السوداني المحاصر بالأزمات.. هل ينقذه بايدن؟

"أرشيفية"
مطباتٍ مزدوجة تصادف الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، أولها أزمة كركوك التي ازدادت فيها ارتدادات قرار إعادة مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني التي يشغلها الآخرون (حسب ما هو مذكور في المنهاج الوزاري ) المكتوب بمداد السوداني، والذي تراجع عنه رئيس الوزراء بعد المصادمات التي حدثت في المدينة و كذلك قرار المحكمة الاتحادية بضرورة تأجيل تسليم المقر للحزب الديمقراطي الكردستاني، حتى يتم البت بالدعوى المرفوعة حول عائدية الأرض، وكذلك ما واكب هذا القرار من احتجاجات (قومية ) حول اصل عائدية كركوك، وذلك في حراكٍ لم يشهده العراق منذ سنوات عدة خصوصاً بعد توحد الأهداف القومية والمذهبية في حراك تشرين الذي أصبح جامعاً للعراقيين رغم اللغط والتشويه الذي مورس حزبياً ضد هذا الحراك.
تسبب هذا القرار القضائي وتداعيات الازمة كذلك، بتراشق إعلامي بين مسؤولين في حكومة إقليم كردستان وساسة مقربين من الإقليم من جانب، ونواب من الإطار الشيعي وساسة مقريبين من الإطار من جانب آخر.
بالتزامن مع هذا التداعي السياسي، أرسلت حكومة بغداد مبلغ 500 مليار دينار، رواتب الموظفين في إقليم كردستان، غير أن مسؤولي الإقليم عارضوا هذا الرقم واعتبروا أن الإقليم بحاجة الى ضعف هذا المبلغ من أجل تسديد الرواتب، كذلك طالب مسؤولون في الإقليم وعلى رأسهم مسرور بارزاني بضرورة التزام الحكومة المركزية بإرسال حصة الإقليم في الموازنة العامة الاتحادية، ليرد المتحدث بإسم الحكومة العراقية، بأن ما في ذمة حكومة إقليم كردستان من الواردات النفطية وغير النفطية هو ثلاث اضعاف استحقاقها المالي من حكومة المركز !
أزمة حدود مع دولة الكويت
قرار آخر صدر عن المحكمة الاتحادية العراقية، قضى بإلغاء اتفاق ترسيم الحدود العراقية- الكويتية المنشور في جريدة الوقائع العراقية بعد المصادقة عليه في البرلمان العراقي إبان فترة حكومة نوري المالكي الثانية .
هذا القرار تسبب بأزمة شبه دبلوماسية مع الجانب الكويتي الذي رفض نوابٌ عن مجلس الأمة الكويتي القرار الصادر واعتبروه انقلاباً على القرارات الدولية التي تلت غزو نظام صدام حسين عام 1991 وما ترتب ذلك عن عقوبات اقتصادية على العراق بالتزامن مع قرارات أممية ألزمت النظام السابق بقبول الترسيم البري والبحري للحدود مع الكويت. في حين طالبت دول الخليج بشكل رسمي، العراق بضرورة إكمال اجراءات ترسيم الحدود البحرية التي قال إنها المُتفق عليها رسمياً عام 2013 .
تداعيات دولية لكِلا الازمتين !
في وقتٍ يبحث محمد شياع السوداني عن لقاء قريب مع الرئيس الأميركي جو بايدن، تطفو أمامه هاتان الأزمتان وفي إحداهما وهي أزمة كركوك، تعهد السوداني سابقاً من ضمن شروط تشكيل حكومته، بإعادة ما يطالب به الحزب الديموقراطي الكردستاني ما يعتبره حقه في المدينة، وهذا الاتفاق او اتفاق تشكيل الحكومة بالكامل لا بُد أنه تحت نظر الفاعل الدولي، بالخصوص الأميركي الراعي الرئيسي للنظام السياسي العراقي و إن كان بالضرورة ليس هو المتحكم الأول بهذا النظام !
