تغيير وجه العراق الحضاري

"أرشيفية"
العراق مهد الحضارات الانسانيّة العليا التي نمت على ضفاف نهري دجلة والفرات. هذه الحضارات التي ساعدت الكتب الدينيّة والحفريّات الأثريّة في تقصّي تاريخ وجوديّتها في هذه الأرض التي سمّاها الاغريق أرض بابلونيا، والعرب أرض بابل. وفي هذه الأرض أولى القرى التي وجد فيها الانسان منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، في مدينة النّور التي سمّيت مدينة " أور".
وتعدّ الحضارة البابليّة من أقدم الحضارات الانسانيّة التي عرفت فيها العلوم والآداب والفنون والنظم السياسيّة والقانونيّة والاقتصاديّة. من السومريين إلى البابليّين وصولاً إلى وضع ألواح حامورابي التي عرفت على أنّها الشريعة الحقوقيّة الأولى المكتوبة التي حكمت العلاقات الانسانيّة – الانسانيّة. هذا من دون الحديث عن المحاولات الأولى في العلوم الفلسفيّة التي ترتبط بتفسير الكون وظاهرات الوجود والحياة. فالسومريّون هم الذين وضعوا نظريّة العناصر الأربعة أي الماء والهواء والنّار والتراب التي تعتبر أصل الأشياء كلّها. وصولاً إلى الفنون ولاسيّما الشعر والموسيقى وأبرزها ملحمة غلغامش.
فالعراق هذا البلد الذي عرف الحروب والثورات والنّهضات، لكنّه لم يعرف يومًا التقوقع والانعزال. حتّى في أحلك الظروف. فمن أبرز المحطّات التي طبعت تاريخ هذا البلد الحديث الحرب الايرانيّة العراقيّة في زمن الرئيس صدّام حسين التي ما انتهت بهذه الطريقة لولا المساعدة التي قدّمتها إسرائيل لإيران في ما عرف لاحقًا بفضيحة "إيران غايت". وصولاً حتّى العام 2006 عندما انبثق تنظيم داعش الإرهابي من الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، وازدهر في العراق ثم في سورية بفعل حالة الفوضى الناجمة عن القمع الذي لم ينفك النظام السوري يمارسه منذ عام 2011. هذا التنظيم الذي عاث اضطهادًا منهجيًا على أبناء الأقليات العرقية والدينية ولا سيّما الإيزيديّة والمسيحيّة. وإضافةً إلى ذلك، خطط التنظيم عدّة اعتداءات إجرامية ونفّذها في الخارج، كالاعتداءات التي وقعت في باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وفي بروكسل في آذار/مارس 2016 وفي لندن في آذار/مارس 2017.
وتعمّد تنظيم داعش تدمير التراث العالمي للبشرية، كما يتضح من ممارساته الإجرامية في مدن تدمر ونمرود والحضر التاريخية، وصولاً إلى تدمير متحف الموصل، والحضارة المسيحيّة الموجودة في العراق التي يبلغ عمرها من عمر وجود المسيحيّة في الشرق. فلجأ المسيحيّون إلى إقليم كردستان حيث شعروا بالأمان، ومنهم من هجر العراق بالكامل تاركًا وراءه التّاريخ والحضارة من دون أيّ تفكير بالعودة إلى أرض الآباء والأجداد.
وما كادت السلطات العراقيّة أن تعلن في ديسمبر 2017 تحرير جميع الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش حتّى تسلّلت إليه أصوليّة سياسيّة – دينيّة من البوّابة الفارسيّة؛ والهدف نشر التشيّع وفق المذهب الصفوي، وعلى قاعدة الإمامة الإلهيّة. حيث "إنّ الإماميّة ينسبون نظريّتهم إلى أئمّة أهل البيت، وبالذات إلى الإمامين محمّد الباقر وجعفر الصادق، ولكنّهم يقولون إنّ الأئمّة كانوا يسرون لهم بذلك، خلافًا لما كانوا يعلنون، أو ينفون، التقيّة." بحسب ما ورد في كتاب "تطوّر الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه" لمؤلّفه أحمد الكاتب، والصادر عن دار الشورى في لندن في العام 2005، ط3، في الصفحة 97 منه.
إلّا أنّ الهيمنة الإيرانيّة على السلطة السياسيّة بشكل كامل بعد تولّي السيّد محمّد شيّاع السوداني رئاسة الحكومة بدأت تترجم نظامها المعيشي الاجتماعي في العراق على غرار ما تفعله في الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران. ومن أبرز تجليات هذه النمطيّة المجتمعيّة الوافدة إلى بلاد الرافدين تطبيق قانون حظر المشروبات الكحولية إذ أعلنت الهيئة العامة للجمارك، يوم السبت 4 آذار/مارس 2023، إصدارها توجيهًا بمنع دخول المشروبات الكحولية، مستندة في ذلك إلى "قانون واردات البلدية رقم (1) لسنة 2023 والمنشور بجريدة الوقائع العراقية بالعدد (4708) لسنة 2023". كما فرض مجلس الوزراء رسمًا ضريبيًّا قيمته 200%" على المشروبات الكحولية المستوردة إلى العراق. ".
وتعد المادة الـ 14 من القانون مثيرة للجدل، حيث تحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بجميع أنواعها، كما تنص الفقرة الثانية من المادة المذكورة على فرض عقوبات لمن يتصرف خلافاً لهذا النص، وغرامة مالية لا تقل عن 10 ملايين دينار عراقي ولا تزيد عن 25 مليون دينار.