استعادة الشعبية بزيادة الأجور والمعاشات وإسقاط ديون المتعثرين

السيسي يمهد لترشحه للرئاسة بقرارات تخفف الضغوط المعيشية

حملة انتخابية قبل الأوان

القاهرة

استبق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرب الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية بتعزيز شرعية نظامه وتأكيد انحيازه للبسطاء باتخاذ قرارات السبت استهدفت زيادة مظلة الحماية الاجتماعية والحد من ارتفاع غضب الشارع أمام غلاء المعيشة والأسعار والإجراءات الاقتصادية القاسية.

وقرر السيسي خلال زيارة إلى محافظة بني سويف، جنوب القاهرة، تحسين أجور العاملين بالجهاز الحكومي ورفع الحد الأدنى لرواتب موظفي الدولة وشركات قطاع الأعمال العام وغيرهم، ليصبح 4 آلاف جنيه شهريا (130 دولارا) بدلا من 3500 جنيه حاليا (نحو 115 دولارا) مع إسقاط الغرامات والديون على صغار المزارعين المتعثرين.

وأعلن الرئيس المصري مضاعفة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لأصحاب المعاشات لتصبح 600 جنيه (نحو 19.5 دولار) بدلا من 300 جنيه، ويصل عدد المستفيدين منها إلى 11 مليون مواطن، ورفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25 في المئة، مع زيادة الفئات المالية الممنوحة للمستفيدين من برنامج الدعم الاجتماعي “تكافل وكرامة” بنسبة 15 في المئة، ويضم خمسة ملايين أسرة.

وترى دوائر سياسية أن المساعدات الجديدة للموظفين والبسطاء محاولة لتعزيز شرعية النظام المصري وعدم إثارة منغصات سياسية بالتزامن مع اقتراب إجراءات الانتخابات الرئاسية، حيث يرغب السيسي في عدم تفتيت الكتلة الشعبية الموثوق بدعمها، وتقليل تأثير الأعباء المعيشية على العلاقة مع رأس السلطة.

وقال الرئيس السابق لحزب الكرامة محمد سامي لـ”العرب” إن قرارات السيسي أول خطوة واقعية تسبق إعلانه الترشح، وكأن الأمر يتطلب بعضا من السخاء على الناس لتعزيز الشعبية التي تأثرت جراء الإجراءات الاقتصادية الصعبة.

وحمل اختيار السيسي لمحافظة بني سويف ليعلن قراراته هدفا معنويا، لأن هذه المحافظة شهدت أعلى معدل وفيات بين المصريين الذين لقوا حتفهم في ليبيا جراء الفيضانات الأخيرة، وأغلبهم من أسر فقيرة، بالتالي رغب في توصيل رسالة إلى الشارع من منطقة عانت تبعات نكبة إنسانية ليكون خطابه واقعيا.

وبدا الخطاب هادئا وبسيطا وشعبويا دون أن يوجه حديثه للنخبة، واختلف أسلوبه كثيرا عن سياق أحاديثه التي اعتاد التطرق فيها إلى التحديات والإنجازات التنموية ومزايا الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة وإلقاء مسؤولية الغلاء على ظروف سابقة مثل الثورات، وأخرى راهنة مثل الحرب الروسية – الأوكرانية.

وقال السيسي أمام حشد جماهيري من البسطاء في نبرة تقترب من كونه مرشحا رئاسيا “أنا واحد منكم، وعشت نفس ظروفكم في الماضي، وشاء القدر أن أصل إلى هذا المنصب.. أشكركم على الصبر والتحمل، وأعي تماما تلك الأعباء الواقعة عليكم، وأؤكد لكم أن المواطن البسيط هو الهدف الأهم عند الدولة”.

تزامنت قرارات السيسي مع ارتفاع نبرة الغضب في الشارع ضد الحكومة لإخفاقها في الحد من تبعات موجة التضخم وارتفاع الأسعار، وشعور شريحة كبيرة بأن القادم أسوأ، ولا يوجد شعاع نور في المستقبل القريب، أمام عدم امتلاك الحكومة حلولا للأزمات الاقتصادية المتراكمة.