ويرى مراقبون، أن للكرد وخصوصًا الحزب الديموقراطي الكردستاني ( لوبي ) سياسي قوي قريب من الادارة الاميركية في البيت الأبيض والكونجرس، كانت له آراء سابقة خصت النظام السابق قبل عام 2003، كذلك كانت له قوة ونفوذ إبان سلطة بول بريمر الحاكم المدني الاميركي للعراق و كان لهذا النفوذ الأثر الكبير في كتابة الدستور العراقي الذي فيه العديد من عناصر القوة لـ "المصالح الكردية"، منها المادة 140 الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها، كذلك فقرة معارضة ثُلثي ناخبي ثلاث محافظات لتغيير الدستور أو اي تعديل دستوريٍ ما، ما يراه مراقبون أنه فُصّل تماماً لما ترتئيه المصالح الكردية.
من جهةً أخرى، تملك الكويت نفوذا اعتباريا ومظلوميةً سابقة مع العراق، يعرفها الجانب الأميركي الذي قام بنفسه مع 42 دولة أخرى بتحرير الكويت من الاجتياح العراقي عام 1991 وهو نفسه من أشرف على القرارات الدولية التي صدرت من مجلس الأمن الدولي بعد انتهاء الحرب آنذاك .
عطفاً على ما ورد أعلاه من نفوذٍ كويتية وكردية في واشنطن فضلاً عن نفوذ كويتية في المجتمع الدولي ومجلس التعاون الخليجي، فإن الحكومة العراقية و رئيسها محمد شياع السوداني يقفان أمام مطباتٍ حقيقية تعترض أجندة لقائه ( محتمل الحدوث ) مع الرئيس الأميركي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين في شهر ايلول الجاري في نيويورك، والذي كان يتمناه الفاعل السياسي العراقي أن يكون في البيت الابيض وليس على هامش إجتماعات الجمعية العمومية والذي يكون الاجتماع فيه بشكلٍ مستعجل وتعارفي ورمزي أكثر مما هو متعمق أو ذي جدوى سياسية تحتاجه الحكومة العراقية في الوقت الحالي لتثبيت ركائز الدعم الدولي الحكومة العراقية الحالية .
وسط هذه الأزمات التي حدثت نتيجة قرارات المحكمة الاتحادية العراقية والتي يراها الكثير من القانونيين العراقيين أنها قرارات صحيحة وتضمن السيادة العراقية على أراضيه في كركوك وفي الحدود البحرية مع الكويت، إلا أن هذه القرارات القضائية كانت سبباً كذلك بحدوث حرجٍ حكومي ربما في الداخل والخارج على السواء . داخلياً، تسبب قرار المحكمة الاتحادية بمشكلة رُحلّت مؤقتاً وبقيت كالنار تحت الرماد مع حكومة إقليم كردستان فيما يخص كركوك .
خارجياً، تسبب قرار المحكمة الاتحادية بمشكلة دبلوماسية مع الكويت ومع مجلس التعاون الخليجي بالعموم والدليل دعوة المجلس الوزاري الخليجي، للعراق بضرورة اكمال اتفاق الترسيم واحترام القرارات الدولية والاتفاق المُسبق بين الكويت والعراق، وهذا يعني تداعياتٍ سلبية تؤثر على وضع العراق وعلاقته مع المحيط العربي والدولي، والتي عادت بشق الانفس لوضعها شبه الطبيعي بعد حراكٍ دبلوماسي مكوكي لحكومة حيدر العبادي 2014-2018 وحكومة مصطفى الكاظمي 2020-2022 ، و اللتان كان لهما الاثر الكبير في عودة علاقات العراق بمحيطه العربي بالخصوص، بعد فترة جفاء طويلة منذ عام 1991 .
تداعياتٌ أخرى للأزمة مع الكويت
كما يرى مراقبون أن أزمة ترسيم الحدود البحرية مع الكويت ستمتد آثارها لأزمة ترسيم الحدود البحرية بين الكويت وايران والنزاع الحاصل على حقل الدرة النفطي الذي تدعي الكويت والسعودية ملكيته من جهة، و تدعي إيران ملكيته على ثلثٌ منه من جهة ثانية وتطلق عليه اسم حقل ( آرش ) وهذا ما ترفضه السعودية والكويت، كذلك يدعي العراق بملكية هذا الحقل وفق وثائق تاريخية.
و في حال استمرار أزمة ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت، يعني ذلك استمرار أزمة ملكية حقل الدرة بين الكويت والسعودية شراكةً من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، وهذا يعني في النهاية مشكلة مع الولايات المتحدة الاميركية التي لا ترغب بحصول تقدم إيراني في أي موقعٍ كان !