بين "اللقاء الوطني" و"منسقية السّلم الأهلي": عن الإعلام وخطاب الحرب

"أرشيفية"

لندن

شهدنا في الأسابيع الأخيرة تحركات لعدد من الهيئات الوطنية والإعلامية والدينية تحت عنوان: "مواجهة خطاب الحرب الأهلية والكراهية واستهداف القيم الدينية والاجتماعية"، فهل تنجح هذه التحركات في ضبط دور وسائل الاعلام والتأثير عليها؟ وأين تكمن المشكلة اليوم في خطاب التحريض والكراهية أو في دور القوى السياسية والحزبية؟ وهل يمكن للّبنانيين أن يتوافقوا على رؤية موحدة لحماية السلم الأهلي وعدم العودة للحرب الأهلية؟

أولى هذه التحركات كانت بدعوة من "اللقاء الوطني للإعلام" والذي يجمع عشرات الشخصيات الإعلامية الداعمة للمقاومة والقريبة من حزب الله، فقد أقام اللقاء مؤتمرًا موسعًا في أوتيل الريفييرا قبل ثلاثة أسابيع تحت عنوان: "مواجهة خطاب الفتنة"، وشارك فيه مندوبون من نقابة المحررين والمجلس الوطني للإعلام ومسؤولون إعلاميون ورؤساء تحرير صحف وشخصيات إعلامية متنوعة وركزت الكلمات على إدانة خطاب الفتنة ودعت للالتزام بقواعد العمل الإعلامي بعيدًا عن التحريض، ورغم أن المشاركين في اللقاء لم يسموا أي وسيلة إعلامية ولكن من الواضح أن المستهدف الاساسي من اللقاء كان قناة "أم تي في" والتي تعرضت لحملة قوية من حزب الله والمسؤولين فيها على ضوء تغطيتها لأحداث الكحالة، ولكن هذا اللقاء الحاشد لم يضع أية خطة عمل للمتابعة واقتصر على إطلاق المواقف الإعلامية.

وبموازة ذلك بدأت "المنسقية العامة لشبكة الأمان للسلم الأهلي" برئاسة المنسق العام المحامي عمر زين سلسلة تحركات من أجل مواجهة خطاب الكراهية والحرب وحماية القيم الدينية والاجتماعية، وهذه المنسّقية تتعاون مع "ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار" برئاسة العلامة السيد علي فضل الله وتضم عشرات الشخصيات والجمعيات والهيئات المعنية بالحوار وحماية السلم الاهلي، وقد عقدت سابقًا بالتعاون مع الملتقى وبالتعاون مع مختلف المرجعيات الدينية سلسلة مؤتمرات ولقاءات وطنية، وقامت وفود من المنسقية بزيارة كلا من نقابة الصحافة ونقابة المحررين والمجلس الوطني للإعلام وتحضر لزيارة وزارة الإعلام ووزارت أخرى معنية والنقابات المهنية وعدد من وسائل الإعلام والتواصل مع مسؤولي الإعلام في مختلف الأحزاب اللبنانية، وتسعى المنسقية لعقد مؤتمر وطني عام من أجل مواجهة خطاب الحرب الأهلية وللدعوة لحماية السلم الأهلي والقيم الدينية والاجتماعية.

وخلال اللقاءات التي أجرتها وفود المنسّقية بدا واضحًا أن هناك مشاكل عديدة تواجه الواقع الإعلامي في لبنان بسبب غياب القوانين المتطورة وعدم وجود آليات متابعة من قبل الجهات المعنية لضبط الخطاب الإعلامي وضعف مؤسسات الدولة والتأثير الكبير للقوى السياسية والحزبية وبعض الجهات الخارجية على وسائل الإعلام، وكل ذلك يقف حجر عثرة أمام الجهود العملية لضبط وسائل الإعلام مما يتطلب تحركًا شعبيًا وغير تقليديًا لإطلاق حملة إعلامية لحماية السلم الأهلي وضد خطاب الحرب.

كما تحركت عدة جمعيات وتجمعات ومرجعيات دينية في الاتجاه نفسه، وإن كانت بعض هذه المرجعيات تركز على ملف القيم الدينية والاجتماعية وتدعو لضبط وسائل الإعلام ووقف الحملات الداعية للترويج لبعض المفاهيم المناقضة للأديان.

كل هذه التحركات تكشف حجم المعضلة التي يواجهها الإعلام اليوم بين من يعتبر أن المشكلة تكمن في دور القوى السياسية والحزبية وأنها المسؤولة عن خطاب التحريض والكراهية، وبين من يحمل وسائل الإعلام مسؤولية الترويج للحرب، وكل ذلك يذكرنا بما كان يجري خلال أحداث الحرب الاهلية وتحميل المسؤولية لوسائل الإعلام في حين أن القوى التي تشارك في القتال والحرب تحاول تبرئة نفسها مما يجري.

وهناك مشكلة أخرى يواجهها الإعلام اللبناني اليوم في ظل اختلاف وجهات النظر حول مقاربة العديد من الملفات السياسية والاجتماعية والقيمية، مما يؤدي إلى انقسام الإعلام الى جبهتين مختلفتين.

أمام كل ذلك تواجه التحركات الهادفة لعقد مؤتمر وطني لضبط خطاب الحرب والكراهية تحديات كثيرة ولكن رغم ذلك فإن تشكيل لوبي لبناني يرفض العودة إلى الحرب الأهلية ويدعم الحوار والاستقرار وحماية السلم الأهلي أصبح ضروريًا وهذا لا يتناقض مع حماية التعددية والتنوع والاختلاف في الرأي، لكن من المهم جدًا أن يكون هناك سقفًا واحدًا يجمع الجميع وهو حماية الوطن والسلم الأهلي، وإلا لن يبقى هناك أي مجال للاختلافات وسندفع جميعًا ثمنًا كبيرًا في حال العودة إلى مناخ الحرب الأهليّة ولن يبقى وطنًا ندعي الدفاع عنه وحمايته.