وأكد محمد سامي لـ”العرب” أن هذه القرارات خطوة إيجابية، لكنها غير كافية أمام موجات الغلاء المستمرة، فقد أصبح النظام مقتنعا أن تخفيف الضغوط الاجتماعية أقرب الطرق إلى تحقيق الهدوء السياسي بحكم أن النسبة الأكبر من السكان فقراء.

ويستثمر خصوم النظام المصري وبعض المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة في تصاعد حدة الأزمات الداخلية لتحريض البسطاء على الخروج إلى الشارع احتجاجا على أوضاعهم، وهو ما يدفع السيسي لتثبيت قواعده الشعبية بشتى السبل، مهما كانت هناك صعوبات اقتصادية وعجز موازنة الدولة عن توفير المزيد من برامج الحماية الاجتماعية.

ويقول مراقبون إنه يصعب فصل قرارات السيسي لتحسين مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية عن التوقعات المرتبطة بالمزيد من تراجع قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، مع إصرار صندوق النقد الدولي على حتمية اتخاذ قرارات عاجلة لإنقاذ الاقتصاد المحلي من التدهور، ما يحرج النظام المصري.

ولم يعد الرئيس المصري معنيا بالتركيز على تدشين مشروعات تنموية ضخمة يجذب من خلالها انتباه المواطنين بقدر ما أصبح مهتما بالتخفيف من الظروف المعيشية أمام تنامي الشعور داخل بعض دوائر السلطة بأن هناك غضبا مكتوما يصعب تجاهله، ولا بديل عن مجاراة التذمر بقرارات إغاثية عاجلة.

وهناك دوائر قريبة من السلطة على قناعة بصعوبة خوض السيسي الانتخابات لولاية ثالثة دون قرارات تخفف من حالة الإحباط التي تسيطر على الشارع جراء القرارات المتهورة من جانب الحكومة بإضافة أعباء جديدة في صورة ضرائب ورفع أسعار خدمات من مياه وكهرباء ومشتقات بترول وتقليص الدعم المقدم للبسطاء.

ويضيف المراقبون أن النظام أدرك حقيقة هامة مفادها أن المصريين وإن كان صبرهم طال على ظروفهم المعيشية الصعبة ويستقبلون الصدمات باحتجاج صامت، إلاّ أنهم وصلوا إلى مرحلة عدم القدرة على الاستمرار بلا تدخل جاد من الدولة لضبط البوصلة والتوازن بين الإنفاق على التنمية والإنفاق على تحسين الأحوال الاقتصادية.

واستقبلت شريحة كبيرة من المواطنين قرارات السيسي باستحسان ظهر في تعليقات بعضهم على الفضاء الإلكتروني، لكن لا تزال هناك فئة ترى أنها لن تحقق الحياة الكريمة للفئات المستهدفة نتيجة الغلاء وصعوبات المعيشة، ولا بديل عن توسيع قاعدة الإجراءات عبر حلول ناجزة ودائمة، وليس مسكنات حكومية لأهداف سياسية.

وهناك مواطنون غير مرتاحين أو مطمئنين للقرارات التي أعلنها السيسي، فإن ظهرت منحازة إليهم قد تكون مقدمة لقرارات اقتصادية قاسية، باعتبار أن الحكومة اعتادت أن تمنح باليد اليمنى وتأخذ باليسرى، وهي حالة نفسية تسيطر على قطاع كبير من المصريين مع كل زيادة في الأجور أو الدعم وبرامج الحماية.

وتعكس الشكوك في نوايا الحكومة أن حالة الثقة بين الطرفين وصلت إلى مرحلة متدنية، وفي كل مرة يتحمل السيسي وحده تبعات ذلك، على الرغم من إعلانه الانحياز للبسطاء، ما يتطلب المزيد من الإجراءات والبرامج والخطط التي ترمم العلاقة مع الشارع، إذا أراد السيسي تجييش الفقراء خلفه ضد منافسيه في الانتخابات المقبلة.