسيّة. فيؤكّد الدّكتور سامي الفمرشد في حديثه لجسور أنّ " المملكة رفضت العدوان على أوكرانيا كتسجيل موقف يتواقف مع القانون الدّولي الذي تؤمن به. ولكنّها في الوقت نفسه لم تنحاز لأيّ طرف من الأطراف، وحافظت على هذه المساحة. وبذلك كسبت احترام روسيا والغرب والصين على السواء." فبالنسبة إليه "مشاركة الصين في جهد دولي رعته المملكة العربيّة السعوديّة هو بالتأكيد يطمئن روسيا التي كانت تصرّح بأنّ ثقتها بالمملكة لا تتزعزع." ويختم حديثه المرشد في هذا السياق برأيه الشخصي ومفاده أنّ روسيا رحّبت بهذا الاجتماع. فهي تريد أن تتقدّم مساعي السلام ولو بمبادرة سعوديّة لأنّ هذه المسألة باتت تؤثّر سلبًا في مختلف الميادين الروسيّة.
في المحصلة، إنّ مشاركة الصين في محادثات جدّة من خلال مبعوثها إلى أوكرانيا "لي هوي" فرضت نفسها كلاعب جديد في منطقة الشرق الأوسط. فالتنين الأحمر لا يوفّر أيّ فرصة قد تمكّنه من ولوج المنطقة. وقد تكون من نتائج اتفاق بكين بين المملكة وإيران تبني استراتيجية التوازن الكلاسيكية بهدف استيعاب الموقف الروسي، إضافةً إلى مسألة العلاقات الندّيّة بين البلدين. وهكذا تبدو المملكة كلاعب دوليّ نجحت بفرض ذاتها بين الدّول الكبرى من الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى روسيا وحتّى الصين. فهل ستستطيع هذه السياسة التي تقودها المملكة عبر اللعب على تنسيق التوازنات الدّوليّة عبر تحقيقها استراتيجيات توازنات للردع أن تفرضها لاعبًا دوليًّا محايدًا في ساحة دوليّة من دون أن تدخل في أيّ حرب مباشرة فيها؟